بالحديد والنار حكم المخلوع حسني مبارك مصر 30 عامًا، ولم يسمح لأي صوت معارض فيها؛ إذ زج بالآلاف من المعارضين في السجون، وحين خرج المصريون للمطالبة برحيله خلال ثورة 25 يناير قتل المئات منهم، إنه أحد شياطين عصابة العسكر، والذي أُعلنت وفاته الثلاثاء 25 فبراير. وحين تقارن الزاني بتارك الصلاة سيصبح قطعًا تارك الصلاة قديسًا، هنا تكمن المشكلة في جزء كبير فيمن يتعاطفون مع المخلوع مبارك عندما يقارنونه بالسفيه السيسي؛ لأن الأول على الأقل لم يبع الوطن، لكن الثاني باع البلد وكل مقدراتها تقريبًا، إلا أن الجهل والفقر والمرض هي نتاج ثلاثين سنة من حكم مبارك!. مات “مبارك” بالتأكيد كما سيموت كل حي.. حقيقة لا مراء فيها، إلا أنه ترك خلفه يرقات وبيضًا لعناكب ودبابير وعقارب وحيات تسعى تخريبًا وقتلا في المصريين، وفرقًا متدربة بنفس أخلاقه وأسوأ، منهم الذي يراه قدوة، ومنهم من يرى أن مبارك كان طيبا وقلبه كبير، ومنهم من يرى أن الثوار أخطئوا في حقه، وطالما أن هذا هو تفكير قطاع كبير من الشعب سيظل مبارك حيًّا في خليفته الديكتاتور العسكري. وقد يشكل رحيل ظالم فرحة لمظلوم، لكنه لا يشكل انتصارا؛ فالانتصار للمظلوم لا يتحقق إلا بالقصاص، تقول الناشطة رشا عزب: “الموت مش هيغيب مبارك عشان اللي مقررين يترحموا عليه بأدب القطعان، مبارك حي في كل إدارة فاسدة ومدرسة بلا تعليم وقرى بدون صرف صحي وسجون فتح أبوابها ولسه مكملة في بلع عشرات الآلاف، وأقسام مستمرة في رحلات التعذيب.. اترحموا على اللي عايشين لسه في خراب مبارك المقيم.. ألف دهية”. تاريخ من المؤامرات والخيانة ومن المنتظر أن تخرج اليوم جنازة عسكرية مهيبة للمخلوع بحضور جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، ورؤساء بعض الدول، في حين منعت جنازة الرئيس الشهيد محمد مرسي، ودفن ليلا وتم القبض على من قدم العزاء لأسرته، ومهما بلغت زينة العسكر إلا أنهم سيخرجون اليوم خلف لص عوقب بتهمة مخلة بالشرف من واقع سجلات قضائهم، في حين أن كل قضايا الرئيس مرسي تحت الإجراء ولم تثبت منها واحدة. وربما سقط من ذاكرة البعض أن المخلوع مبارك، كان مهندس كارثة حرب الخليج في عام 1990، وتدمير العراق، وحصار ليبيا، وحصار وتقسيم السودان، وشاهد اجتياح لبنان عام 1982، وقتل خيرة شباب مصر، وختم حياته بشهادة زور في قضية اقتحام السجون، وتوفي المخلوع مبارك، عن عمر يناهز 91 عاما، في حين نعاه الجيش، ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويعد حكم مبارك لمصر الأطول منذ 1952، العام الذي انتهى فيه الحكم الملكي. وبعد 30 عاما من حكمه، ازداد الفقر بين المصريين وارتفعت نسبة البطالة، وزاد عدد المعتقلين السياسيين، وهو ما دفع الملايين منهم إلى الخروج إلى الميادين والشوارع في يناير 2011، للمطالبة بتنحيه عن منصب رئيس الجمهورية. يعشقون الجلاد! رفض مبارك التنحي عن منصبه في بداية التظاهرات، وبدأت وزارة الداخلية المصرية إبان حكمه بإطلاق النار على المتظاهرين، حيث أعلن تقرير هيئة تقصي الحقائق عن ثورة 25 يناير، أن عدد الضحايا الحقيقي وصل إلى 846 في جميع محافظات الجمهورية. فرض الجيش حظر التجوال في جميع أنحاء مصر، ثم ظهر مبارك يخاطب المصريين عبر التلفزيون الرسمي، وإطلاقه وعودا للإصلاح، ثم عين نائبا له، وهو مدير المخابرات اللواء عمر سليمان، وكلف وزير الطيران في الحكومة المقالة، أحمد شفيق، بتشكيل الحكومة. وأمام إصرار المتظاهرين أعلن نائبه عمر سليمان، في 11 فبراير 2011، تخليه عن منصبه وتكليف المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد، وبعد تنحيه عن منصبه، وُجه له عدد من التهم كان أبرزها قتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير, وأخرى تتعلق بالفساد والكسب غير المشروع، وقضية تضخم الثروة والكسب غير المشروع. وفي مسرحية هزلية وجه القضاء لمبارك قضية القصور الرئاسية، المتهم فيها بالفساد وتحويل أموال من حساب قصور رئاسية إلى حسابات إنشاء قصور أخرى له ومكاتب لأفراد عائلته. كذلك، قضية تضخم الثروة والكسب غير المشروع، وما عرف بقضية هدايا الأهرام، والمتهم فيها بالحصول على هدايا تقدر بملايين الجنيهات، على مدى سنوات، من مؤسسة الأهرام التي تمتلكها الدولة. وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني ديمقراطيًّا في تاريخ البلاد الشهيد محمد مرسي، برأ القضاء مبارك من جميع التهم الموجهة إليه، وهو ما أثار غضب المصريين في حينها. يذكر أنه في عهد المخلوع أُصيب 10 ملايين مصري بفايروس سي، وانهار التعليم وانتشر الفساد وعُذب المعتقلون، وخربت البنية التحتية للبلاد، وسرق البلد هو وأولاده، وانتشرت موجة من الترحم مثيرة للغثيان لموت الطاغية الذي أفقر ونهب شعبه هو وحاشيته 30 سنةً، وقامت ضده ثورة استشهد فيها 1000 شاب من خيرة زهور مصر . يقول الناشط الحقوقي أسامة رشدي: “أول مرة بلد تعلن الحداد العام في الدولة على شخص توفي وهو مدان بالاختلاس من الأموال العامة وتزوير الفواتير والأوراق، ومحكوم عليه نهائيًا في حكم مخفف بالسجن ثلاث سنوات، وهي عقوبة مخلة بالشرف، وكان يستحق عشرة أعوام عليها، لكن ماذا نقول إذا سرق فيهم الشريف أعلنوا الحداد العام”.