إدارة التجنيد والتعبئة تقدم التيسيرات التجنيدية لذوي الهمم بعدد من المحافظات    ارتفاع أسعار الذهب نحو 2% وسط تفاؤل بشأن إنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي    وكالة الأنباء اللبنانية: مدفعية الاحتلال تستهدف منطقة وادي الجمل    مجموعة السبع تسعى لتفويض أممي لتطبيق خطة السلام في غزة    القاهرة الإخبارية: الولايات المتحدة ليست مهتمة ببناء قاعدة عسكرية في قطاع غزة    سيمفونية رائعة لكأس السوبر المصرى بالإمارات    الاتحاد الدولي لتاريخ وإحصاء كرة القدم يرشح يورتشيتش لجائزة أفضل مدرب في العالم لعام 2025    أطفال فى قفص الاتهام!    انطلاق «القاهرة السينمائى» ب 150 فيلمًا    الصحة أولوية قصوى فى استراتيجية الدولة    ستاندرد بنك: 30 مليار دولار حجم تجارة مصر مع دول جنوب الصحراء الأفريقية سنوياً    منتخب مصر مواليد 2009 يختتم استعداداته لمواجهة الأردن    أول زيارة علمية وثقافية للمتحف المصري الكبير لطلاب جامعة كفر الشيخ    ناشئات يد الأهلى يتأهلن إلى دور ال16 بكأس مصر 2008 على حساب الزمالك    مركز أبحاث طب عين شمس يحتفل بمرور خمس سنوات علي إنشاءه (تفاصيل)    نائب المحافظ يتابع معدلات تطوير طريق السادات بمدينة أسوان    غرامة 500 ألف جنيه والسجن المشدد 15 عاما لتاجر مخدرات بقنا    بعثة الجامعة العربية لمتابعة انتخابات مجلس النواب تشيد بحسن تنظيم العملية الانتخابية    محمد رمضان يقدم واجب العزاء فى إسماعيل الليثى.. صور    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    «كوب 30» ودور النفط فى الاقتصاد العالمى    «المهدى بن بركة».. فى الذكرى الستين لاختفائه    قبل مواجهة أوكرانيا.. ماذا يحتاج منتخب فرنسا للتأهل إلى كأس العالم 2026؟    صحفيو مهرجان القاهرة يرفعون صورة ماجد هلال قبل انطلاق حفل الافتتاح    طلاب كلية العلاج الطبيعي بجامعة كفر الشيخ في زيارة علمية وثقافية للمتحف المصري الكبير    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    وزيرالتعليم: شراكات دولية جديدة مع إيطاليا وسنغافورة لإنشاء مدارس تكنولوجية متخصصة    الداخلية تكشف تفاصيل استهداف عناصر جنائية خطرة    أسماء جلال ترد بطريقتها الخاصة على شائعات ارتباطها بعمرو دياب    سعر كرتونه البيض الأحمر والأبيض للمستهلك اليوم الأربعاء 12نوفمبر2025 فى المنيا    مكتب التمثيل التجاري يبحث مع المانع القابضة زيادة استثمارات المجموعة فى مصر    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    ضبط مصنع حلويات بدون ترخيص في بني سويف    ما عدد التأشيرات المخصصة لحج الجمعيات الأهلية هذا العام؟.. وزارة التضامن تجيب    طريقة عمل فتة الشاورما، أحلى وأوفر من الجاهزة    LIVE.. شاهد مباراة تونسX Tunisia موريتانيا Mauritania    البابا تواضروس الثاني يستقبل سفيرة المجر    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير وأجري فحوصات للاطمئنان»    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    حجز محاكمة متهمة بخلية الهرم لجسة 13 يناير للحكم    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    في ذكرى