بمناسبة أن اتحاد الصناعات يبحث عن حلول لمشكلة «عدم المهنية» لدى الباحثين عن وظائف، بالداخل والخارج (أُهديه) هذه التجربة. عام 1919.. بعد شكاوى مريرة لأصحاب الأعمال الفرنسيين من «تخلُّف»، و«تدهور»، و«جهل» الحرفيين والمهنيين وعدم «التجويد».. صدر قانون بإنشاء 250 تخصُّصاً لتعليم «الطُّلاب»، قبل ضخهم فى سوق العمل، أو ممارسة أى مهنة «سبَّاك.. مبيِّض.. حلوانى.. خبَّاز.. كوافير.. ميكانيكى.. سائق تاكسى.. ترزى.. جرسون.. صانع مفاتيح.. تصليح أحذية.. تسليك مجارى»، أن يحصل على عدة شهادات.. أولاها: «شهادة الصلاحية»، وتسمى B.E.P-C.A.P. (بدونها لا يحق له ممارسة المهنة)!! بالإضافة إلى هذه الدراسات بالمدارس الحكومية.. أُنشئت مدارس «فنية» خاصة، و«متخصصة» فى تخريج «الحرفيين» Le Lycee Professional.. يدرس فيها الطالب 32 ساعة أسبوعياً.. نصفها دراسات نظرية، والآخر: داخل الورش والمعامل.. بالفنادق والمطاعم.. وبمواقع العمل التابعة للقطاع الخاص.. للتعرف على بيئة العمل، وكيفية التعاون مع الآخرين، والتعامل مع المعدات والآلات + اكتساب التجربة فى استخدام التكنولوجيا، وكيفية التعامل مع الزبائن. ورغم الحصول على هذه الدراسات المتخصصة، فهناك شروط أخرى فرضتها القوانين الحديثة على كل راغب فى ممارسة «حرفة».. فعليه أن يحصل على «ترخيص» يتطلب شهادات إضافية. مثال: من يرغب فى العمل «كحلاق» أو «كوافير».. ما الشهادات المطلوبة؟ ولماذا؟. أولاً: يلزم حصوله على «الثانوية المتخصصة» أو الثانوية العامة + دبلومة عامين: يدرس فيها: - طرق حماية: «الزبون» من أى مخاطر - فنون «التسريحات»، وعلوم «القصَّات»، وأنواع الشعر «المجعد.. الناعم.. الأصلع». و«الماسكات» المناسبة لشعره أو لبشرته!!. ثانياً: تدريب بأحد «المعامل» المنتجة، والمورِّدة للمنتجات المستخدمة بالكوافيرات «أنواع الكريمات.. الشامبوهات.. الصبغات.. الدهانات».. وكيفية تقليم الأظافر، و«المساجات» للقفا، والأقدام، وفروة الرأس. كل ذلك من أجل حماية «الزبائن» من خطر استخدام المواد الكيماوية، أو أدوات الحلاقة الملوثة، وما ينتج عنها من أضرار.. وتعطيل «للفرد» كعضو «مُنتج» بالمجتمع!! مثال «2»: للعمل «كسائق تاكسى» يلزم: 1- شهادة دبلوم عام «ثانوية». 2- شهادة مُتخصصة فى المهنة. 3- تصريح بممارسة المهنة (ورقة لونها «روز» تجدها ملصوقة على الجهة اليسرى «للبرابريز» الأمامى للسيارة)! 4- ترخيص من إدارة المرور، ويشترط: أ- ممارسة «كورس» تدريب، وتأهيل، واختبارات نظرية، وتحريرية وعملية، رغم وجود رخصة القيادة العادية. ب- النجاح فى اختبار المعلومات عن الأماكن العامة، والمزارات السياحية، وأسماء الشوارع، واستخدام الخرائط على المستوى القومى، وعلى مستوى الإقليم أو المحافظة المصرح له فيها بالعمل. ج- موافقة من إدارة الحكم المحلى لتحديد «المواقف» التى سيستخدمها فى الانتظار قبل الانطلاق بالعميل. وأخيراً الحصول على كارت مهنى من غرفة التجارة «ART isan» لمحاسبته ضريبياً (وتقديمه للشرطة