عميد تجارة عين شمس يطلق مهرجان الإسماعيلية الأول لطلاب الكلية    سعر الذهب المتوقع فى عام 2026    الشرع: إذا فرطنا بإنجازات الثورة فسندفع أثمانا مضاعفة عما دفعناه في 14 عامًا    مسئول في حركة حماس: الحركة مستعدة لمناقشة مسألة تجميد أو تخزين أسلحتها    انطلاق مباراة ريال مدريد وسيلتا فيجو في الدوري الإسباني    إبراهيم حسن: ودية مصر ونيجيريا 16 ديسمبر باستاد القاهرة    الدورى الإسباني.. مبابي وفينيسيوس يقودان ريال مدريد لمواجهة سيلتا فيجو    أبرزها الاستعداد للامتحانات، تفاصيل اجتماع رئيس المعاهد الأزهرية مع رؤساء المناطق    حريق يلتهم لنشًا وفلوكة جنوب الغردقة بدون إصابات    عمرو سلامة: المناخ الكروي في مصر ينهار والجمهور يبتعد عن الفرق المحلية    متحف ذاكرة الريف» |عالم اجتماع يرصد ملامح حياة المصرى القديم    الصحة: لا توجد متحورات جديدة من فيروس كورونا.. والإنفلونزا الأكثر انتشارا    وزير الصحة يحسم الجدل حول الفيروس الجديد: كل ما يثار عن وجود تحورات شائعات    نصائح لحماية طفلك من أمراض الجهاز التنفسي المنتشرة حاليا    الأزهر ينشر فيديوهات لتعليم أحكام التجويد والتلاوة بأسلوب يناسب الجميع    رفقة زوجته.. مصطفى قمر يطرح كليب «مش هاشوفك» | فيديو    ذاكرتى هى النسيان .. ولا أخشى المستقبل    أخبار مصر اليوم.. رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان    مصدر مقرب من عمر فرج: علاقته انتهت بالزمالك    والد عروس المنوفية باكيا: لقيت بنتي مرمية على السرير مفيهاش نفس    الداخلية تكشف حقيقة خطف فتاة بصفط اللبن: تركت المنزل بإرادتها بسبب خلافات أسرية    «نقف معها جنباً إلى جنب».. روسيا تحذر أمريكا من التصعيد ضد فنزويلا    أول ظهور لمحمد صلاح بعد أزمته مع سلوت وليفربول.. صور    إخوان أوروبا فى مصيدة الإرهاب    «لا للتنمر ضد ذوي الإعاقة».. ندوة لمواجهة آثار وسلبيات التنمر    كشف ملابسات فيديو عن إجبار سائقين على المشاركة في حملة أمنية بكفر الدوار    نيللي كريم تعلن بدء تصوير مسلسل "علي قد الحب "    وليد جاب الله: مصر تحقق أعلى نمو فصلي منذ 3 أعوام | فيديو    حماية النيل من البلاستيك    ثلاثة فى خدمة الاحتلال الإسرائيلى    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة    الأهلي يقترب من ضم يزن النعيمات لتعزيز الهجوم    إضافة 4 أسرة عناية مركزة بمستشفى الصدر بإمبابة    محافظ القاهرة: تبرع بقيمة 50 مليون جنيه لدعم إنشاء المجمع الطبي لجامعة العاصمة    ميرفت القفاص: عمار الشريعي الغائب الحاضر.. وصندوق ألحانه ما زال يحمل كنوزا    بكين تعلن عن ثالث مناورة مشتركة مع موسكو في مجال الدفاع الصاروخي    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    دياباتي يبتعد عن التتش.. خلافات مالية توقف تقدم مفاوضات الأهلي    مدير إدارة قفط الصحية بقنا تجري مرورا مفاجئا وتحيل متغيبين للتحقيق    مدبولي يتابع مشروعات تطوير قطاع الغزل والنسيج والاستغلال الأمثل لبعض الأصول    صبغ الشعر باللون الأسود: حكم شرعي ورأي الفقهاء حول الاختضاب بالسواد    كمال درويش يهاجم شيكابالا: أنت معندكش خبرة إدارية عشان تتكلم عن مجلس