جاء تعهد ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان بالقضاء على فكر جماعة الإخوان المسلمين صادما وكاشفا في ذات الوقت؛ صادمًا لأن الأفكار لا تموت، وكاشفا لمستوى سطحية الرؤية التي يسوق لها ولي العهد الطامح للوصول إلى كرسي العرش السعودي. وفي حواره خلال مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية، زعم ابن سلمان أن "المدارس السعودية تعرضت لغزو من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، ولا يزال البعض منهم موجودا، ولكن في القريب العاجل سيتم القضاء عليهم نهائيا". وردا على سؤال مقدمة البرنامج، نورا أودونيل، بشأن القضاء على ما وصفته بالتشدد في النظام التعليمي، أجاب "بن سلمان" قائلا: "بالطبع سنقضي على التشدد، فلا توجد دولة في العالم تقبل بتعرض نظامها التعليمي لغزو من أي جماعة متطرفة". وبحسب مراقبين، فإن تصريحات الأمير الشاب تأتي في سياق تقديم أوراق اعتماده لدى الغرب كي يكون الملك القادم، ومن الطبيعي أن يُظهر عداءه للإخوان والتيار الإسلامي على غرار رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، والذي لا يجد تسويقًا لاكتساب شرعيته سوى بالحرب على التيار الإسلامي بذريعة الحرب على الإرهاب وتنظيم داعش. لكن الأمير السعودي يتناسى أن العالم كله كان يشكو من تطرف الوهابية ويشيد باعتدال الإخوان، وأن هذا الفكر الوسطي المعتدل للإخوان انتشر في السعودية لقبول السعوديين به ورفضهم للفكر المتطرف. كما تأتي هذه التصريحات العدائية ردا على موقف الجماعة الرافض بشدة للتنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للمملكة، في إطار صفقة مشبوهة يرفضها الشعب المصري، وهو ما يغضب النظام السعودي الجديد الرامي إلى استرضاء الغرب والأمريكان. سبب آخر لهذا العداء الجديد من جانب القيادة السعودية الشابة، هو موقف الجماعة من ثورات الربيع العربي وتصدرها للمُشاهد الداعي إلى الحرية وتداول السلطة واحترام إرادة الشعب، وهو ما تخشاه النظم العسكرية وبعض الإمارات الخليجية؛ خوفًا من تطلع شعوبها نحو الحرية واستلهام النموذج الديمقراطي الغربي بروح ونكهة الإسلام. نكرن للجميل وردًا على تعهد ولي العهد السعودي "بالقضاء على ما تبقى من فكر الإخوان"، وصف نائب المرشد العام لجماعة الإخوان إبراهيم منير، هجوم ولي العهد السعودي على فكر الإخوان بأنه "نكران لجميل الإخوان الذين دافعوا عن السعودية والخليج أيام المد الناصري والبعثي والشيوعي والأفكار الدخيلة على الأمة". وأضاف منير أن الإخوان هم الدرع الذي تكسرت عليه مؤامرة الناصرية والبعثية التي أرادوا لها أن تكون بديلا عن الدين، ووقف الإخوان ضد حملات التغريب الشديدة، التي كان يقوم بها من وصفوا أنفسهم بعلماء التنوير، ولولا التوفيق الإلهي لما بقيت السعودية ولا الخليج". وأوضح منير أن "هذه ليست الهجمة الأولى التي يتعرض لها الإخوان ولن تكون الأخيرة"، مشددا على أنه «لن يستطيع لا ولي العهد السعودي ولا غيره أن يقضي على الفكر الإسلامي الصحيح، وفكر الإخوان يقوم على قاعدة لا إفراط ولا تفريط». يخالف الأب المؤسس وبهذا العداء وتلك التوجهات يخالف ولي العهد السعودي نهج الأب المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، ومن خلفوه على عرش المملكة، حيث كانت تربطهم صلات وثيقة بالجماعة منذ تأسيسها. ولا يزال السعوديون يحتفظون في ذاكرتهم بموقف مشرّف لجماعة الإخوان، حيث عمدت الجماعة للاعتراف بالدولة السعودية في بداية تأسيسها، وكان على رأسها الأب المؤسس، حيث رفضت مصر في حينها الاعتراف بها، وقد ارتحل الإمام البنا للحج مباركًا