استقبل عبد الفتاح السيسي، الأحد، رئيس مجلس إدارة شركة تاليس الفرنسية باتريس كين، بحضور قائد القيادة الإستراتيجية المشرف على التصنيع العسكري الفريق أحمد خالد، ورئيس مجلس إدارة الشركة العربية العالمية للبصريات اللواء طارق زغلول، والعقيد بحري أحمد عادل بالقيادة الإستراتيجية، إلى جانب كل من كريستوف سالمون نائب رئيس شركة تاليس، وشريف بركات مدير شركة تاليس مصر. وصرح السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الانقلاب، على فيسبوك، بأن اللقاء شهد التباحث حول آفاق التعاون مع الشركة الفرنسية ذات الخبرات العالمية في مجال تكنولوجيا البصريات والإليكترونيات والأمن السيبراني وتطبيقاتها في القطاع المدني والخدمي، وذلك بالتعاون مع الشركة العربية العالمية للبصريات، وشركة بنها للصناعات الإليكترونية. وأكد السيسي بوجهٍ عام على مسيرة التعاون المتميزة بين مصر وفرنسا، خاصة ما يتعلق بنشاط الشركات الفرنسية في مصر وإسهامها في عملية التنمية، التي مثل نجاحها في مصر نقطة انطلاق لها إلى مختلف دول المنطقة، وتطلع مصر إلى مواصلة هذا التعاون وتطويره، لاسيما مع شركة تاليس ذات الخبرة العريقة في مجال البصريات والإليكترونيات. ونسطت شركة تاليس وغيرها من الشركات الفرنسية في مصر، مع قدوم السيسي الذي عقد آلاف الصفقات لشراء الأسلحة من فرنسا، والتي كلفت حكومة مصر مليارات الدولارات و التي تسببت في أزمة مصر الاقتصادية وانهيار العملة المحلية ووصول الديون لأرقام قياسية غير مسبوقة. كما نشطت الشركات الفرنسية في فضائح قضايا التجسس في مصر، بجانب المساهمة في قتل المصريين ، من خلال إمداد الجيش المصري بمعلومات وأجهزة تجسس ساهمت في قتل المصريين على الحدود الغربية مع ليبيا بالخطأ، وهو ما عرف بفضيحة سيرلي.
فضيحة عسكرية وفي نوفمبر 2021، كشف موقع ديسكلوز المتخصص في التحقيقات الصحفية الطويلة في تحقيق له عن فضيحة عسكرية، حول مشاركة قوات فرنسية في عمليات استخباراتية عسكرية لصالح الجيش المصري استهدفت المئات من المدنيين من مهربين وغيرهم في المنطقة الحدودية الفاصلة بين مصر وليبيا. وقد ألقى التحقيق الضوء أيضا على اتفاقيات عسكرية سرية بين الإيليزيه من جهة، سواء في عهد فرانسوا هولاند أو إيمانويل ماكرون، وبين الحكومة في مصر، التي تحولت إلى أحد أهم مشتر للصناعة العسكرية الفرنسية في الأعوام الأخيرة.
الجريمة وفي يوم 13 فبراير 2016 كانت القاعدة العسكرية بمرسى مطروح في انتظار مجموعة عسكرية مهمة، إذ وصلت شاحنة إلى المنطقة التي تبعد نحو 570 كيلومترا عن العاصمة القاهرة، حاملة 10 فرنسيين دخلوا إلى البلاد بتأشيرات سياحية، نزل الفريق الفرنسي في مبنى بدائي يفتقد للخدمات الأساسية كالماء أو مكيفات الهواء، وهو مبنى سيكون بدءا من تلك اللحظة مركزا لعمليات عسكرية فرنسية سرية بمصر أُطلق عليها اسم سيرلي. بدأت اللبنات الأولى لهذه العملية العسكرية يوم 25 يوليو 2015، عندما زار جون إيف لو دريان ، وزير الدفاع الفرنسي السابق ووزير الخارجية الفرنسي القاهرة بصحبة الجنرال كريستوف غومار ، مدير المخابرات العسكرية الفرنسية السابق، للقاء صدقي صبحي، وزير الدفاع المصري وقتها كانت الأجواء إيجابية للغاية، والسبب في ذلك هو صفقات التسليح التي عقدتها القاهرة قبلا مع باريس، حيث وصلت قيمتها إلى 5.6 مليارات يورو مقابل اقتناء 24 طائرة رافال وسفينتين حربيتين. استغل الجانب المصري حماس الفرنسيين لتوطيد علاقتهم العسكرية مع القاهرة ونيل المزيد من عقود الأسلحة المربحة، وطلب مساعدة من باريس من أجل تأمين 1200 كيلومتر من الحدود المصرية الليبية، وقد وافق الفرنسيون من فورهم وأكدوا بدء العمل على خطة عسكرية سرية في إطار الحرب على الإرهاب تُشرف عليها الاستخبارات العسكرية الفرنسية إشرافا مباشرا، ثم وقع الطرفان اتفاقا بذلك وضع الأُطر العامة لهذه العملية وأهدافها وحدودها. بعد أشهر قليلة من هذا الاتفاق، وصل إلى مصر فريق فرنسي من 4 أفراد بالجيش الفرنسي، و6 جنود سابقين يعملون حاليا في القطاع العسكري الخاص بعد وصولهم إلى سن التقاعد، إلى جانب طيارين اثنين، و4 محللين عسكريين يعملون لدى شركة "CAE Aviation" وهي شركة مسجلة في لوكسمبورغ، ولم تشارك الشركة في العمليات عبر هؤلاء الأفراد فحسب، بل كانت وراء تزويد فرنسا بالقطعة الأهم في هذه العملية، طائرة مراقبة خفيفة من طراز "مِرلين 3" (Merlin 3) التي كلفت الفرنسيين نحو 1.45 مليون يورو، واستُخدمت بكثافة ما بين يوليو وديسمبر 2016.