الزمالك    جامعة أسيوط تُكثّف استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول    وزير الخارجية: إسرائيل عليها مسئولية بتشغيل كل المعابر الخمس التي تربطها بقطاع غزة    صحة الشيوخ تدعو خالد عبد الغفار لعرض رؤيته في البرامج الصحية    الانتهاء من تركيب الإنترلوك في 5 شوارع ضمن مشروع تطوير غرب مدينة كفر الشيخ    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    هيئة الرقابة المالية تُلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في الأسهم    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    الأرصاد تكشف خرائط الأمطار اليوم وتحذر من انخفاض درجات الحرارة في عدد من المحافظات    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    نور الشربيني تتوج ببطولة هونج كونج للاسكواش بعد الفوز على لاعبة أمريكا    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة فى حملة مكبرة بمحافظة الفيوم    قطاع الملابس والغزل يبحث مع رابطة مصنّعي الآلات الألمانية التعاون المشترك    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موريس بيرل مؤلف كتاب «ادفعوا للناس»: أحب كوني مليونيرا ثريا لكني أطمع في بلاد فيها إحساس بالإنصاف.. تزدهر فيها الأعمال الجيدة
نشر في الوطن يوم 16 - 02 - 2025

«موريس بيرل»، مليونير أمريكى له خبرة كبيرة فى الأسواق المالية الأمريكية والعالمية.
شغل من قبل منصب العضو المنتدب فى شركة «بلاك روك» الأمريكية، وهى واحدة من أكبر شركات إدارة الأصول فى العالم، وشمل عمله تقييم الخسائر المحتملة للحكومات من عمليات إنقاذ البنوك فى الولايات المتحدة وأوروبا.
يرى «بيرل» أن رفع الأجور لا يمثل إلا وجه العملة الأول، أو نصف معادلة الحل الذى يمكن أن يعيد جزءاً من العدالة المفقودة إلى المجتمع الأمريكى.
أما النصف الآخر من المعادلة، والوجه الآخر للعملة، فكان فى كتاب آخر أصدره هو ومجموعته حمل عنوان: «ارفعوا الضرائب على الأثرياء!».
وكان ذلك الكتاب هو الذى حمل بذرة الفكرة التى يتبناها المليونيرات الوطنيون الذين جسدوا شعار «ابدأ بنفسك»، مطالبين «الكونجرس» الأمريكى منذ عام 2010 بزيادة الضرائب عليهم وعلى أمثالهم من أصحاب الملايين لصالح المجتمع الأمريكى.
كان ذلك الكتاب فرصة نادرة للنظر داخل عقل «مليونير» قرر أن يصف نفسه بأنه «وطني»، لشخص جمع بين حب الثراء (الذى لا ينكره «بيرل»)، وبين حب الوطن، عندما يفكر شخص ما فى الجمع بين المصلحتين، المادية والوطنية، فإن نموذجاً آخر ينشأ عن هذا الأمر، صورة أخرى مختلفة ونمط تفكير مميز ينظر إلى حقائق الأشياء ويرى النتائج المترتبة عليها بصورة تختلف عما يراه أصحاب المال فقط، أو أصحاب الوطنية فقط.
ينشأ ساعتها عندنا نموذج «المليونير الوطنى» الذى يبدو أكثر أهمية فى دراسته وفهم تفكيره ودوافعه، وما يريده وما يحركه، أكثر من دراسة تحليلاته الاقتصادية التى قد يتفق البعض معها أو يختلف، يراها واقعية أو حالمة، قابلة أو غير قابلة للتطبيق.
إنه الإنسان الذى يحرص على مصلحته لكنه يأخذ أيضاً مصلحة الآخرين فى الاعتبار، ويفعل ذلك دون مطالبة أو ضغط من أحد، بل إنه هو من يطالب بالسماح له بدعم الآخرين.