نشوء تلك الإمارة، وكتبت صحيفة أم القرى في وقتها "مرحبًا بالرئيس البنا ". وبحسب تقرير موسع للجزيرة، فبين السعودية والإخوان تاريخ طويل من الاحتضان تارة والمواجهة تارات أخرى، وقد بدأت العلاقات بين المؤسسيْن خلال لقاء تاريخي بين الملك عبد العزيز آل سعود ومؤسس الجماعة الإمام حسن البنا سنة 1936، واستمرت تنمو بهدوء واطّراد. وقد أسلمت هذه المرحلة زمام العلاقة إلى مرحلة التحالف بين الإخوان والسعودية حيث: – وجد الإخوان في الحضن السعودي ملجأ من السياط الناصرية التي أدمتم ظهورهم. – وجدت السعودية في الإخوان حليفا قويا لمواجهة المد القومي الذي انتشر في مختلف الأقطار العربية، حاملا بذور الصراع مع المملكة سياسيا ودينيا. – جاء التحالف جزءا من الصراع بين السعودية المدعومة من الغرب الأمريكي، ومصر المدعومة من الشرق السوفياتي. وهكذا تكامل التحالف بين دولة ناشئة تنام على أنهار من الثروة، تحتاج يدا عاملة وأقلاما منتجة لتصوغ رؤيتها للتعاطي مع العالم الجديد، خصوصا في مجال وضع الاستراتيجيات التعليمية وصياغة المناهج، وتجديد الخطاب الديني الذي كان وقتها بحاجة إلى تحديث وتطوير. وقد استلم الإخوان من عدة أقطار عربية في هذه الفترة قطار التحديث والبناء في عدة مؤسسات سعودية، خصوصا في مجال التعليم الذي كان مجال البصمة الإخوانية المتناغمة مع الأرض السلفية، وهنا تكامل الطرفان: الباحث عن مأوى ومستقر والباحث عن عقول وكوادر، وقد استمر هذا المسار طوال الفترتين الناصرية والساداتية. إشادة الملك فيصل وكان الملك فيصل أبرز من دعم الإخوان وحاول شخصيا التدخل لإنقاذ قادة كبار من الإعدام، وبعث برسالة لعبد الناصر طلب فيها وقف تنفيذ الإعدام على قادة الإخوان، وعندما أصر عبد الناصر على تنفيذ الإعدامات، لجأ الملك فيصل إلى استضافة كوادر الجماعة وذوي المعدومين، حتى إنه استضاف محمد شقيق الشهيد سيد قطب، الذي ظل في المملكة حتى وفاته، ولم يكتف باستضافته بل سمح له بنشر أفكار جماعته داخل الحرم. ومما يذكره السعوديون في أدبياتهم، أن جماعة الإخوان ساهمت في بناء نهضة السعودية من خلال المميزات التي منحها قادة المملكة للجماعة. وسبق هذا الدعم من الملك فيصل تأييد الملك عبد العزيز آل سعود لفكر الجماعة، ففي عام 1936، توجه الإمام الشهيد حسن البنا للحج أول مرة في حياته والتقى الملك عبد العزيز، وطلب "البنا" في اللقاء إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز قائلا: "كلنا إخوان مسلمون"، وقد نشر اللقاء في جريدة شبه رسمية "أم القرى"، كبرى الجرائد السعودية آنذاك، حيث رحبت بالإمام البنا وصحبه، ونشرت الموضوع تحت عنوان: "على الرحب والسعة". وفي الحجة الثانية للبنا عام 1946، أقام الملك عبد العزيز مأدبة غداء لبعثة الإخوان، وكان الملك يلبي طلب البنا في الحال كلما أبدى رغبة في لقائه. ويرى الدكتور أحمد الهواس، الخبير في شئون الحركات الإسلامية، أن الإخوان قد وصل فكرهم من خلال "القواعد" إلى جميع البلاد العربية ولا سيما المملكة؛ وذلك بسبب تميز مصر تاريخيا عن سواها من البلاد العربية من حيث نشأة التعليم والجامعات والبحث العلمي والعلوم الإدارية بشكل عام، حيث ارتحل المدرسون والإداريون المصريون في البلاد العربية بعد نيل تلك الدول لاستقلالها، وحاجة تلك الدول للبناء التعليمي والإداري والطبي، ومختلف مناحي الحياة فبرز المصريون في المقدمة، وكانت الكوادر المصرية تقوم بتلك المهام إلى جانب دول أخرى عربية كالفلسطينيين والسوريين، وقد كان عدد كبير من هؤلاء من أصحاب الفكر الإخواني حيث كان تأثيرهم واضح المعالم على الطلبة والمجتمع.