المالية: 12.7 مليار جنيه حصيلة مستهدفة من رسوم وضرائب السيارات للعام المالي المقبل    هالة السعيد: خطة التنمية الجديدة تحقق مستهدفات رؤية مصر 2030 المُحدّثة    متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية: نمضي قدما في عملية استهداف حماس في رفح    هالاند خارج حسابات مانشستر سيتي أمام برايتون    التشكيل الرسمي لمباراة طلائع الجيش وإنبي في الدوري الممتاز    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    غدا.. أمسية فلكية في متحف الطفل    "أبواب تونس" في ثالث عروض مسرح ثقافة القليوبية    نقيب الصحفيين: وضع قواعد واضحة لتغطية الجنازات    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي: قضينا على نصف قادة حزب الله في جنوب لبنان    بكين ترفض الاتهامات الأمريكية بشأن تبادلاتها التجارية مع موسكو    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    لاشين: الدولة دحرت الإرهاب من سيناء بفضل تضحيات رجال الجيش والشرطة    ضمن احتفالات العيد القومي...محافظ شمال سيناء يفتتح معرض منتجات مدارس التعليم الفني بالعريش(صور)    بعنوان «تحيا مصر».. المتحدث العسكري ينشر أغنية البطولة العربية العسكرية للفروسية    عضو بالشيوخ: مصر قدمت ملحمة وطنية كبيرة في سبيل استقلال الوطن    الحرارة كسرت ال40 في الظل وتحذير من التعرض للشمس فترات طويلة    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    وكيل حقوق عين شمس يعلن اكتشاف سرقات علمية فى ثلث رسائل الدكتوراة: تم إلغاؤها    مصرف قطر المركزي يصدر تعليمات شركات التأمين الرقمي    تعطيل خدمات المحمول غدا الخميس 25 إبريل.. اعرف السبب والوقت    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    هنا الزاهد تروج لفيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بردود أفعال الجمهور    نصيحة الفلك لمواليد 24 إبريل 2024 من برج الثور    الكشف على 117 مريضا ضمن قافلة مجانية في المنوفية    «الصحة»: فحص 1.4 مليون طالب ضمن مبادرة الكشف المبكر عن فيروس سي    «الأطفال والحوامل وكبار السن الأكثر عرضة».. 3 نصائح لتجنب الإصابة بضربة شمس    «الرعاية الصحية في الإسماعيلية»: تدريب أطقم التمريض على مكافحة العدوى والطوارئ    المرصد الأورومتوسطي: اكتشاف مقابر جماعية داخل مستشفيين بغزة إحدى جرائم الحرب الإسرائيلية    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    5 كلمات.. دار الإفتاء: أكثروا من هذا الدعاء اليوم تدخل الجنة    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    أسوشيتيد برس: احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تستهدف وقف العلاقات المالية للكليات الأمريكية مع إسرائيل    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    المستشار أحمد خليل: مصر تحرص على تعزيز التعاون الدولي لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    يسري وحيد يدخل حسابات منتخب مصر في معسكر يونيو (خاص)    عاجل.. برشلونة يقاضي ريال مدريد بسبب هدف لامين يامال    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    جديد من الحكومة عن أسعار السلع.. تنخفض للنصف تقريبا    رئيس "التخطيط الاستراتيجي": الهيدروجين الأخضر عامل مسرع رئيسي للتحول بمجال الطاقة السنوات المقبلة    الخارجية الأمريكية تحذر باكستان من احتمال التعرض لعقوبات بسبب تعاملاتها مع إيران    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    ضبط 16965 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    أبومسلم: وسام أبو علي الأفضل لقيادة هجوم الأهلي أمام مازيمبي    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاء.. تصدّى لظلم “مبارك” واستأسد على “مرسي” قبل التسليم الكامل للانقلاب

كشف تحقيق صحفي عن التحولات التي مر بها القضاء المصري، بداية من السنوات الأخيرة لمبارك في الحكم، مرورًا بالمجلس العسكري ثم الرئيس محمد مرسي، ثم سنوات الانقلاب العسكري، التي ختمت على معسكر العدل بأختام دولة الظلم والاستبداد وأحكام “إعدام وطن”.
