قال روبرتو روكو -أستاذ الاقتصاد السياسي الإيطالي-: إن قرض صندوق النقد الدولي لمصر والبالغ 12 مليار دولار ليس أفضل البدائل المتاحة لمصر، خاصة أن شروطه التقشفية ستقلل من فرص ضخ استثمارات ذات طابع إنتاجي، لافتا إلى أن القرض سيدخل مصر في دوامة لا تنتهي من الديون. وكانت حكومة الانقلاب قد أعلنت الخميس عن التوصل لاتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي لإقراض مصر 12 مليار دولار على 3 سنوات، في محاولة لإخراج البلاد من دائرة التباطؤ الاقتصادي وترى الحكومة أنه سيساعدها في سد الفجوة التمويلية ومساندة برنامجها للإصلاح الاقتصادي، والذي يشمل إعادة هيكلة الدعم والتحول لضريبة القيمة المضافة وإعادة هيكلة الجهاز الحكومي عبر قانون الخدمة المدنية بتسريح ملايين الموظفين. ولا ينكر روكو أهمية تمويل الصندوق في مساندة البلاد لمواجهة أزمة العملة الصعبة القائمة، مشيرا إلى أن مساندة الاقتصادات في أزماتها المالية كان "أحد المهام الرئيسية للصندوق منذ تأسيسه عام 1944". لكن الأستاذ الإيطالي يستدرك "ما أجده شديد الإشكالية هو السياسات التي تصاحب قروض الصندوق، والتي أظهرت خلال العقود الثلاثة الماضية عجزها عن خلق النمو المستدام. فالبحوث الأخيرة ترجح أنها على العكس (من خلق النمو) تدخل البلاد في دائرة من الاعتماد على الديون، التي تُموِل شروطا أكثر ثقلا (تتعلق بالسياسات الاقتصادية)، يتم فرضها خلال دورات من عمليات الإقراض". ويقول روكو إن "إجراءات التقشف التي تلوح في الأفق، والتعويم الحتمي الذي تم طرحه كأحد مطالب الصندوق، يُرجح أن نطاق الاستثمارات الإنتاجية سيقل بشكل كبير". ويرى روكو أن التركيز فقط على تخفيض الجنيه أو تعويمه دون وضع خطة لتحفيز الاستثمارات يمثل مخاطرة على إدخال الاقتصاد بشكل أكبر في الأزمة، حيث يشير إلى أن تجارب مصر السابقة في التعويم (المُدار) كشفت عن أن خفض العملة المحلية يزيد من تكاليف الواردات بأكثر من كونه يحسن من تنافسية الصادرات. ويعتبر روكو أن مصر كان يمكن أن تقترض من الأسواق الدولية وتوجه هذه القروض إلى مشروعات استثمارية، بدلا من الاقتراض من الصندوق، خاصة في ظل انخفاض أسعار الفائدة دوليا في الوقت الحالي. لكن الأستاذ الإيطالي يرى أن الحكومة الحالية تفتقد للرؤية الاقتصادية التي تشجع على خلق الاستثمارات، مشيرا إلى أن هناك تركيز "على المشروعات التي تحقق الطموح الشخصي ..أكثر من التنمية القومية" بحسب قوله. ويرى روكو أن اتجاه مصر للصندوق يعكس اتباعها لنفس مزيج السياسات التي تسير وفقا لها منذ التسعينات، والذي يشمل خليطا بين "السياسات النيوليبرالية وهيمنة الدولة". وتعاني مصر من أزمة نقص النقد الأجنبي في ظل ضعف كل من السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، وبعد أن كانت احتياطات النقد الأجنبي تتجاوز ال36 مليار دولار في 2010 أصبحت تغطي بالكاد تكاليف ثلاثة أشهر من الواردات المصرية، وبلغت 15.5 مليار دولار في نهاية يوليو الماضي. وتواجه مصر تفاقما في مستويات المديونية الخارجية، والتي ارتفعت من نحو 35 مليار دولار في يونيو 2011 إلى 53.4 مليار دولار في الربع الثالث من العام المالي 2015/2016. كما أن عجز الموازنة زاد عن مستوى 10% من الناتج الإجمالي في آخر عام مالي أفصحت الحكومة عن مؤشراته، 2014/2015، مما يعوق قدرتها على التوسع في ضخ الاستثمارات لتنشيط الاقتصاد، وذلك في ظل تباطؤ معدلات النمو والتي ارتفعت بالكاد عن الزيادة السنوية للسكان خلال نفس العام، لتبلغ 3.1%. واتجهت الحكومات المشكلة في أعقاب انقلاب 30 يونيو لتقليص بعض أوجه الإنفاق للسيطرة على العجز المتفاقم، كالتخفيض التدريجي لدعم المواد البترولية وكبح نمو الأجور الحكومية، واللذان يعدان أحد أبرز ملامح الإصلاحات المالية التي تتبناها الدولة. ويترقب المتعاملون في سوق الصرف تخفيضا جديدا لقيمة العملة المحلية، بعد الزيادة الأخيرة للدولار في مارس الماضي بنحو 14%، وذلك بسبب اتساع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي لأكثر من ثلاثة جنيهات. وقال البنك المركزي إنه سيتبنى سعر صرف أكثر مرونة، في إشارة إلى تحريك مقبل في سعر الجنيه. واتبعت مصر سياسة التعويم التدريجي للجنيه خلال السنوات الثلاثة الماضية، لكن قيمة الصادرات تراجعت من نحو 27 مليار دولار في 2012/2013 إلى 22.2 مليار دولار في العام المالي 2014/2015.