رحيله.. محمود عبد العزيز «ساحر السينما المصرية» جمع بين الموهبة والهيبة    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    18 نوفمبر موعد الحسم.. إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات النواب 2025 وخبير دستوري يوضح قواعد الفوز وحالات الإعادة    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف زيدان: الثقافة فى مصر لن تتقدم ما دام هناك مثقفون يحاكَمون ب«ازدراء الأديان».. وغياب الكوادر الثقافية أمر مفزع
نشر في الوطن يوم 15 - 01 - 2016

القمع يؤدى للانفجار.. والمجتمع يحتاج دائماً إلى مساحة للتعبير بسلمية.. والأنظمة تحتاج لمن ينتقدها كما تحتاج لمؤيديها
فى ساعات الصباح الأولى يقف الكاتب يوسف زيدان مطلاً من نافذة بيته بحى الزمالك، الذى تفيض جدرانه بألوان السماء البديعة، لتعكس حنينه الصريح للإسكندرية، المدينة التى عاش فيها معظم حياته. بنظرة ثاقبة يقول إنه سيبقى متمسكاً بدوره فى توعية وتثقيف الناس، حتى وإن لم ينصتوا إليه مثل قوم «زرقاء اليمامة» الذين دفعوا ثمن تكبُّرهم، ويضيف «زيدان»، خلال حواره ل«الوطن»، أن عنوان كتابه «شجون مصرية» الذى صدر مؤخراً لم يقصد به الهموم والأحزان، لكنه يؤكد أنه غير شغوف بأى شىء فى الحياة سوى الكتابة، مثلما قال «هيبا» بطل روايته الأكثر شهرة «عزازيل»: «من يكتب لا يموت أبداً».. وإلى نص الحوار.
صاحب «عزازيل» ل«الوطن»: إسلام بحيرى أخطأ لكنه لا يستحق الحبس
■ ما سبب تسمية كتابك الأخير ب«شجون مصرية»؟
- كلمة الشجون والأشجان مقصود بها على لسان العرب عروق وفروع الشجر، وكانت من العبارات الشهيرة «للحديث شجون» أى للحديث فروع، لكن الكلمة ترتبط فى ذهن العامة بمعنى الشجن أو الحزن، وهذا ما لم أقصده، لكنى قصدت أن للقضايا المصرية تفرعات عدة، وهذا الكتاب سيعقبه كتاب آخر وهو «شجون عربية».
■ وجّهت رسالة مباشرة للناس من خلال كتابك بأن يتوقفوا عن «الالتذاذ بالسبهللة»، ما الذى كنت تقصده؟
- أن يدرك الجميع موقفه واختياراته، فالشعب الآن غاضب من المادة الإعلامية الرديئة التى تقدمها له الصحف والقنوات الفضائية، ولم يعترف الناس بأنهم مشاركون أساسيون فيما تقدمه القنوات، حيث تجذب تلك البرامج الرديئة نسب المشاهدة العالية، التى تجذب بدورها الإعلانات، وبالتالى يحقق البرنامج أرباحاً مادية. فالناس فى مصر تشكو من تدنى الألفاظ التى يستخدمها المذيع، لكنها تُقبل على مشاهدة حلقاته، وما أقصده أنه بدل الشكوى الفضفاضة وإلقاء اللوم على الآخرين، علينا أن نراجع اختياراتنا.
■ وهل تلعب الأفلام الرديئة دوراً فى انهيار الأخلاق؟
- شركات الإنتاج تستغل الانهيار الأخلاقى ولا تصنعه كما يظن البعض، أصبحوا يعرفون خلطة صناعة فيلم يحقق أرباحاً فى دور السينما، من خلال إضافة مشاهد من العنف والإثارة الجنسية، والتلفظ بمفردات سوقية، وبعدها يحقق الفيلم الإيرادات، لكن إذا كنا نعيش فى مجتمع صحى، فلن تجد تلك الأفلام قطاعاً واسعاً من المشاهدين ولن تحقق أى أرباح، وبالتالى لن تُقبل عليها شركات الإنتاج، لكن يفضل الناس إلقاء اللوم على المنتج والمخرج والممثلين، ولا يلقون أى أهمية لتدهور الذوق العام، ودور المجتمع فى ذلك.