المسئولة عن القبض على كل من يمارس «مهنة» بلا ترخيص)!! بالمناسبة: عام 1920 كان هناك 20 ألف تاكسى بباريس، تم تخفيضها عام 37 إلى 14 ألفاً.. واليوم يوجد 16 ألف تاكسى بكل باريس وضواحيها، ومطاراتها.. «فى الغردقة»، أحد المحافظين لها بعد ثورة 25 يناير أصدر 4000 (أربعة آلاف) «رخصة تاكسى»، والمدينة يكفيها وزيادة ألف تاكسى، ولهذا نجد أمام كل سائح يتمشى أو يتسوّق يقف كل دقيقة تاكسى، وهات يا كلاكسات وزمامير واللى ما يشترى.. يتفرج!! مثال «3»: لتعمل «خبازاً» أو «حلوانياً» أو صانع «آيس كريم»: أ- دبلوم سنة بعد الثانوية: - ثم «سنة» تدريباً بأحد المخابز أو المعامل + امتحان فى كيفية صناعة الخبز من «عجن، وتخمير، وتقطيع وفرد، وخبز، وحفظ» - دراسات فى طرق حماية «العجين» من البكتيريا، والملوثات، والنظافة العامة، وتطهير المعدات المستخدمة أولاً بأول- أشكال وأنواع المخبوزات.. والإضافات المُحببة، ودراسة التكاليف، وانعدام الفاقد، وطرق تخزين الدقيق!!. ب- أما الراغبون فى مهنة «حلوانى».. فيلزم عامان «تخصص» بعد الثانوية، لدراسة أنواع «المدخلات» فى تصنيع الجاتوه. والتورتات، وكل الحلويات من أنواع الشيكولاته، ونسب الدهون والسكريات، والسعرات الحرارية. وفنون التشكيل والتزويق، والأمن الحيوى. وأمان العاملين أمام الأفران.. ويشترط دراسة «لغة أجنبية» لتصدير «الشيفات» إلى كل الفنادق والمطاعم حول العالم برواتب خيالية!. (فى فرنسا يعلِّمون «اللغة الصينية» ل50 ألف طالب سنوياً.. لأنهم يعلمون أنها إحدى لُغات المستقبل)!!. وتفاصيل كثيرة تبدو «مضحكة» بالنسبة للكثيرين منا، ولكن فى الحقيقة هى تفاصيل «توضح» و«تؤكد» أن التقدم، والتطور، والتحضر له أسباب.. ويحتاج إلى منظومة متكاملة.. و«جدية» بلا تهاون للتجويد والرقى وللتنافسية العالمية!! الخلاصة: لن تقوم قائمة لهذا الوطن دون تغيير «شامل، ونسف كامل» لنظم التعليم الحالية.. ليصبح التعليم والتدريب والتأهيل والبحث العلمى، هو «أولى» أولوياتنا فى الميزانية، وفى كل القرارات و«السياسات والبرامج ».. وإذا لم نفعل، فسوف يدفع المجتمع «ثمناً فادحاً» سيحاسبنا عليه التاريخ، وستلعننا الأجيال المقبلة!! اقرأوا تجربة «مهاتير» عندما فتح معسكرات الجيش أمام المدنيين الراغبين فى التدريب والتأهيل، وأجبرهم على عدم الخروج من هذه المعسكرات قبل ستة أشهر.. يتعلمون خلالها: (1) «الانضباط» (وما أحوجنا الآن إلى الانضباط). (2) «حرفة» تؤهله للمنافسة العالمية. (3) «لغة إنجليزية».. لغزو الأسواق العالمية بالصناعات الإلكترونية، ولاستقبال 30 مليون سائح.. وبهذه «الثلاثية» طار «مهاتير» بماليزيا إلى سماء العالمية. السؤال: «كتالوج النجاح» معروف ومُعلن.. و«السر» فى 6 كلمات: «رؤية» - «خطط» - «سياسات» - «برامج» - «آليات» - «كفاءات».. فهل نحن مستعدون؟ ومتى سنبدأ فى إعادة «بناء الإنسان المصرى» ليصبح إنساناً منضبطاً - مُنتجاً - منافساً - واعداً؟. مطلوب: إعادة ترتيب أولوياتنا.. قبل أن يضيع الحلم (لا قدَّر الله)!!.