بينما يتفاقم احتكار الجيش للاقتصاد، تجد مصر نفسها في مواجهة تحديات جديدة؛ من بينها مديونية ضخمة يصعب يومًا بعد الآخر سدادها، وانهيار السياحة بسبب فيروس كورونا، كما يبدو أن إجراءات الحجر الصحي التي تأخرت لن تقدر على وقف الوباء. كانت هذه مقدمة مقال كتبه “جان بيار سيريني”، في موقع “أوريان 21” الإخباري الفرنسي، اعتبر فيه أن جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي كان دائمًا مهددًا بوطأة التداعيات السياسية والاجتماعية لسياسته الاقتصادية والمالية المدمرة وغير المتناسقة، والآن أضيف إلى ذلك فيروس كورونا، الذي أصاب مئات المصريين، وأدى إلى مقتل عدد منهم. عائلة آل سعود ويرى سيريني أن الخطة التي أعلنتها سلطات الانقلاب لمكافحة الأزمة غير كافية، ويشير في هذا الصدد إلى أن ما يزيد التحديات على السفيه السيسي هو الصعوبات المالية التي تواجهها عائلة آل سعود، التي تمثل السند العربي الرئيسي للسفيه السيسي، حسب تعبير الكاتب. وبينما يؤكد العالم- وليس جماعة الإخوان المسلمين- أن مصر باتت في عين العاصفة، يزعم مصطفى مدبولى، رئيس مجلس وزراء الانقلاب، أمس الثلاثاء، أن كارثة كورونا تعتبر فرصة ذهبية للصناعة المصرية لن تُعوض، من خلال ضرورة الاعتماد على أنفسنا في جميع الصناعات وتشجيع التصنيع المحلى وفق رؤية العسكر، مشددا على أن عصابة الانقلاب مهيأة لدعم قطاع الصناعة، ومستعدة لتقديم كافة الامتيازات للنهوض بهذا القطاع!. ويقول المحللون، إن انتشار الفيروس يجعل مصر التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على السياحة عرضة للخطر، كذلك فإن تراجع حركة التجارة العالمية قد يضر بإيرادات قناة السويس التي بلغت 5.7 مليار دولار في 2019. وأعلنت حكومة الانقلاب عن رصد 59 حالة إصابة بالفيروس، من بينها 45 حالة على متن مركب سياحي في نهر النيل بمدينة الأقصر، التي تعد المعابد الفرعونية فيها من أهم عوامل الجذب السياحي، وتوفي سائح ألماني من المصابين بالمرض. وقال اقتصاديون إن تداعيات الفيروس على الاقتصاد قد تكون كارثية في أسوأ الأحوال، وقال أنجوس بلير، رئيس مركز سيجنت البحثي لتوقعات الأعمال والاقتصاد: “نحن في خضم حدث. إنه لا يزال في حالة تطور”. بلا جدوى ومن المرجح أيضا ألا يكون لانخفاض أسعار النفط أثر يذكر، إذ إن قيمة واردات مصر من المواد البترولية البالغة 15.5 مليار دولار تعادل فعليا ما تحصل عليه من صادرات القطاع، وهي من الغاز في الأساس. واعتمدت عصابة الانقلاب على القروض الخارجية خلال الفترة الماضية لتدعيم الاحتياطي النقدي وتمويل عجز الموازنة العامة، وقد زادت القروض الخارجية من 39 مليار دولار تقريبا بنهاية عام 2013 إلى 110 مليارات دولار تقريبا بنهاية 2019. ويفرض الظرف العالمي الراهن والظرف المحلي للاقتصاد المصري التساؤل حول مدى أهمية القروض الخارجية خلال الفترة القادمة، ومدى قدرة عصابة الانقلاب على الاقتراض. ومن المتوقع أن تصبح القروض الخارجية هي الملاذ الأخير للعسكر في مواجهة الأزمات الناجمة عن تفشي الفيروس، ويدعم ذلك اضطرار الحكومة إلى الاقتراض لأغراض إعادة تدوير القروض، والحفاظ على قيمة الجنيه، ومواجهة عجز الميزان التجاري في ظل تضخم الواردات والفشل في الزيادة المرجوة للصادرات. كما يمكن الحديث عن خسائر كبيرة لكبرى المصارف العالمية بسبب تراجع أسعار أسهمها، وكذلك تباطؤ نمو الشركات المدينة وعلامات الاستفهام حول قدرتها على الوفاء بديونها، إضافة إلى الحديث عن الخسائر الكبرى للبورصات العالمية، وخسائر حلفاء النظام من جراء انخفاض أسعار النفط، كل هذه الأمور ربما تشير إلى أن اقتراض العسكر الخارجي ربما يزداد صعوبة خلال الفترة القادمة، وليس شرطا أن تكون الصعوبة في حجم الأموال المتاحة للاقتراض فقط، بل ربما يمتد الأمر إلى شروط الاقتراض. وانتهجت عصابة العسكر سياستين اقتصاديتين، دون الوضع في الحسبان حدوث أزمة اقتصادية كبيرة داخليا أو خارجيا تضرب العالم بأسره، مما شكل مفاجأة قوية للاقتصاد المصري الذي يعاني من الديون وضعف الإنتاج منذ يوليو 2013، وفق محللين وخبراء اقتصاد. السياسة الأولى: هي المراهنة على الاقتراض والتمويل المالي الخارجي- التي طالما حذر منها خبراء اقتصاد طوال السنوات الماضية- لتمويل مشروعات داخلية وصفت بعديمة الجدوى أو ليست ذات أولوية كتفريعة قناة السويس الجديدة في 2015، والعاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها من المشروعات الأخرى. السياسة الثانية هي إعلان السفيه السيسي في تصريحات أثارت جدلا واسعا عدم اعترافه بما تسمى دراسات الجدوى للمشروعات التي تمت في عهده، وأنه لو كانت هذه الدراسات عاملا حاسما لما تم إنجاز نحو ثلاثة أرباع هذه المشروعات.