■ تحدثت عن علاقة المثقف بالسلطة، ووصفتها ب«أثر الفراشة»، وقلت إنها ليس من الضرورى أن تبقى علاقة تصادمية.
- هى نظرية قديمة توحى بأن أبسط الأشياء بإمكانها أن تُحدث الأعاصير وتقتلع العروش، وبالطبع ليس على المثقف أن يكون معارضاً من أجل المعارضة طوال الوقت، فالنظام السياسى له مساره، وكذلك النظام الثقافى، وأحياناً يسيران جنباً إلى جنب دون تصادم، وأحياناً تصبح علاقة المثقف بالسلطة تصادمية. المهم أن تتحقق المصلحة العامة، وعلى سبيل المثال فالبيرونى لم يُذكر عنه تعرُّضه للتنكيل طوال حياته، لكن ابن سينا اعتُقل وحُجز فى قلعة همدان، بالرغم من أنه كان يعمل وزيراً، والإمام أحمد بن حنبل مات من شدة التعذيب بسبب قضية فكرية، والمثقفون والعلماء بعضهم احتك بالسلطة، وبعضهم تناغم معها، وفقاً للظروف التى عاشوا فيها.
ليس من الضرورى أن تكون علاقة المثقف بالسلطة تصادمية.. المهم أن يهدف الجميع إلى المصلحة العامة دون مكاسب شخصية
■ ذكرت أن من أشد المخاطر التى تواجه العقل الجمعى ترسيخ التصورات الخاطئة، ومنها العبارة الشهيرة إن «نخبة البلاد سر بلائها».
- انتشرت الاتهامات الموجهة للنخبة جزافاً، ونسى الناس أن معنى النخبة «الخلاصة»، أى أفضل من فى ذلك المجال، سواء فكر أو طب أو هندسة أو إعلام أو كرة قدم أو فن أو سياسة. هذه العبارة الجوفاء بأن النخبة هم سبب البلاء تدل على جهل فادح، لذلك أردت أن أذكّر الناس فى كتاب «شجون مصرية» ببعض النماذج التى عاصرتها من النخبة، من خلفيات مختلفة، والذين أحبوا البلاد وقاوموا ظروفاً صعبة. فذكرت من الاتجاة السلفى محمد يسرى سلامة، ومن اليسار المصرى أبوالعز الحريرى، ومن الاتجاة الليبرالى سامى خشبة، ومن الاتجاة الدينى ذى النزعة الصوفية مصطفى محمود، ومن الاتجاة الماركسى المنضبط حسن حنفى. وأفصحت عن جوانب شخصية وحياتية لهؤلاء جميعاً تدل على أنه بالرغم من اختلافاتهم وتنوعهم فإنهم اتصفوا بالإخلاص وحب الوطن، وكانت لهم محاولات مستميتة لخلق حالة من الثقافة فى مصر، ورغم ما تعرضوا له من عقبات شديدة كان لهم إضافة وإسهام.
■ ما سر اهتمامك الشديد وتوقفك عند أصول المفردات، حيث استعنت فى كتابك «شجون مصرية» بأمثلة صادمة لبعض الألفاظ التى يعتبرها البعض خادشة للحياء، وأوضحت أنها فى أصولها اللغوية مفردات مدح؟
- اللغة هى نحن، والإنسان حين يفكر يستخدم مفردات، حتى لو لم ينطق بها، وضبط تلك المفردات أحد مسارات التفكير السليم، فإذا كان الإنسان متخبطاً من البداية، فلن يستوى البناء الفكرى. وفى زماننا هذا نتيجة وجود حالة من الخلط وغياب تصحيح المفاهيم أصبح العوام يستخدمون مفردات مسيئة كنوع من المدح والعكس، دون أن يبحثوا عن أصولها اللغوية.