وقارن التحقيق المنشور على موقع التحقيقات والتقارير الاستقصائية “ميدان”، أحد إصدارات شبكة “الجزيرة”، بين القضاء في سنوات مبارك الأخيرة، وما بعدها من ثورة 25 يناير وحتى الانقلاب العسكري، وبدأ التحقيق بذكريات الحكم الذي أصدرته محكمة النقض، في 12 مايو عام 2003، حينما تألفت الدائرة الأولى بالمحكمة بقضاة عرف عنهم المصريون النزاهة والعزة، وهم المستشار حسام الغرياني وعبد الرحمن هيكل ومحمد شتا وهشام البسطويسي ورفعت حنا، وأصدروا في أوج دولة القمع 2003 حكما ببطلان نتائج انتخابات مجلس الشعب التي أُجريت في 8 نوفمبر عام 2000 بدائرة قسم الزيتون في القاهرة بموجب الطعنين 959 و949 لسنة 2000، وكان الفائز حينها عن مقعد الفئات في تلك الدائرة هو زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية والأمين المساعد للحزب الوطني المنحل.
وقال التحقيق، إن هذا الحكم كان بمنزلة الشرخ الأول في جدار دولة مبارك الفاسدة، والذي سيملأ سقفها لاحقا بالتشققات، ستكون ذروتها مع احتجاجات “استقلال القضاة” التي انضم إليها عدد كبير من النشطاء والسياسيين والحركات الاحتجاجية في الشارع المصري، مكونة موجة الحركة الاحتجاجية التي تصاعدت بعد ذلك ممهدة الطريق لثورة يناير بداية عام 2011.
وانتهى حكم المستشار حسام الغرياني وهشام البسطويسي إلى “تقرير بطلان الانتخابات محل الطعن”، ورفض هؤلاء القضاة تدخل المستشار فتحي خليفة، رئيس محكمة النقض حينذاك، في قرارهم دفاعا عن استقلال القضاء، فعندما علّق “خليفة” على النسخة الأصلية للقرار وانتقد إجراءات التحقيق والقرار الصادر فيهما طالبًا إعادة عرض الطعنين، ردت اللجنة على “خليفة” قائلة: “فلا صفة لرئيس المحكمة في التعقيب عليها أو إملاء طريق معين للتحقيق، أو توجيه الدائرة أو أحد من أعضائها في شأنها”.
انتخابات 2005
وبدأت المناوشات بين نظام مبارك ودولته ومؤسسات القضاء في الاحتدام حتى جاءت الانتخابات البرلمانية عام 2005.
وقام نظام مبارك بالتواطؤ مع بعض القضاة المشرفين على العملية الانتخابية بتزوير نتائج عدد من الدوائر الانتخابية؛ لمنع وصول مرشحي الإخوان بنسب كبيرة إلى البرلمان، إلا أن الجهة الوحيدة الرسمية التي كشفت هذا التزوير كان “القضاء”.
بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، نشرت الصحف المصرية شهادة من داخل مؤسسة القضاء قلبت الموازين السياسية وقتها، عن طريق شهادة المستشارة نهى الزيني، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، بشأن تجاوزات فاضحة وقعت خلال مشاركتها في الإشراف القضائي على الانتخابات البرلمانية في دائرة بندر دمنهور في نوفمبر 2005، وتزوير نتائج الانتخابات لصالح مرشح الحزب الوطني الحاكم حينذاك “مصطفى الفقي” على حساب مرشح جماعة الإخوان د. جمال حشمت، وفي تلك الشهادة حذرت الزيني مما أسمته “القضاء المنبطح” قائلة: “مع الأسف، من لم يرهبهم سيف المعز تراخت إرادتهم عن ذهبه وبدلاته ومكافآته وانتداباته في السلطة التنفيذية، حيث يتحول الجميع جالسين أو واقفين إلى مرؤوسين لوزراء تنفيذيين منبطحين أمام توجيهاتهم، حريصين على عدم ضياع مكتسبات مادية مغرية استبدلوها باستقلالهم وشموخهم وترفّعهم عن الشبهات”.
