قبل ثماني سنوات مضت، كانت الأنفاس محتبسة في ميدان التحرير، مساء 11 فبراير 2011، مع الإعلان عن تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك، ثماني سنوات مرت على هذه اللحظة التي اعتُبرت تاريخية، لكن ما يعيشه المصريون الآن من قمع سياسي واقتصادي جعل الكثيرين يعيدون النظر إلى هذه اللحظة، ويتساءلون: هل نستطيع استرداد ثورتنا وأراضينا المنهوبة ومحاكمة المجلس العسكري الذي خرب البلاد وعلى رأسه المشير طنطاوي وصبيه السيسي؟. البعض يتمنى اليوم لو أن التاريخ يعود ثماني سنوات للوراء ويعيد الثوار حساباتهم، ويرفضون في تلك الليلة مغادرة الميدان حتى يعلن الشعب عن تسلم السلطة فورًا لأحد المدنيين بدلا من المجلس العسكري الذي رتب أوراقه، وأبرم صفقاته مع الكل، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية، ودول الخليج الحامية ل”إسرائيل”. سنوات السفيه أكثر من عشرين سجنا تم بناؤها للمدنيين والثوار، تزدحم بالمعتقلين السياسيين، وتقدر منظمات حقوقية وصول عدد السجناء الرافضين للانقلاب لنحو مائة ألف معتقل، إلى جانب آلاف تمت تصفيتهم، فضلا عن المختفين قسريا والمطاردين خارج البلاد، وبموجب حزمة من القوانين أقرها برلمان المخابرات الحربية، انتكست الحريات وحقوق الإنسان أسوأ مما كانت عليه أيام مبارك. أما عن الديون فحدث ولا حرج، إذ تشير الأرقام إلى تضخم متزايد وديون خارجية متراكمة، وضغط أكبر على كاهل المواطن مع حزمة إجراءات تقشفية، أبرزها رفع الدعم عن الوقود وزيادة الضرائب، وفي ديسمبر الماضي نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريرا وصفت فيه سنوات السفيه السيسي بأنها أسوأ بكثير من مبارك، بل الأسوأ منذ خلق الله مصر. ومثلما وقر مشهد الراحل عمر سليمان في قلوب الثائرين المصريين، وهو يتلو عبر التلفزيون الرسمي، بيان تنحي مبارك عن السلطة، تعبيرا عن نجاح ثورة 25 يناير، فقد بقي مشهد السفيه السيسي وهو يتلو بيان الانقلاب على الثورة عبر التلفزيون الرسمي عالقا في أذهان الكثيرين؛ إيذانا بعهد جديد ينهي مكاسب الثورة، ويعيد “تطهير” مصر من آثارها وتبعاتها. افتتح السفيه السيسي عهده الأول بمجازر جرت خلال مواجهة الرافضين للانقلاب، أبرزها ما حصل في فض اعتصامي رابعة والنهضة، وراح ضحيته آلاف القتلى والجرحى، ووصفته هيومن رايتس ووتش ب”إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث”. القمع للجميع وخلال السنوات اللاحقة، نكل السفيه السيسي بجماعة الإخوان المسلمين، وأودع قادتهم ونشطاءهم السجون، وحولهم في وسائل إعلامه إلى مجرمين وإرهابيين قتلة، وحملهم أوزارا وآثاما كثيرة، وأصدر القضاء أحكاما بالإعدام على المئات منهم، وشرد آلافا من منتسبيهم في أرجاء العالم، وتحولوا من حكام لمصر إلى العدو الأول لأجهزتها العسكرية والأمنية، وتوزعوا بين المنافي والسجون. ولم يقتصر القمع فقط على التيارات الإسلامية، رغم أنه بدأ بها، بل طال لاحقا ليبراليين ويساريين ونخبا علمانية لم تساير السفيه السيسي في كل ما أراد، وامتدت لاحقا لتشمل الناشطين الذين أطلقوا ثورة يناير ضد نظام حسني مبارك عام 2011، ومن بين هؤلاء من وقفوا معه بقوة في انقلابه. وعلى المستوى الخارجي، ازداد تراجع الحضور المصري بسبب الانقلاب في السياسات الإقليمية والدولية، وكان لافتا أن الإدارة الأمريكية اختارت السعودية لتكون عرابة لصفقة القرن، وهو مؤشر دال على حجم تراجع مصر في أهم ملفاتها وأدوارها تاريخيا وإقليميا، كما ازداد الضغط في ملف سد النهضة الذي يمثل معضلة “وجودية” بالنسبة للمصريين في ظل تواطؤ السفيه السيسي، وموافقته على تسوية انتقم بها من المصريين ودمر أجيالا قادمة. مَثّل مجيء السيسي معجزة ربانية بالنسبة لصانعيه الصهاينة، وفق تعبير الحاخام يوئيل بن نون، وفرجًا لبعض الخليجيين الذين أسهموا في انقلابه، ووعدوه بعشرين مليارا مقابل الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي وفقا لمجلة “نيويوركر”، ولكنه تحول اليوم بحسب الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، إلى متسول عند أقدام حكام دول الخليج العربي، التي وصفها ذات مرة “بأنصاف دول”!.