■ هل لديك مخاوف من إقبال مصر على فجوة فكرية؟
- بالتأكيد، فمن المفزع غياب الكوادر الثقافية، والفجوة الفكرية فى بعض البلدان العربية هى التى أنتجت «داعش»، وليبيا وسوريا والعراق تمت تصفية كوادرها الثقافية عن عمد على مدار سنوات طويلة، وبالرغم من انتقادى لنظام مبارك فإنه لم يفعل مثلما فعل القذافى وحافظ الأسد وصدام حسين. وترك مساحة، ولو قليلة، للحركة الثقافية فى مصر، لذلك تماسكت مصر بعد الخبطات التى واجهتها، وعلى أى نظام سياسى أن يدرك أن النخبة المثقفة هى صمام أمان للمجتمع، فإذا غابت مساحة الحوار زاد العنف، وإذا توقف الفن زادت البشاعة.
■ كتابك «فقه الحب» صدر فى ظل انشغال الناس فى الظروف السياسية والحياتية، وبالرغم من ذلك حقق انتشاراً واسعاً، بماذا تفسر ذلك؟
- بدأت فى كتابة بعض فقرات من «فقة الحب»، فى ظل أحداث سياسية دامية، حيث شهدت الشوارع دماء وبشاعات قامت بها جماعة الإخوان أمام قصر الاتحادية، وكان الهدف الأساسى من «فقه الحب» تذكير الناس بإنسانيتهم، ووجود جوانب أخرى مضيئة فى الحياة. لذلك اهتممت بمنح الكتاب طابعاً صوفياً وفلسفياً، وبُعداً لغوياً ومفردات عميقة. واندهشت عندما حقق ذلك الكتاب بهيئته البسيطة الصغيرة نجاحاً أكثر من رواية «عزازيل» التى تم طبعها أكثر من 33 مرة، وكل طبعة منها حوالى 10 آلاف كتاب، وذلك نجاح لم تشهده رواية عربية أخرى من قبل. أما الانتشار الواسع لكتاب «فقه الحب» فيدل على الجفاف الروحى والعاطفى عند الناس.
«فقه الحب» حقق نجاحاً غير مسبوق لأنه يذكّر الناس بآدميتهم وسط الدماء والقتل والصراعات البشعة فى الساحة السياسية
■ ما سر إعلانك الابتعاد عن المشاركة الثقافية فى الآونة الأخيرة، ثم عودتك لتقديم أنشطة ثقافية بعد عدة أشهر؟
- سبب ابتعادى عن المجال العام كان واضحاً، لكن بعض الوسائل الإعلامية حاولت أن تصطاد فى الماء العاكر وأن تخفى حقائق بيّنتها بوضوح، منها غضبى مما وصلت له الأمور، حيث وجدت رئيس الوزراء إبراهيم محلب يعين أحد مستشاريه، وهو شخص متهم فى قضايا إهدار مال عام، ونفس هذا الشخص الذى يتعرض للمحاكمة، يتركونه يدير المال الذى اتُّهم بإهداره، رأيت أن هذا مؤشر خطير، وحاولت التنبيه له دون أن ينصت أحد. كما لاحظت عودة عدد من الرموز الفاسدة التى ضيعت اقتصاد الوطن على مدار أعوام، دون أن يوقفها أحد، كل هذا أثار بداخلى رغبة فى التوقف عن الأنشطة الثقافية التى أقوم بها منذ عدة سنوات، والجميع يعلم أنها أعمال تطوعية. وشعرت بأننى أضفى جمالاً على شىء قبيح، من الأوْلى الكشف عنه وتطهيره. أما عودتى فجاءت بعد عدة أشهر، عندما أرسل لى شاب عراقى رسالة أرفقها بصور توضح مظاهر الدمار الذى انتهت إليه بلاده، وأوضح أنه وشباباً آخرين، بالرغم من كل الظروف الصعبة، يجتمعون لقراءة الكتب، وللاستماع إلى المحاضرات المسجلة على اليوتيوب. ورجانى فى رسالته للعودة إلى الكتابة وإلقاء المحاضرات، وأشار إلى أنه يسافر من مدينته إلى بغداد ليحصل على كتبى، ويتداولها بين زملائه، فشعرت بالمسئولية الأدبية تجاه الشباب، وبالطبع فإن دور المثقف لا يقتصر على نطاق بلده فقط.