الأمر الذي خرجت “حركة استقلال القضاء” لتؤكّد عليه، وتتصدر المشهد على أساسه. فكان حراك نادي القضاة قد بدأ في 13 مايو 2005 بتجمع عدد كبير من القضاة للتداول في شأن إشرافهم على الاستفتاء الخاص بتعديل المادة 76 من الدستور، والتي ينتقل بموجبها انتخاب رئيس الجمهورية من الاستفتاء إلى الانتخاب المباشر، وفي شأن إشرافهم أيضا على انتخابات رئيس الجمهورية والانتخابات البرلمانية، وتعليق هذه المشاركات كلها إن لم تصدر السلطة مشروعها بتعديل قانون السلطة القضائية، وتعديلات أخرى على قانون مباشرة الحقوق السياسية، كي يكون إشرافهم على الانتخابات كاملا وحقيقيا وفاعلا، لكن النظام المصري بسلطتيه التشريعية والتنفيذية لم يعبأ بتلك المطالب.
السلطة الثالثة
دفع ذلك نادي القضاة للتصعيد بإعلانه خلال اجتماع جمعيته العمومية مقاطعته الإشراف على العملية الانتخابية الرئاسية، ما لم تتوافر ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات من خلال إصدار قانون للسلطة القضائية يكفل استقلالها، لكنّ القضاة المنفعلين عاودوا التعديل على قرارهم، من أجل عدم تفويت فرصة الانتقال من طريقة الاستفتاء إلى الانتخاب المباشر، لكن نادي القضاة أكّد خلال انعقاد جمعيته العمومية غير العادية في الثاني من سبتمبر 2005 أنه لا يتحمل أي مسئولية أمام الرأي العام المصري والعالمي في حال لم يؤخذ بشروط، أهمها وجود مراقبين من منظمات المجتمع المدني داخل لجان التصويت.
ودخل القضاة في مواجهة مع النظام، فكان القضاة يرون أنفسهم ممثلين لسلطة مماثلة لسلطة الحكومة ورئيس الجمهورية نفسه، وهي السلطة الثالثة المشكلة للدولة بعد السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، حتى دعا نادي القضاة إلى تدخل القوات المسلحة لحماية القضاة خلال المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية التي استخدم فيها الأمن و”البلطجية” القوة على الصناديق، لتكون أول دعوة للجيش بأن يوازن بين قوى الحزب الحاكم والأمن الداخلي التي تستخدم البلطجية، وهو الأمر الذي أعادت قوى “الثورة المضادة” استخدامه مرة أخرى ضد الرئيس محمد مرسي.
وأصدر نادي القضاة بعد الانتخابات تقريرًا كشف فيه عن التجاوزات القانونية للعملية الانتخابية، وأن نسبة المشاركة لم تتجاوز 5%، وليس 50% كما أعلنت السلطات الرسمية، وفي إثر هذه الخطوة استُبعد نحو 1500 قاضٍ من الإشراف على الانتخابات البرلمانية التي عُقدت بعد شهرين من الانتخابات الرئاسية، وهي الانتخابات التي فضحتها شهادة المستشارة نهى الزيني، ثم خرج نادي القضاة ينتقدها مرة أخرى مؤكدا شهادة الزيني، بل وقف المستشار أحمد مكي ومحمود مكي وزكريا عبد العزيز وحسام الغرياني والمئات من شيوخ القضاة وشبابهم على سلالم دار القضاء العالي مرتدين أوسمتهم، يلفّهم علم ضخم لمصر، بلغ طوله 30 مترا، يطالبون باستقلال القضاء، ويقفون موقف الند للنظام السياسي كله.
لجنة الصلاحية
رد نظام مبارك بإحالة محمود مكي وهشام البسطويسي إلى لجنة الصلاحية تمهيدا لفصلهما، وبعدها أُحيل حسام الغرياني ويحيى جلال وعاصم عبد الجبار وناجي دربالة إلى التحقيق في أبريل 2006، عقابا لهم على مطالبتهم باستقلال القضاء.