كانت اللحظة الفارقة فى حياة «موريس بيرل»، التى جعلته يتخذ قراره بتحويل مسار حياته، من أحد أثرياء بورصة «وول ستريت» الأمريكية، إلى «مليونير وطنى» يقود حركة كاملة فى البلاد، هى اللحظة التى رأى فيها ما يحدث حقاً على الأرض، من وراء الزجاج الهش لقاعات المؤتمرات الاقتصادية، بعيداً عن صخب البورصات المالية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً فى اليونان.
فى ذلك اليوم، كان «بيرل» يتناول الغداء أثناء لقاء جمعه ببعض رجال البنوك فى اليونان خلال عمله فى مؤسسة «بلاك روك».
وعندما ألقى نظرة من زجاج النافذة وجد حشوداً من الناس يسيرون فى اتجاه البرلمان اليونانى، كما عرف فيما بعد، فى مظاهرات احتجاجية. نظر «بيرل» إلى المشهد للحظات قبل أن يطرح على نفسه تساؤلاً مهماً: «هل ما أقوم به يقدم أى نفع لأى شخص فى اليونان، غير رجال البنوك الذين كنت أتناول الغداء معهم؟».
ويواصل: «كانت تلك واحدة من لحظات الوضوح التام التى مررت بها فى حياتى، وبعدها بفترة قصيرة، شعرت أننى قد قمت بما يكفى وبكل ما يمكننى القيام به من أجل حاملى الأسهم فى شركة «بلاك روك» لإدارة الأصول (التى كنت أشغل منصب العضو المنتدب فيها)، ثم استقلت من وظيفتى لأصبح رئيس مجلس إدارة مجموعة (المليونيرات الوطنيين) كمتطوع بدوام كامل».
فى تلك اللحظة تحول رجل الأعمال الذى كان يحرص على مصلحة حملة الأسهم قبل غيرهم، إلى رجل يسعى لإحداث تأثير فى السياسات الاقتصادية التى تمس حياة الجميع. بدأت الصورة فى عينه تصبح أكثر وضوحاً، واتسعت رؤيته لتشمل طبقات أخرى تحيا فى المجتمع الأمريكى، بعد أن كانت قاصرة على طبقة واحدة تجلس على قمته.
لم يعد المليونير الأمريكى الوطنى معزولاً وراء زجاج قاعات المؤتمرات الهش الذى يمكن أن ينكسر بطوبة طائشة من جموع غاضبة، ولم تعد تلك الجموع مجرد أرقام على الورق فى اجتماعه التالى مع حملة الأسهم فى شركته.
صاروا أشخاصاً لهم حقوق، وعدالة لا بد أن ينالوها حتى لا يتحولوا إلى مصدر للخطر على المليونيرات من أمثال «بيرل» نفسه.
يذكر «بيرل» تقريراً نشرته مجلة «نيويوركر» الأمريكية ذائعة الصيت حول مجموعة من المليارديرات الذين قرروا بناء «مخابئ» على أعلى مستوى من الرفاهية فوق جزرهم الخاصة لتحميهم من أى هجوم حتى لو كان هجوماً بالقنابل عليهم. نوع من الأماكن المعزولة المجهزة على أحدث طراز لحمايتهم من أى سيناريو متوقع ل«نهاية العالم» كما يعرفونه.
وعلى ما يبدو، كانت «نهاية العالم» التى يخشونها أكثر من غيرها هى نوع من هجوم الطبقات الفقيرة والمهمشة فى المجتمع على الطبقات العليا فيه.
يقول «بيرل»: «شعرت بالغضب وبالحزن نوعاً ما لهذا الأمر. إن هؤلاء الناس مستعدون لدفع ملايين الدولارات لكى يعيشوا مستريحين ومرفهين خلال الفترة التى قد ينهار فيها المجتمع بأكمله. لكن السؤال هنا هو: كم واحداً منهم قد دفع الكثير أو حتى القليل لكى يغير الأسباب التى أدت إلى وجود هذا التهديد فى المقام الأول؟. كم واحد من هؤلاء الأثرياء لديه استعداد للاعتراف بأنه قد ساهم بشكل ما فى وجود تلك الحالة الاجتماعية التى تثير مخاوفه اليوم؟».