■ من وجهة نظرك، هل حققت ثورة 25 يناير أهدافها الرئيسية؟
- الثورة قامت من أجل هدفين، الأول القضاء على فكرة توريث السلطة، والثانى القضاء على الفساد المستشرى فى كل مؤسسات الدولة، وبالفعل أطاحت الثورة بفكرة التوريث، لكنها عجزت عن الوقوف ضد الفساد، لأن تلك الخطوة هى الأصعب، تم تشويش الناس، وإخراجهم عن مسارهم، حيث فوجئوا بجماعات الإسلام السياسى تلعب دورها، انشغل الناس فى قضايا مفتعلة لا معنى لها. وكل ذلك أدى بنا للعودة إلى الوراء، وتناسى الناس مطلبهم الأساسى وهو مقاومة الفساد، ولم يدركوا عودة نماذج ممن أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر. وأوضحت جانباً سلبياً لاستغراق البعض فى مفهوم الثورة، حينما انصرفوا عن أعمالهم الأساسية، واكتفوا بلقب «ثائر»، هل تحول اللقب إلى وجاهة اجتماعية؟ وقلت بعد اندلاع ثورة يناير مباشرة إن المطالب والمبادئ التى نسعى لها لن تتحقق سوى بالعمل الدؤوب، ولم ينصت أحد، واهتم الناس بخلق تصورات مبالغ فيها عن عودة أموال النظام السابق المهربة خارج البلاد، التى سوف تتسبب فى زخم اقتصادى، بدلاً من أن يهمُّوا لإنقاذ البلد. وكانت النتيجة، كما شهدنا جميعاً، مزيداً من الحسرة والتدهور فى الأحوال المعيشية، وكان من المحزن أن يستغل البعض دورهم فى الثورة للحصول على مكانة غير مؤهلين لها فى بعض المؤسسات، أو أن يحققوا من خلال ثوريتهم وجاهة اجتماعية كانوا يفتقرون لها. وللخروج من تلك الأزمة، على كل مواطن أن يتحمل المسئولية، وأن يقوم بعمله، وأن تكون الثورية فى العمل، بمعنى أن يعود الكاتب لقلمه، ويكتب بطريقة إبداعية، وأن يعود المهندس للهندسة، وهكذا.
انسحبت من الحياة العامة اعتراضاً على عودة الوجوه الفاسدة للنظام القديم.. ورسالة من شاب عراقى أعادتنى إلى دورى كمثقف
■ أوضحت أنك لا تتفق مع الحكم على إسلام بحيرى بالسجن لمدة عام، بالرغم من أنك عارضت معظم أفكاره التى قدمها فى برنامجه؟
عارضت سجن بحيرى على عدة مستويات، منها صورة مصر أمام العالم فيما يتعلق بحرية الرأى والتعبير، وصورة المصريين أمام أنفسهم. طبعاً هذا الشخص أخطأ، وخطؤه جاء نتيجة جهل واندفاع بلا معنى، بحيرى كان يسب أئمة التراث ظناً منه أنه بإزاحة التراث يُفسح المجال أمام المستقبل، وهذا جهل فادح، لا يوجد فى تاريخ الإنسانية جماعة تطورت إلا بعد اتكائها على موروثها السابق وتطويره. وبالطبع يجب فهم التراث أولاً، وهو لم يفهم، وظن من وجود أحاديث غريبة فى صحيح البخارى أن الإمام البخارى شخص سيئ، ولم يدرك أن الأئمة، سواء البخارى أو مسلم، كانوا جميعاً فى مرحلة واحدة، وكانوا يحاولون أن يضيّقوا بث الأقاصيص والإسرائيليات، فهم اجتهدوا أولاً لتحديد ما صح سنده من أحاديث، وهى المرحلة الأولى، حيث ينقسم الحديث إلى سند ومتن، والمرحلة الثانية عن تناول النص، أو فحوى المتن. ومن جاءوا بعدهم وضعوا قواعد لتحديد صحة الحديث، وقالوا مهما كانت صحة الحديث فهذا لا يعنى أنه يقينى. وبحيرى عجز عن تقديم نظرة موضوعية نقدية لأنه كان محدوداً، ولم يحصل على الدكتوراه كما ادعى، ولم يعرف شيئاً عن مناهج البحث العلمى، وكان يتناول قشور الأمور، ويجعل منها مثاراً للجدل. وعندما صوّبت كلامه هاجمنى بشدة تدل على كونه شخصاً مندفعاً، وعندما طالب الأزهر بوقف برنامجه قلت إن هذا لا يجوز، ففى النهاية ليس من حق أحد الوصاية على عقول الناس. وسجن بحيرى يعطى مؤشراً سلبياً بعدم الاجتهاد، لأن العقاب سيكون رد الفعل على سقطاتهم.