واشتعلت المعركة؛ فأعلن نادي القضاة دخوله في اعتصام مفتوح في مقره، وفاحت رائحة الاحتجاج فساقت حركات الاحتجاج في الشارع المصري والتي بدأ دورها في التفاقم حينذاك، وخرجت تظاهرات متزامنة مع جلسات المحاكمة، كما تضامنت حركة “كفاية” والمجموعات المرتبطة بها وجماعة الإخوان المسلمين مع القضاة المعتصمين، ونُظّم عدد من الفعاليات المؤيدة لاعتصام القضاة الذي بدأ 18 أبريل 2006، وفي صباح 19 أبريل 2006، انضم مجموعة من الشباب والفتيات والمثقفين والناشطين إلى الاحتجاج واعتصموا أمام نادي القضاة، ووزعوا منشورات وحملوا لافتات تؤيد الاعتصام وتدعو الشعب المصري إلى الانضمام إليهم، وظهرت الهتافات المؤيدة لقضاة من أجل الاستقلال، وردد المتظاهرون: “يا قضاة يا قضاة.. خلصونا من الطغاة”، و”إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله”، و”يا قضاة إحنا معاكم.. شعب مصر كله وراكم”.
ارتبك نظام مبارك لاعتصام القضاة والتفاف المجموعات الشبابية الاحتجاجية حولهم، فقرر محاصرة مقر الاعتصام بأعداد أمنية كبيرة، وهاجمت الشباب الذين قُدّر عددهم ساعتها بنحو 30 شابا فقط، وصادوا متعلقاتهم ولافتاتهم واعتقلت بعضهم، لكن الأكثر صدمة، هو قيام مجموعة من الضباط وأفراد الشرطة بالاعتداء بالضرب على عدد من القضاة حين خروجهم من ناديهم، ومنهم القاضي محمود حمزة الذي نُقل إلى المستشفى في حالة سيئة، بعدما تسبب الاعتداء عليه وجره على الأرض بكسر ذراعه. فتضامنت كثير من القوى السياسية والنقابية من الأقاليم مع القضاة وأيّدت مطالبهم وحراكهم، واستقبل نادي القضاة في 26 أبريل2006 وفدا من محافظات الدلتا يضم ممثلين عن نقابات المحامين والصيادلة والمهندسين، وعن جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب الوفد والتجمع والغد، وفي اليوم التالي تمكّن القضاة مع محتجين متجمهرين في نقابتي المحامين والصحفيين من المسير نحو محكمة النقض للاحتجاج على جلسة المحاكمة الأولى للمستشارين محمود مكي وهشام البسطويسي، ثم أصدرت المحكمة في مايو 2006 حكما ببراءتهما.
واستمرت المواجهات بين القضاة والنظام حتى أيقن نظام مبارك أن أمر القضاء يحتاج إلى تدخل من داخل مؤسسة القضاء نفسها وخلخلة تكتل نادي القضاة، وهو ما حدث عندما انتهت ولاية المستشار زكريا عبد العزيز في رئاسة نادي القضاة وأجرى النادي انتخاباته في 13 فبراير 2009، وفاز بها المستشار أحمد الزند المحسوب على نظام مبارك، بدعم من أمن الدولة والحزب الوطني، وأحمد الزند هو نفسه الذي مثّل أحد أقطاب الثورة المضادة في المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير وفي عهد محمد مرسي، والذي سيكون له دور بارز في التمهيد للانقلاب العسكري.
بعد الثورة
بعد ثورة يناير وتنحي مبارك، تولى المجلس العسكري كل خيوط السلطة في مصر، لكنه عرقل عملية تفكيك النظام، لأنه في النهاية جزء منه، فلم يلغ الجيش قانون الطوارئ المفروض منذ عام 1981، ولا أوقف محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية، ولم يفكك جهاز الأمن سيئ السمعة، بل اتجه إلى التحالف مع جهاز الشرطة لتساعده في إتمام استقرار الأمن الداخلي.
عمل المجلس العسكري على حلّ برلمان الثورة وصدر إعلان دستوري منح المجلس العسكري الصلاحيات التشريعية بدلا من البرلمان كي لا تنتقل إلى الرئيس المنتخب، كما منحه حق تكوين جمعية دستورية، فضلا عن الاحتفاظ بالصلاحيات كلها المتعلقة بشئون القوات المسلحة. كان المجلس العسكري قد اكتسب شرعية دستورية بإدارة المرحلة الانتقالية بعد الاستفتاء على بعض المواد الدستورية المعدلة والتي جرى الاستفتاء عليها في 19 مارس 2011، حيث ألغى المجلس العسكري دستور 1971 وأصدر إعلانا دستوريا يحكم المرحلة الانتقالية باختيار 55 مادة من الدستور القديم. واكتسبت اختصاصات المجلس العسكري شرعيتها من هذا الإعلان، وتنتقل إلى المؤسسات المدنية المنتخبة بموجبه.