أقول للأثرياء أمثالى حول العالم: لا يمكنكم الجلوس والاستمتاع بثرواتكم بينما ينهار العالم من حولكم نحو الفقر والفوضى واقرأوا كتب التاريخ
ويتابع: «ربما كانت قراءة عناوين الأحداث كافية لإصابة المرء بالإحباط. إلا أن هذا لا يعنى أننا فقدنا كل شىء. ما زال أمامنا الكثير لنقوم به. لكن الأمر سيكون فى غاية الصعوبة لو أن أمثالى من المليونيرات والمليارديرات رفضوا أن يكونوا جزءاً من الحل، أو أن يكفوا على الأقل عن زيادة مشكلاتنا سوءاً. إننى أطالبهم بألا يدفنوا رءوسهم فى الرمال وأقول لهم: أنتم تدمرون البلاد، بلادنا، بلادى أنا. كل الناس، بمن فيهم نحن الأثرياء، سوف ندفع الثمن غالياً ما لم نعدل مسارنا الآن.
إننى أوجه تحذيراً لأمثالى من الأثرياء فى الولايات المتحدة وحول العالم: لا يمكنكم الجلوس والاستمتاع بثرواتكم فى الوقت الذى ينهار فيه باقى العالم من حولكم نحو مزيد من الفقر والفوضى. اقرأوا كتب التاريخ لكى تتأكدوا أن اختلال المجتمع لا يصب فى صالح الأغنياء كذلك، وهناك عشرات الأمثلة لما يحدث فى المجتمع عندما يملك الكثير جداً فيه ما هو قليل جداً، فى الوقت الذى تملك فيه فئة قليلة جداً الكثير جداً. وأود أن أسألكم: هل تعتقدون أن بإمكانكم فعلاً حماية أنفسكم من حشود الناس الغاضبة والجائعة؟.
لن أعتمد على قدرة الحوائط والحواجز على إبقاء الخطر بعيداً عن أسرتى.. خاصة فى أمريكا التى يزيد عدد الأسلحة فيها على عدد الأفراد
أنا شخصياً لن أعتمد على قدرة الجدران وحوائط الصد على إبقاء العالم بعيداً عنى لوقت طويل، خاصة إذا كنت أحيا فى بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يزيد عدد الأسلحة الموجودة فيه على عدد البشر (مواطنو أمريكا يملكون 393 مليون قطعة سلاح حالياً. أى إن هناك 120 قطعة سلاح فى يد كل 100 مواطن أمريكى)».
يحرص «بيرل» على التأكيد على أنه رجل يحب المال، ويحب كونه ثرياً، فهو لا يدعى المثالية، ولا ينكر أيضاً أنه شخص يحرّكه دافع الطمع نحو الأكثر، مثله مثل أى شخص آخر. لكنه يضيف: «أنا فقط أطمع أيضاً فى بلاد من نوع آخر، يوجد فيها إحساس أكبر بالإنصاف لكى نحيا فيها أنا وعائلتى. أطمع فى بلاد تزدهر فيها الأعمال الجيدة ويحظى فيها العمل الجاد بالتقدير والمقابل العادل، ويشعر فيها الناس بالأمن فى شوارعهم وأحيائهم السكنية. أريد أن أحيا فى بلاد فيها الكثير من الأثرياء وفيها أيضاً طبقة متوسطة ضخمة، ومن وجهة نظرى، فإن السبيل الوحيد لإيجاد مثل هذه البلاد لا بد أن يمر من خلال رفع الضرائب على الأغنياء للتخفيف من غياب المساواة».
