الهجوم الذي شنه شوقي علام، مفتي الديار السيسية، على الإسلام والمسلمين ضمن حوار أجراه لبرنامج "نظرة" على قناة "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين المحسوب على جهاز أمن الدولة، الجمعة 9 أكتوبر 2020، لا يمكن فصله عن مواقف السلطة وقائد الانقلاب في مصر؛ فعلام يدعي أن نحو نصف المسلمين في أوروبا من الجيلين الثاني الثالث ينتمون إلى تنظيم "داعش" المصنف كتنظيم إرهابي في جميع دول العالم، وهي التصريحات التي مثلت صدمة لكثير من الأوساط الدينية والبحثية والسياسية على مستوى مصر والعالمين العربي والإسلامي. فمن أين يستمد المفتي كل هذه الوقاحة وسوء الأدب في الحديث عن الإسلام والمسلمين رغم أنه من المفترض وفق وظيفته أن يكون درعا لحماية الإسلام والمسلمين لا خنجرا مسموما يجري به طعن الإسلام والمسلمين لإرضاء السلطة حتى يتم التجديد له مفتيا لفترة جديدة خلال الشهور المقبلة؟ هذه التصريحات اعتبرها كثير من المراقبين والمحللين ومرجعيات دينية معتبرة حربا على الإسلام والمسلمين ودعما لتصريحات الرئيس الفرنسي المتطرف إيمانويل ماكرون الذي هاجم الإسلام مؤخرا، حيث تحدث في خطاب له، الجمعة الماضي، عن "إعادة هيكلة الإسلام"، مدعيا أن "الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم"، وعلى باريس التصدي لما وصفها ب"الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية". بالطبع لا يمكن فصل هذه الوقاحة عن مواقف قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، الذي اتهم المسلمين من قبل بأنهم مصدر الإرهاب والعنف في العالم عندما ادعى في أحد الاحتفالات الدينية أن مليار ونصف مسلم يريدون أن يعيشوا هم وحدهم في هذا العالم. كما لا يمكن فصل هذه التصريحات الشاذة للمفتي عن السياق العام في مصر؛ فعداء السيسي للمساجد بات لا يحتاج إلى دليل أو برهان؛ ويكفي آلاف المشاهد والصور ولقطات الفيديو التي جرى بثها ونشرها حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي وفضائيات الثورة لعشرات المساجد والمآذن التي دمرها السيسي والتي أصابت ملايين المسلمين في مصر والعالم بصدمة وغضب لا يعلم مداه إلا الله. ويكفي أن قائد الانقلاب قد اعترف بشكل سافر بهدم نحو 35 مسجدا على طريق محور ترعة المحمودية الذي يربط محافظة البحيرة بالإسكندرية. وبرر السيسي هذه الخطيئة بأن هذه المساجد مخالفة وأقيمت على أرض الدولة. فلماذا لم يسع إلى تقنينها كما يفعل مع الكنائس المخالفة؟ عداء السيسي للإسلام لم يتوقف على حصار مساجد مصر بل إنه طالب الدول الغربية بحصار المساجد في بلادها وذلك أثناء مشاركته في قمة ميونيخ للأمن التي عقدت في ألمانيا في فبراير 2019م، حيث حرَّض الأوروبيين على مراقبة المساجد، وقال إنه دأب في لقاءاته مع المسئولين الأوروبيين أو من أي دولة أخرى على حثهم على الانتباه لما ينشر في دور العبادة الخاصة بالمسلمين. وربط السيسي ذلك بالحرب على ما يسمى بالإرهاب وهو ما يتسق مع تصورات السيسي المشوهة عن الإسلام والمساجد باعتبارها أوكار لتفريخ الإرهابيين وليست دور عبادة تسمو بالروح وتهذب السلوك. كما لا يمكن فصل هجوم علام على الإسلام والمسلمين عن الحرب التي يشنها نظام الطاغية السيسي على الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية في مصر والعالم، حيث قاد انقلابيا عسكريا دمويا على الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي إلى الجماعة والذي جاء بانتخابات ديمقراطية شهد بها العالم كله، وزج بالرئيس ومئات الآلاف من أنصاره في السجون المعتقلات بتهم سياسية ملفقة على مدار السنوت السبع الماضية. كما جرى غلق عشرات القنوات والصحف التي تؤمن بالمرجعية الإسلامية ومنع الآلاف من الدعاة إلى الله من ممارسة أنشطتهم الدعوية في إطار الحرب الشاملة التي تستهدف المساس بالهوية الإسلامية لمصر والمنطقة خدمة للمشروع الصهيوني الأمريكي الذي يرى في كل ما هو إسلامي مشروعا للمقاومة يهدد هيمنته وسيطرته على مصر والمنطقة كلها. صناعة عدو من جانب آخر فإن السيسي بعدما اغتصب الحكم بانقلاب عسكري في 3 يوليو 2013م اعتمد في بناء سلطوية جديدة أكثر قمعا وطغيانا على الاستغراق في صناعة عدو داخلي أوخارجي وتوظيف الخطاب السياسي والإعلامي وجميع مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية والدينية لنسج الأكاذيب حول هذا العدو "الوهمي" الذي يمثل حاجة اجتماعية سياسية عليا يحقق كثيرا من الأهداف التي تتعلق بتماسك النظام وتحميل "العدو الوهمي" خطايا الفشل والإخفاق ونعته بأحط الصفات؛ ليلبي نوازع الإحساس الكاذب لدى الطغاة والمستبدين بالحسن والتظاهر بالصلاح الكاذب والتقوى المصطنعة. والهدف هو شيطنة الآخر "الإسلامي المسجد" وتوظيف الآلة السياسية والإعلامية والعسكرية والأمنية من أجل تبرير إبادته وتدميره وتحويل قتله المجرم قانونا إلى فعل مشروع يستحق المتورطون فيه أنوط الشجاعة والتكريم! ويقدم الطاغية عبد الفتاح السيسي نظريته الخاصة بالعدو، فهو يرى أن الخطر على الدول العربية لم يعد خطرا خارجيا، بل هو خطر داخلي. يقول السيسي في أحد خطاباته: "الجديد في الصراع بين الدول ليس مبنيا على صدام مباشر بين الدولة ودولة أخرى، الجديد في الموضوع النهارده أنه يتم تفكيك الدول من الداخل، وهو أصعب إجراء؛ لأن من يقوم به هم شعوب تلك الدول". "الشعوب" إذا هي العدو الجديد الذي يراه السيسي يستحق المواجهة. وما استهداف المساجد وتخريب بيوت الله على يد السيسي ومليشياته إلا لأنها كانت ملاذا لتحركات الجماهير في ثورة يناير 2011م وكانت منطلق الملايين ضد انقلاب 3 يوليو 2013م؛ وبالتالي فإن تدمير المسجد برمزيته وحرمته وتفريغه من مضمونه ورسالته ودوره وتأثيره في المجتمع هو حاجة أمنية وضرورة للنظام الذي لا يرى عدوا يستحق التربص سوى الجماهير إذا تحركت في ثورة جديدة تنتزع حقوقها المشروعة ضد نظام أدمن الفساد والطغيان.