المعارضة السياسية إما رشيدة أو مبتذلة أو مأجورة مثل التى ترسم فى قطر.. ولا أعرف لماذا تتوجس السلطة من المعارضين؟
■ لكنك ذكرت فى «شجون مصرية» المعاناة التى عاشها صديقك المفكر نصر حامد أبوزيد.
- لن تتقدم الحياة الثقافية فى مصر ولن يكون هناك مساحة للإبداع ما دامت هناك تهمة جاهزة تسمى ازدراء الأديان، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وذلك القانون ليس له معنى سوى اللعب السياسى. ومن المعروف أن الرئيس السادات أصدر تلك القوانين فى محاولة لإرضاء الجماعات الدينية، وقد واجهتُ قضايا مشابهة، خاصة بعد إصدار كتاب «اللاهوت العربى»، مثل كثير من الكتّاب والمثقفين. لكن إذا توقفنا عند فهم وتحديد ما هو معلوم من الدين بالضرورة سيعجز أى مشرع عن توضيح تلك العبارة الفضفاضة التى يتم استخدامها وفقاً لأهواء البعض بدليل أن علماء المسلمين اختلفوا فى مفهوم التوحيد. فالمعتزلة قالوا أشياء، وأهل السنّة قالوا أشياء، والأشاعرة كذلك، وتعددت المذاهب، وبالتالى فليس هناك ما هو معلوم بالضرورة. ومن اللافت للنظر أن تلك التهمة توجه ضد مثقفين اجتهدوا بإصدار كتب أو أعمال أدبية، وبعد مرور فترة من الوقت يقرر شخص ما، غالباً يكون نكرة، أن يتقدم بدعوى قضائية ضد الكاتب، هذا الشخص المدعى لا يتكبد عناء أكثر من كتابة شكوى، بينما يعيش المثقف أو الكاتب الذى تعب واجتهد، بغض النظر عما إن كان أخطأ أو أصاب، كابوس الركض فى ساحات القضاء لأعوام طويلة. لذا لن تتقدم الحياة الفكرية فى مصر سوى بإلغاء ذلك القانون، لأنه أولاً ليس هناك معنى لعبارة «إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة»، ثانياً أنه يتم إساءة استخدام ذلك القانون بغرض النكاية والهيمنة المطلقة على كل أنواع التفكير، وحتى إن تحدّث شخص فى الهندسة الوراثية أو علم الفلك يمكن أن يجد نفسه متهماً بأن نظريته العلمية تعارض آية قرآنية، وبالطبع يكون ذلك وفقاً للأهواء الشخصية عند البعض.