أفضل العمل على إصلاح الخلل من حولى بدلاً من الانسحاب وراء أسوار مجتمع معزول محاط بالحراسات الخاصة.. ولا أريد أن أحيا فى قلق من أن يتعرض أبنائى وأحفادى للاختطاف
رفع الضرائب على الأغنياء هو جزء من الحل، لكنه ليس كل الحل، كما يرى «بيرل». يقول إنه أمر لا مفر منه حتى إن لم يكن كافياً، لذلك، اتخذ قراره بأن يبذل كل ما فى وسعه للدفع نحو سياسات لزيادة الضرائب على الأغنياء من أمثاله، وأولهم هو نفسه، بأقصى ما يمكن من الفعالية والسرعة.
ولكن لماذا؟
لا أريد أن أحيا وراء جدران من الأسلاك الشائكة.. ولا أن أسير بسيارة فارهة لكنها مصفحة خوفاً من الناس.. ولا بد لنا أن نبدأ فى مواجهة مشكلاتنا
السبب عبر عنه «بيرل» كأفضل ما يكون قائلاً: «لأننى لا أريد أن أكون رجلاً ثرياً فى بلد فقير. لا أريد أن أحيا فى بلاد فيها قليل من ذوى الثراء الفاحش وملايين من الفقراء. لا أريد أن أحيا وراء أسوار من الأسلاك الشائكة. ولا أريد أن أتجول فى الشوارع داخل سيارة فارهة لكنها مصفحة، بصحبة حراس أمنيين محترفين. لا أريد أن أحيا فى قلق من أن يتعرض أبنائى وأحفادى للاختطاف (لطلب فدية)، أو لما هو أسوأ».
تلك الروابط الأسرية كان لها أثر فى تشكيل فكر «بيرل» وغيره من المليونيرات الوطنيين الذين يقولون إنهم ليسوا فقط من أصحاب الملايين لكنهم أيضاً من أصحاب العائلات، وأن أبناءهم وأحفادهم لا يعيشون فى فراغ، وأن غياب العدالة الاقتصادية فى المجتمع الذى يعيش فيه هؤلاء الأبناء والأحفاد لا يمكن أن يعود عليهم بخير.
وفى حالة «بيرل»، كان زواج ابنه من فتاة من أمريكا اللاتينية، وتحديداً من دولة «بيرو»، أحد الأسباب التى جعلته يفتح عينيه على «الجانب الآخر» من العالم، حيث يحيا مَن لا يملكون حظ أسرته من الثروة والرفاهية. هؤلاء الذين يعانون الفقر الذى بدأت معدلاته تتزايد على نحو مخيف فى الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من تزايد معدل ثروات المليارديرات فيها.
يحكى «بيرل» أنه منذ أن تزوج ابنه، بدأت أسرته تقضى وقتاً فى «بيرو» فى أمريكا اللاتينية، موطن زوجة ابنه. يصفها بأنها: «بلاد جميلة، لكن من المؤلم حقاً رؤية شعبها يكافح فى مواجهة الفقر البائس الضارب بجذوره فى أعماق البلاد، فى الوقت الذى تلهو فيه الطبقة العليا بثرواتها وراء أسوار المنتجعات ذات الأسلاك الشائكة». ويضيف: «أنا لا أريد أن أحيا فى مثل تلك البلاد، لكن هذا هو الاتجاه الذى نسير فيه. لا بد لنا إذن أن نبدأ فى مواجهة مشكلاتنا. ربما يستغرق الأمر مالاً ووقتاً، إلا أننى شخصياً أفضل العمل على إصلاح الخلل بدلاً من الانسحاب وراء أسوار مجتمع معزول، تقف على حراسته قوة أمنية خاصة، فى الوقت الذى يتداعى فيه العالم الذى يقع خارج أسوار تلك البوابات».
من هنا بدأت خطة المليونيرات الوطنيين لإصلاح الاقتصاد الأمريكى بشكل يضمن مزيداً من العدالة الاقتصادية للجميع.
