لا يوجد شىء يحدث فى مصر صدفة هذه الأيام، فكل شىء مدروس.. كل شىء مدروس بل مضبوط ومرسوم بدقة.. هل رأيتم مثلا دولة فى العالم تتدهور مؤشرات اقتصادها وينخفض سعر عملتها فجأة خلال 24 ساعة وبالصدفة البحتة؟! ومتى؟ بعد 48 ساعة من دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ وفشل مؤامرة تعطيله؟!. فجأةً يقفز الدولار لأعلى "صدفة"، وتتعالى صيحات إعلام الثورة المضادة "صدفة أيضا" محذرة من وصول الدولار إلى سبعة جنيهات ونصف بعدما كان ستة جنيهات فقط.. وفجأة الاستمرار فى التشويه الإعلامى بمساعدة النخب المزورة، وأعوان الخارج، بالتزامن مع تصاعد الضغوط الاقتصادية على المواطنين وفتح الباب للمضاربة على الدولار من قبل السماسرة.. شفتوا الصدفة الغريبة!!. حسنًا فَعَل البنك المركزى حينما تحرك سريعا ومبكرا –بتعليمات واضحة من الرئاسة خلال لقاء مرسى والعقدة– لوضع حد لهذه الفوضى المخططة، ووضع نظام جديد "إف إكس أوكشنز" للتعامل مع الدولار، الذى أكد الخبراء أنه أجهض فرصة المضاربة على سعر الدولار من جانب المضاربين الذين يتربصون من أجل خلق سوق سوداء جديدة للعملات فى مصر بدليل أنه قلل الطلب على الدولار، وحرص الرئيس مرسى على أن يؤكد هذا بنفسه خلال لقائه بالإعلاميين أمس الأول، وأن الأمور ستعود لطبيعتها، وأن ما يجرى "لا يقلقنا ولا يخيفنا وأنه خلال أيام سوف تتوازن الأمور". ولكن هذا لا يمنع من أن نتذكر مرة أخرى أن هذه "الصدف المفاجئة" هى جزء من المؤامرة الواضحة والمكشوفة التى تتداخل فيها قوى داخلية وخارجية؛ لإضعاف مركز مصر المالى وإثارة الأقاويل حوله كى ينهار، وتصفير الأرصدة وحرق الأرض، وهذه مستمرة على قدم وساق ولم تتوقف قبل أو بعد الاستفتاء على الدستور، وقد تزيد مع الانتخابات البرلمانية المقبلة؛ لأن جبهة الإنقاذ ستخرج منها أيضا مهزومة، ومَن يراهنون عليها يراهنون عليها من زاوية تمهيد الطريق لها. فأحد هذه الأهداف هو الحيلولة بين الحكومة القادمة (المتوقع أن يشكلها إسلاميون بعد فوزهم بالأغلبية) وبين استلامها الكامل للاقتصاد أو الأجهزة المخابراتية والأمنية، وأحد أهدافها أيضا هو إفشال هذه الحكومة قبل أن تبدأ وبشكل أساسى فى الجانب الاقتصادى، كى يسهل تدخل صناديق المال الغربية فى الاقتصاد، ونظل نعتمد على الديون وعلى الخارج ولا ننهض بصورة صحية، وتستمر الفجوة بين الأغنياء والفقراء فى الاتساع؛ أملا فيما يروجون له حاليا وببجاحة منقطعة النظير وهى "ثورة الجياع"!. لا تنسوا ما قاله المفكر الإسرائيلى سافى ريخليفسكى من أن: "إسرائيل وظّفت الصراع بشكل يمنع الطبقة الوسطى فى العالم العربى من أداء دورها النهضوى وتلافى تأثيرها"، أى أنهم – ضمن أدوارهم الاستخبارية– يشجعون زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وعدم وجود طبقة وسطى، فيَغلى المجتمع ويتناحر ويتقاتل وينهار، وتنجو تل أبيب من شر مصر والعرب!