استهداف المهربين على الورق، كان الهدف من العملية هو مساعدة القاهرة على تأمين حدودها الغربية مع ليبيا، التي عانت آنذاك اشتداد القتال الأهلي الذي شارك فيه عدد من التنظيمات الجهادية على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ولكن بعد مدة قصيرة من انطلاق العمليات، أظهر الجانب المصري اهتماما أكبر بهدف آخر بعيد عن التنظيمات المسلحة، وهُم المهربون من المدنيين. يقول تحقيق ديسكلوز إن "بعد شهرين فقط من بدء عملية سيرلي، توصلت إدارة الاستخبارات العسكرية الفرنسية من خلال تقرير أصدره ضابط فرنسي بتاريخ 20 إبريل 2016 إلى أن الجانب المصري أراد تنفيذ عمليات مباشرة ضد المهربين، وأنه لا توجد أي رغبة حقيقية لديه في استغلال عمليات المسح التي قامت بها طائرة المراقبة في البحث عن عناصر إرهابية بالفعل، تكرر الأمر نفسه بعد 4 أشهر من التقرير الأول، إذ صدر تقرير جديد مفاده أن النظام المصري استهدف المُهربين لا الإرهابيين وأنه يُصِرُّ على ذلك، وهؤلاء المُهربون هم شباب تتراوح أعمارهم ما بين 18-30 سنة يُهربون المخدرات والأسلحة أحيانا، ويُهربون الحبوب كالقمح والأرز ومساحيق التجميل في أحيان أخرى بهدف البحث عن لقمة العيش. يزعم الموقع الفرنسي أن 50% من السكان في مرسى مطروح يعيشون من قوت "التهريب" إذ يتلقى المُهرب على حافلة تهريب السجائر مثلا نحو 3800 يورو، في حين لا يتعدى الدخل اليومي للعمال في حقول الزيتون أو في جني التمور ما يُكافئ 6 يورو فقط بالعُملة المحلية. بيد أن عملية التهريب تظل خطيرة للغاية، إذ أعلنت الرئاسة المصرية في يوليو 2020 تدمير 10 آلاف عربة لمُهرِّبين وإرهابيين على مدار 7 سنوات، ما يعني مقتل آلاف من المدنيين، وقد زاد ضيق عملاء الاستخبارات الفرنسية بعد أن تأكدوا أن عملهم في مصر ليس له جدوى كبيرة، إذ يرفض النظام المصري اقتراب طائرة المراقبة الفرنسية من منطقة سيناء أو الداخل الليبي، حيث ينشط عدد من التنظيمات الجهادية، بل يكتفي باستهداف المُهربين على الحدود ليس إلا. وفي يوم 21 سبتمبر 2016، رصدت طائرة التجسس الفرنسية إحداثيات سيارات تسير وسط الكثبان الرملية، بعدها تواصلت الطائرة مع مركز العمليات الفرنسي على الأرض الذي من جهته نقل الإحداثيات إلى غرفة عمليات الجيش المصري، وفي غضون دقائق، التقطت كاميرات المراقبة استهداف طائرة خاصة بالجيش المصري لهذه السيارات التي كانت تقل عددا من المُهرِّبين. كانت هذه العملية واحدة من بين 19 عملية شاركت فيها فرنسا بمعلوماتها الاستخباراتية في استهداف عدد من المدنيين حسب ما نشر التحقيق، وبعد أيام أعلنت وزارة الدفاع المصرية في بلاغ لها عن تدمير 8 عربات لمُهرِّبين محتملين تدميرا كليا.