هى خطة من ثلاثة محاور كما يصفها «بيرل»، يقول: «أهدافنا هى: فرض مزيد من الضرائب على المليونيرات، وأن يكون هناك تمثيل سياسى لكل طوائف الأمريكان، بدلاً من ترك المجال فقط للسياسيين الذين يتلقون تبرعات من الأثرياء لحملاتهم الانتخابية ثم يتعهدون بحماية مصالح هؤلاء الأثرياء بعد ذلك من خلال التشريعات القانونية، هذا نظام فاسد لتمويل الحملات الانتخابية ولا بد من تعديله.
أما الهدف الثالث فهو أجر عادل يسمح بحياة لائقة للعاملين أياً كان مستواهم (وهو محور أحدث كتبه «ادفعوا للناس») عبر إجراء تعديلات فى قوانين العمل والأجور، تسمح بتلقيهم نصيباً عادلاً من ناتج العمل الذى يساهمون بجهودهم فيه. لو أننا نجحنا فى هذا فسنصبح أمة أكثر استقراراً ومساواة، وأيضاً أكثر رفاهية، حتى إن قلَّت درجة الرفاهية التى يتمتع بها المليارديرات قليلاً. يمكن لمثلى عندها أن يقول إنه قد أصبح رجلاً غنياً فى دولة غنية ومستقرة».
غالبية المليونيرات الآخرين يريدون بلاداً فيها عدد ضئيل من أصحاب الملايين وملايين من الفقراء وبلا طبقة وسطى على الإطلاق
يدرك «بيرل» جيداً أن مثل هذه الخطة ذات المحاور الثلاثة لن تحظى بتأييد الكل، وأن حجم المعارضة الحقيقى لما يريده «المليونيرات الوطنيون» سيأتى فعلياً من كل المليونيرات الآخرين غيرهم. هؤلاء الذين سيرفضون بشراسة التفريط فى أدنى جزء من أموالهم، مهما بلغت النداءات والتحذيرات من تدهور أوضاع المجتمع بسبب غياب العدالة الاقتصادية فيه. هم هؤلاء المليارديرات الذين يصفهم «بيرل» بأنهم: «يريدون العيش فى بلاد فيها عدد ضئيل من أصحاب الملايين، وملايين من الفقراء، وبلا طبقة وسطى على الإطلاق»، إلا أنه فى الوقت نفسه، لا يقبل بأن توصف خطة المليونيرات الوطنيين بأنها «حالمة»، أو أن أصحابها لا يعرفون ما الذى يتحدثون عنه. هو على العكس، يرى أن مجموعته تعرف قواعد اللعبة جيداً لأنها تلعبها بالفعل!، لأنهم جزء من النظام المالى الأمريكى ومن أكبر المستفيدين منه. لذلك يقع عليهم العبء الأكبر لإصلاحه.
يقول «بيرل»: «نحن نعرف قواعد اللعبة، نعرف طريقة حشد جماعات الضغط، وثغرات القوانين، والأكاذيب التى يرددها مَن هم فى داخلها لمن هم خارجها. نحن نعرف أن الخطب العلنية لصناع التشريعات والقوانين الأمريكية حول الإصلاح تدارى فى الواقع صفقات واتفاقيات خاصة لصالح المتبرعين الأثرياء الذين يدعمون حملات السياسيين من كلا الحزبين، الديمقراطى والجمهورى فى أمريكا.
نحن «عملاء من الداخل»، نمتلك كل المعرفة والنفوذ التى تأتى مع كوننا أثرياء فى الولايات المتحدة الأمريكية. لدينا قدرة فريدة، ومسئولية كبيرة، لكشف الأكاذيب، وإظهار مكامن الخلل، وتشكيل نظام ضريبى يجعل الاقتصاد يعمل لصالح الجميع، بمن فيهم الأثرياء».
إن عملية صناعة التشريعات الاقتصادية الأمريكية كما يصفها «بيرل» بكلماته: «هى عملية فوضوية، غير موثوق فيها، خاصة فيما يتعلق بنظام الضرائب الذى يحيط به كثير من الضجيج من كل الأطراف فى «واشنطن» لأن العديد من السياسيين بالفعل يريدون ويقصدون إرباك الناس. كلما قل ما يعرفه المواطن الأمريكى العادى عن طريقة عمل نظام الضرائب، صار من السهل على السياسيين (الذين يعملون لصالح المتبرعين الأثرياء لحملاتهم الانتخابية) أن يجعلوا النظام يعمل فى صالحهم.
