بعكس جميع نظم الحكم في العالم التي تسعى إلى التخفيف عن شعوبها في زمن تفشي جائحة كورونا بإجراءات وقرارات رشيدة، كتقديم مساعدات مالية أو إسقاط مؤقت لسداد التزامات مالية، فإن حكومة زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي اتخذت مسارًا معاكسًا على جانبين: الأول، هو فرض مزيد من الضرائب والرسوم ورفع أسعار خدمات أساسية كالكهرباء والمياه وتعريفة النقل بالمواصلات العامة؛ والتي تعكس خوف نظام السيسي من الإفلاس بسبب تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية والتي أدت إلى انهيار قطاع السياحة، وتراجع إيرادات الدولة من مصادر الدخل الأساسية الستة، ما أجبر النظام على اقتراض نحو 13 مليار دولار في شهر مايو فقط. بخلاف تراجع الاحتياطي النقدي بقيمة 9.5 مليار دولار خلال الشهور الثلاثة الماضية. الثاني، هو إصرار حكومة الانقلاب على فرض ما تسمى بخطة التعايش مع كورونا وفتح مجال الأنشطة الاقتصادية واستئناف الأعمال الحكومية بشكل كامل بنسبة 100%، مع فرض التدابير الاحترازية. رغم أن الأرقام والمؤشرات تؤكد فشل خطة التعايش الحكومي التي تم الإعلان عنها في 14 مايو الماضي، للأسباب الآتية: * خطة التعايش مع الوباء التي أعلنتها الحكومة تمثل فصلا جديدا من التخبط والعشوائية، حيث تأرجحت توجهات الحكومة بين التهوين من آثار الوباء والتحذير منه، مما تسبب في حالة من اللبس لدى المواطن نتج عنها عدم الاكتراث بأي تحذيرات جديدة من قبل الحكومة. * خطة التعايش تعكس غض الطرف عن الجائحة والاكتفاء ببعض المظاهر البروتوكولية تجنبا للإحراج والانتقادات الداخلية والخارجية، وإلا فكيف يمكن للحكومة تطبيق إجراءات الوقاية ومكافحة العدوى داخل المباني الحكومية والمنشآت التجارية، في حين تفشل في تطبيقها داخل المستشفيات، وهي الأماكن المفترض أنها مجهزة ومعدة لذلك، وانهيار الطواقم الطبية خير دليل على ذلك. * على عكس ما توقعت خطة التعايش حول تراجع أعداد الإصابات لمدة أسبوعين متتالين كان مقررا أن تنتهي بنهاية مايو، إلا أن أعداد الإصابات تزايدت بصورة كبيرة وبلغت مستويات تفوق الألف إصابة يوميا في الوقت الراهن. * انتقدت جهات حكومية خطة التعايش وعدتها غير واقعية كما انتقدتها الغرف التجارية ورجال الأعمال، كما تم رصد مخالفات في القطاع الخاص في تطبيق هذه التدابير وعدم الالتزام بالمحاذير الصحية ما يعرض ملايين العمال والموظفين للإصابة بالعدوى، وتم رصد عدة إضرابات جزئية بالفعل في عدد من الشركات والمصانع. * بحسب الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار السيسي لشئون الصحة والوقاية، في تصريحات يوم 28 مايو 202م، فإن ذروة تفشي العدوى في مصر بعد أسبوعين، أي في النصف الثاني من شهر يونيو الجاري؛ وتستهدف الحكومة بخطة التعايش بدء العودة التدريجية في كافة قطاعات الدولة اعتبارا من منتصف يونيو الجاري، فكيف يتم ذلك في ذروة تفشي العدوى؟ أليس الإصرار عليها في هذا التوقيت يمثل كارثة ويخالف كل قواعد الإدارة والحكم الرشيد صحيا وسياسيا واقتصاديا؟ ولماذا يصر السيسي على فرض خطة التعايش بالتزامن مع ذروة تفشي العدوى؟ وما هدف النظام من وراء هذه القرارات الكارثية؟ نتائج صادمة أدى إصرار النظام على استئناف الأعمال الحكومية بشكل كامل بنسبة 100% مع فرض التدابير الاحترازية، عبر تعليمات مشددة في بداية شهر يونيو إلى حالة من الفوضى والارتباك الواسع في مختلف القطاعات خصوصا الأعمال التابعة لوزارات الداخلية والشهر العقاري والمحاكم والتموين والتضامن ومديريات التعليم بالمحافظات المختلفة، فضلا عن القطاع السياحي بالكامل؛ فبعد أيام معدودة من تطبيق التدابير الجديدة، بدءا من 30 مايو إلزام الجميع بارتداء الكمامة أو الغرامة 4 آلاف جنيه، تبيّن عدم إمكانية الجمع بين الأمرين: العمل بكامل الطاقة، وفرض التدابير الاحترازية، الأمر الذي يجهض عملياً خطة التعايش الحكومية. كما أدى فرض خطة التعايش إلى زيادة معدلات الإصابة بشكل واسع خلال الأيام القليلة الماضية، وتمددت العدوى نحو منشآت حساسة ودواوين حكومية كثيرة وسجلت عشرات الإصابات وربما المئات في مكتب موظفين بمجلس الوزراء وديواني وزارتي الصحة والتموين وعدد من الجهات الحكومية التابعة لوزارة المالية والبنوك ووزارة العدل والموظفين بالمحاكم، وصولا إلى الجيش ووزارة الداخلية رغم فرض سياج من السرية على ما يجري بداخلهما. أمام تزايد معدلات الإصابة؛ رفع الوزراء والمحافظون شكواهم إلى المخابرات العامة والرقابة الإدارية باعتبارهما الجهازين الأقرب لرئيس الانقلاب لعرض المشكلة مطالبين بإعادة النظر في عدد من الأمور والإشكاليات التي أدت إلى هذا الارتباك، بل وحمّلها بعض الوزراء مسؤولية زيادة عدد الإصابات وحالات الاشتباه في القطاعات التي يديرونها. وتقدموا بعدة مطالب أهمها: التأكيد على أن فرض العمل بكفاءة 100 في المائة ليس واقعيا سواء على المدى القريب أو المدى الطويل خلال العام الحالي، نظرا للخسائر البشرية الكبيرة التي تم تسجيلها في الأيام الماضية، وبشكل عام منذ بداية الأزمة في القطاعات، لا سيما أن تسجيل أي إصابة في أي مكتب أو منشأة يترتب عليه تعطيل العمل لمدة لا تقل عن 10 أيام.
مراجعة التدابير الاحترازية الخاصة بالموظفين، فمعظم القطاعات ليست لديها الإمكانيات التي تسمح باتّباع التدابير الموصى بها وعلى رأسها التباعد الجسدي، ما أدى إلى انتشار موجة من التذمر بين الموظفين في معظم تلك القطاعات، وسبب ذلك هو عدم تأهيل المنشآت الحكومية من الأساس للتباعد الجسدي والنظافة العامة الضرورية في الوقت الحالي لضيق مساحتها وسوء تصميمها وافتقارها للتهوية. كما أدى عدم وفاء الحكومة بتعهداتها بتوفير واقيات شخصية للعاملين المدنيين المتعاملين بشكل مباشر مع الجمهور، من كمامات جيدة وقفازات ومطهرات إلى حالة من التذمر والغضب بين الموظفين، وحتى دفعة الكمامات المصنعة لدى وزارة الإنتاج الحربي التي تم توزيعها في منتصف مايو الماضي على كل القطاعات المتعاملة مع المواطنين، تم اكتشاف عيوب استخدام كبيرة فيها، تجعلها غير صالحة للاستخدام. هل تندلع ثورة؟ وإزاء هذه المعطيات فمن المتوقع خلال الفترة المقبلة، أن يصر النظام على عناده وفرض خطة التعايش على القطاعين الحكومي والخاص، بالتزامن مع ذروة انتشار العدوى في مصر، وهو ما سوف يؤدي إلى مزيد من الإصابات بالعدوى، بما ينعكس على عدم قدرة القطاع الصحي على احتواء حالات الإصابات المتزايدة، وربما تشهد المستشفيات اعتصامات جماهيرية أمام أبوابها لعشرات وربما مئات الحالات المصابة بحثا عن أسرة للعزل والعلاج. وأمام تفاقم الأزمة سوف يلجأ النظام إلى الشيء الوحيد الذي يجيده وهو استخدام العصا الأمنية لقمع المصابين وأقاربهم، وتخويف الناس من التظاهر والاحتجاج، وأمام تساوى مستوى الخوف من القمع عند المواطنين مع مستوى الخوف من العدوى والموت سوف يتجرأ الناس على الاحتجاج والتظاهر والاعتراض وصولا إلى الغضب الذي يمكن أن يخرج عن السيطرة إذا لجأ النظام إلى القمع كعادته، وإذا وصلنا إلى هذه الحالة سوف تتدحرح الأحداث بما لا يمكن توقعه وتصبح مصر مفتوحة على كل الاحتمالات.