ماكرون يجدد العملية بعد وصوله إلى رئاسة فرنسا، أكد ماكرون في خطاب له يوم 7 مايو 2017 أن أوروبا والعالم ينتظرون من بلاده الدفاع عن "الأنوار المهددة" في عدد من الأماكن، والدفاع عن الحريات ونصرة المظلومين. وبعد هذا الخطاب بثلاثة أسابيع، أجرى ماكرون اتصالا هاتفيا مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي بُعيد حادثة استهداف مواطنين مصريين مسيحيين من طرف داعش. لم يتطرق الرجلان لهذه الحادثة فقط، بل ركزا أيضا على العمليات الدائرة على الحدود مع ليبيا، حيث أكَّد الرئيس الفرنسي لنظيره المصري أن لديه جميع المعلومات حول هذه العمليات وتطوراتها. في غضون ساعات بعد هذا الاتصال، حصل "بيير دو فيليي" قائد أركان الجيش الفرنسي، على رسالة من الجنرال "كريستوف غومار" مدير الاستخبارات العسكرية الفرنسية السابق، أكد فيها أن السيارات التي استهدفت في سبتمبر لم تكن تابعة لأي تنظيم إرهابي، مُضيفا في الرسالة نفسها "الحرب على الإرهاب ليست على رأس أولويات المصريين، بل تأتي في المركز الثالث". بيد أن أيّا من هذه التقارير لم يؤثر على سير العمليات، إذ زارت "سيلفي جولار" وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة، مصر في السادس من يونيو017 للقاء السيسي وأكَّدت له استعداد ماكرون رفع معدل العمليات، لا سيما أنها تساعد على الوصول إلى نتائج وصفها الرئيس الفرنسي بالممتازة والاستثنائية. بعد هذه الزيارة جاء الدور على "جون إيف لو دريان"، وزير الدفاع الفرنسي السابق الذي كان قد عُيِّن لتوه وزيرا للخارجية، وقد أتى الرجل للقاء صدقي صبحي، وناقش الطرفان خلال اجتماعهما الشق السري للعملية العسكرية "سيرلي" وبعدها استمرت طائرات الجيش المصري في استهداف السيارات التي تحركت في المنطقة، وكان من بين الضحايا هذه المرة مهندس مصري يُدعى "أحمد الفقي" واثنان من زملائه كانوا يعملون على تعبيد طريق بالقُرب من واحة بحرية، إذ ضربت طائرة مصرية شاحناتهم الصغيرة فقتلت ثلاثتهم. لم تتغير رغبة باريسوالقاهرة في مواصلة التحركات العسكرية بالمنطقة، وقبيل زيارة الرئيس الفرنسي للقاهرة مطلع العام 2019 برفقة وزيرة دفاعه الجديدة "فلورانس بارلي" حصل ماكرون على تقرير من الجهة المسؤولة عن الشؤون الأفريقية بالإليزيه يوصيه بتوقيع اتفاق قانوني يحمي التدخُّل الفرنسي، لكن ساكن الإليزيه لم يُعِر هذه التوصيات أي اهتمام، بل منح السيسي وسام جوقة الشرف، وهو أرفع وسام فرنسي، يوم 5 ديسمبر 2020، وذلك بعد أن وقَّع الطرفان قبل 4 أشهر صفقة تسليح وصلت قيمتها إلى 3.6 مليون يورو مقابل 30 طائرة رافال. والغريب أنه بعد نشر التحقيقات عن عمليات القوات الفرتسيةبمصر، لم تتحرك أية جهة مصرية لمناقشة التقارير والمعلومات، على رغم الضحة الكبرى بفرنسا والعالم، والتحقيقات التي جرت بفرنسا والبرلمان الفرنسي وغيره. ومن جهته صرح موقع "ديسكلوز" في بلاغ نشره بعد هذا التحقيق أن الدافع الحقيقي وراء إخراج هذه المعلومات إلى النور قانوني في المقام الأول ويمس طبيعة هذه العمليات العسكرية، إلى جانب حقيقة أن تمويل هذه العمليات يأتي من ميزانية وزارة الدفاع، ما يعني ضرورة كشف جميع المعلومات المتاحة حول "سيرلي" للنواب البرلمانيين بوصفهم ممثلين للشعب الفرنسي. ومن جهتها لم تُعلق مصر رسميا حتى الآن على ما تداولته وسائل الإعلام الفرنسية، بل اكتفت بأن أضافت موقع "ديسكلوز" إلى قائمة مواقعها المحظور دخولها عبر الإنترنت داخل مصر. وهكذا تقف مصر على أعتاب مرحلة جديدة من التعاون الأمني والاستخباراتي على المصريين بالتعاون مع الشركة الفرنسية ، التي استنزفت وأخواتها الفرنسيات أرواح المصريين وأموالهم.