■ ما توقعاتك بشأن ذكرى ثورة ال25 من يناير؟
- لا أعتقد أن شيئاً كبيراً سيحدث فى 25 يناير، وأناشد الحكومة ووزارة الداخلية التعامل مع المعارضين بحكمة وضبط نفس، فالأنظمة السياسية تحتاج لمن ينتقدها كما تحتاج لمن يؤيدها، وليس هناك داع للخوف المفرط من ذكرى الثورة، والقمع لا يؤدى سوى للانفجار، والمجتمعات الرشيدة تحرص على المعارض مثلما تحرص على المؤيد، فالمعارض ربما يرشدنى والمؤيد ربما يضللنى. والمعارضة أنواع منها معارضة رشيدة ومنها مبتذلة ومنها مأجورة مثل التى ترسم فى قطر، والأخيرة من الأفضل تجاهلها، والمصريون على علم بها، لكن لمَ كل هذا التوجس والإفراط فى القمع، مثل اعتقال صحفى مجهول، وبعد عدة ساعات يصبح قضية رأى عام، أو منع ناس من أن يقوموا بوقفة احتجاجية؟ بالعكس يجب توفير مكان آمن لهم لعرض مطالبهم، وهناك حدائق فى القاهرة والمدن يمكن أن يتظاهروا فيها، بعد حصولهم على تصريح، المجتمع يحتاج دائماً لمساحة من التعبير السلمى.
زيدان فى سطور:
د. يوسف محمد أحمد طه زيدان
من مواليد 30 يونيو 1958.
ماجستير الفلسفة الإسلامية، جامعة الإسكندرية، عام 1985 بتقدير ممتاز.
دكتوراه فى الفلسفة الإسلامية جامعة الإسكندرية، عام 1989.
حصل على الأستاذية فى الفلسفة وتاريخ العلوم، عام 1999، بإجماع لجنة الترقيات بالمجلس الأعلى للجامعات.
أنشأ مركز المخطوطات فى مكتبة الإسكندرية عام 1994.
من أشهر أعماله الأدبية رواية «عزازيل» التى حصدت جائزة «أنوبى» البريطانية عام 2012.
كما فازت الرواية بجائزة «البوكر» العربية عام 2009، وحققت 30 طبعة حتى الآن.
من أعماله ثلاثية (متاهات الوهم- فقه الثورة- دوامات التدين).
من أعماله الروائية الشهيرة: «ظل الأفعى»- «النبطى»- «مُحال» - «جونتنامو»
ومن آخر أعماله كتاب «شجون مصرية» الذى سيعقبه «شجون عربية».

المصريون والتدين
المصريون لا يعانون من نقص فى الدين، ولا يوجد عندهم أزمة فى تلك النقطة، لكنهم يعانون حالة من الهرج العام، ومفهوم غير صحيح عن التدين، واستغلال لجهل الشباب لتحريكهم عل الأرض، وخلق نزاعات مثلا، اهتاجت الجماعات الإسلامية حول العالم لما سمته بالرسوم المسيئة، وهو بالطبع أمر غير مقبول، أراهن أن معظم من غضبوا لم يروا الصور أصلاً، لكن أن تحدث حالة شديدة من الغضب ومن ردود الفعل العنيفة عقب ذلك الموقف، فى حين لا تندد تلك الجماعات الإسلامية بما تقوم به داعش من جرائم بشعة، بما لا يخرج داعش من نطاق الدين فقط، بل من مفهوم الإنسانية بالكامل، فهو ما ليس منطقياً على الإطلاق.

الأزهر وداعش
أنا أحترم تلك المؤسسة، لأنها وطنية، وعاشت فترة طويلة مرآة تعكس الحالة الدينية فى مصر، والأزهر يُعد أكبر جامعة إسلامية، الأزهر يقول إنه لا يستطيع أن يكفّر داعش بينما يعتبرهم خوارج هذا العصر، ويقول إنهم لا يزالون فى دائرة الإسلام، كيف هذا وهم خرجوا عن دائرة الإنسانية نفسها عندما ارتكبوا بشاعات وتفاخروا بها أمام العالم. بينما اتخذ مجمّع البحوث الإسلامية موقفاً متشدداً ضد عدد كبير من المثقفين المصريين، وهذا الكلام يأتى حرصاً منى على تلك المؤسسة بتاريخها الطويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.