ويفسر المستشار طارق البشري ذلك الأمر قائلا: “المجلس العسكري لاحظ أن دستور 1971 كان سينقل السلطة منه إلى المجلس النيابي فور انتخابه أو قبل انتخابه، لأنه وفقا لأحكام هذا الدستور فإن رئيس الجمهورية إذا خلا منصبه أو عجز عجزا دائما عن العمل، يتولى الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب، فإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية، لذلك قرر إعداد إعلان دستوري، وهذا القرار يرد بفقه الثورة حسبما سبقت الإشارة اعتمادا على الأمر الواقع الذي أسفرت عنه عملية نقل السلطة السياسية فعلا”.
جزرة الدولة العميقة
بدأت معركة مبكرة بين البرلمان والقضاء بشقه الموالي للنظام القديم، وفي مقدمته أحمد الزند رئيس نادي القضاة، الذي تصاعدت مواجهاته مع البرلمان حتى معركة حل المجلس، ومن بعدها مواجهة الرئيس محمد مرسي”.
أصبحت يد حركة “استقلال القضاء” مغلولة، لا تمتلك سلطة تناور بها، فقد ألقت القوى السياسية السلطة كلها في ملعب المجلس العسكري وقلعة المحكمة الدستورية العليا التي لم يمسها أي تغيير، بينما وقفت القوى الثورية خارج ذلك الملعب تضرب رؤوسها في جدرانه، فحتى بعدما قامت المحكمة الدستورية العليا في الرابع عشر من يونيو عام 2012 بحل مجلس الشعب المنتخب، لم تنشب أي انتفاضة ضد حكم المحكمة، ولم يدافع الشعب عن سلطته المنتخبة وفق إرادته، بل استبشرت القوى السياسية بالقرار لأنه جاء ضد خصومهم من الإسلام السياسي الذي كان له النصيب الأكبر داخل البرلمان.
وبينما كانت العمليات الانتخابية هي الجزرة التي ألقاها المجلس العسكري والدولة العميقة للقوى السياسية، كانت المحكمة الدستورية العليا وأعضاؤها هم الخنجر الذي طعن به نظام مبارك الثورة عدة طعنات، لكن المعركة بين القوى السياسية وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون بحكم توليهم للسلطة وبين المحكمة الدستورية العليا ستشتعل لتحرق الجميع.
كان أكثر ما استدعى المحكمة الدستورية العليا للتدخل وإصدار حكمها ببطلان قانون الانتخاب وعدم شرعية البرلمان هو قانون العزل السياسي الذي ناقشته جلسات مجلس الشعب، والذي كان يقترح منع أي شخصية سابقة في نظام مبارك من العمل السياسي لمدة 10 أعوام، وادّعت المحكمة الدستورية وأعضاؤها أن ذلك بمنزلة تدخل بمبدأ الفصل بين السلطات، واستغل فقهاء دستوريون هذه النقطة للدفاع عن المحكمة الدستورية، وما جعل موقف المحكمة ومناصريها قويا هو “الحق الدستوري” الذي تمتلكه المحكمة في التدخل في قرارات مجلس الشعب إذا تناقضت مع مبادئ الدستور في نظام ديمقراطي، وهي أصلا قائمة لهذا الغرض، “أي لتفسير الدستور وحمايته من تقلبات الأكثرية والأقلية، ومحاولات تجاوز مبادئ التعاقد الاجتماعي القائمة في الدستور التي يقوم عليها النظام السياسي”.
إعلان دستوري
وأضحى المجلس العسكري والمحكمة الدستورية العليا هم من يمسكون بلب الدولة ولجام الساحة السياسية بسيطرتهما على أحقية إصدار إعلانات دستورية أو أحكام يمكنها عرقلة أي خطوة سياسية أو هيئة منتخبة بحجة عدم دستوريتها، وأصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا مكملا تضمّن عددا من المواد التي تحد من صلاحيات الرئيس الجديد الذي سيفوز في الانتخابات، “ونص في المادة 60 مكرر على حق المجلس العسكري في التدخل في تكوين الجمعية التأسيسية، إذا حدث ما يعرقل عملها.. وحق الفيتو على الدستور، الأمر الذي عنى أن الرئيس المنتخب سيكون موظفا عند المجلس الأعلى للقوات المسلحة”.
واضطر الرئيس محمد مرسي أن يحلف اليمين بعد فوزه أمام المحكمة الدستورية العليا في ظل غياب مجلس الشعب الذي حلته المحكمة الدستورية نفسها، وكانت تنتمي بشكل واضح إلى نظام مبارك، لكن الرئيس مرسي في 8 يوليو بعد أيام قليلة من توليه مهمّات منصبه، أصدر القرار رقم 11 لسنة 2012 الذي نص على عودة انعقاد مجلس الشعب الذي حلّته المحكمة الدستورية، لكن المحكمة الدستورية استبقت الجميع وأصدرت حكما برئاسة المستشار ماهر البحيري قضى بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإعادة المجلس، والتقطت القوى السياسية المعادية للرئيس مرسي قرار رئيس المحكمة الدستورية ضد الرئيس مرسي، وعملت على تهييج الشارع، بزعم مس استقلال القضاء، وتكرر الأمر عندما أصدر مرسي قرارا بإقالة النائب العام، وتطور الأمر إلى مواجهة بين الرئيس محمد مرسي ومؤسسة القضاء، خاصة المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا، التي أصدرت في 22 سبتمبر 2012 حكما بزوال مجلس الشعب بقوة القانون في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا.
وكان رد مرسي أنه استغل الحكم الذي قضت به محكمة جنايات القاهرة في العاشر من أكتوبر 2012 برئاسة القاضي حسن عبدالله، ببراءة جميع المتهمين في قضية “موقعة الجمل”، التي وقعت في الثاني من فبراير 2011 في ميدان التحرير، وأصدر قرارا بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود، وتعيينه سفيرا لمصر في الفاتيكان، وجاء القرار في سياق إعلان دستوري يتضمن تعيين طلعت إبراهيم مكانه. وهو القرار الذي قلب الشارع المصري والقضاة حتى المستقلين منهم والمعارضة والجيش، وأعطى الإشارة الخضراء للثورة المضادة وبداية الترتيب للانقلاب العسكري على الرئيس مرسي وثورة يناير كلها.
الجمعية التأسيسية
في 20 من نوفمبر 2012 حوصر مقر الجمعية التأسيسية، وأبلغ أفراد جهاز الأمن أعضاءها أنهم غير مسؤولين عن سلامتهم، لكنهم رفضوا الخروج من المقر، وعندما شعر مرسي بتحرك المحكمة الدستورية نحو إصدار حكم بحل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور أصدر إعلانه الدستوري، بسبب ما تضمنه الإعلان من تحصين قرارات الرئيس من أشكال الطعن فيها كلها، وكذا تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى من الحل وإجراءات تعيين النائب العام، فأعلنت الجمعية العمومية الطارئة لنادي القضاة الاعتصام ضد الإعلان الدستوري، كما أعلنت محكمة النقض تعليق أعمالها، فيما وصفت المحكمة الدستورية ما يحدث أنه ابتزاز للقضاء”.
قبل الانقلاب بشهرين، قضت المحكمة الإدارية العليا بوقف تنفيذ القرار رقم 134 لسنة 2013 الصادر عن رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين إلى انتخاب مجلس نواب جديد، ثم في 2 يونيو 2013، قضت المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخابات مجلس الشورى، وبطلان الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، بعد نحو عام من حكم ببطلان انتخابات مجلس الشعب، كي تستقبل مصر الانقلاب العسكري بلا أي هيئة منتخبة، وتفسح المجال لقوانين العسكر.
بعد الانقلاب العسكري، 3 يوليو 2013 سيطر الجيش على مؤسسة القضاء وقام بتسييسها لصالح النظام العسكري الجديد، فتوالت أحكام القضاء الجائرة بالمؤبدات والإعدامات، التي قتلت آلاف المصريين على المشانق أو داخل السجون، وبعدما كان الهتاف في الشارع المصري: “إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله” أصبح: “إن في مصر قضاة لا يخشون حتى الله”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.