ربما لذلك، بدا واضحاً أن أحد أهداف «بيرل» الرئيسية هو توعية الناس بما يحدث حقاً فى أروقة صنع القرار الاقتصادى الأمريكى. يقول: « لقد رأيت على نحو مباشر وشخصى كيف تسير العملية السياسية والتشريعية من الألف إلى الياء. وعلى الرغم من الفوضوية التى تبدو عليها بشكل يجعلها عسيرة على الفهم، فإن الواقع أن القرارات التى يتخذها هؤلاء الذين ننتخبهم كمسئولين سياسيين تؤثر على حياة الناس من جوانب عدة. وعلينا نحن كمواطنين مسئولية الفهم، وألا نتعامل مع السياسة كما نتعامل مع الأحداث الرياضية: بأن نشاهدها دون أن نتدخل فيها إلا بتشجيع فريقنا المفضل أياً كانت القرارات التى يتخذها فريقنا. وسياسات الضرائب بالذات تستحق اهتماماً خاصاً منا لأن أقل تغيير فيها يمكن أن يحدث تأثيراً كبيراً على رفاهية الجميع».
إلا أن هذا الكلام لم يجعل الكل راضياً عن «بيرل»، ووصفه البعض على حد قوله هو نفسه بأنه «خائن لأبناء طبقته»، وهو الوصف الذى قال عنه «بيرل» إنه يجعله يشعر بالفخر، مضيفاً: «على العكس من الكثير من المليونيرات الآخرين، لا يسعدنى أن أحيا فى بلد يفرض على المستثمرين من أمثالى معدلات ضرائب أقل من تلك التى يفرضها على من يضطرون للعمل لتأمين معيشتهم. لا أريد أن أستمر فى دفع ضرائب قليلة، خاصة إذا كانت تلك الضرائب تصب فى نظام يضمن أن الأثرياء من أمثالى يزدادون ثراء، فى الوقت الذى تتقلص فيه الطبقة الوسطى أكثر فأكثر، ولا يملك الفقراء أمامهم إلا مزيداً من اليأس».
هل «موريس بيرل» شخص يدعو فعلاً للإصلاح؟ هل يملك ما يكفى للدفع فى اتجاه تحقيق رؤيته؟ أم أنه مجرد لاعب سياسى يبتكر لغة جديدة لجذب الأنظار والانتباه إليه فى «سيرك» السياسة المالية الأمريكية الذى لا يعرف الملل؟
هل يملك «المليونيرات الوطنيون» شجاعة المضى قدماً فى خطتهم ذات المحاور الثلاثة، أم أنهم مجرد «حالمين» لا يملكون أقداماً ثابتة على الأرض؟
هم «مليونيرات» بالفعل، لكن إلى أى مدى هم «وطنيون» حقاً؟. وهل يعملون بإخلاص لصالح مجتمعهم أم أنها مجرد دعاية لأنفسهم؟. هل يمكن أن يأتى اليوم الذى تؤثر فيه مجهوداتهم فى تغيير نظرة صانع التشريعات الاقتصادية الأمريكى لوضع قوانين أكثر عدالة وإنسانية كما يطالبون؟ أم أن النظام الاقتصادى الأمريكى سيظل على ما هو عليه، فى حالة تتزايد فيها حدة الفوارق الاقتصادية بين الطبقات، إلى حد ينذر بانفجار وشيك، كما يحذر «المليونيرات الوطنيون» فى كتبهم ومؤتمراتهم؟
هل يمكن حتى أن يأتى يوم يصل فيه واحد منهم إلى موقع مسئولية يمكِّنه من إحداث تغيير جذرى فى السياسات الاقتصادية الأمريكية من قمتها إلى قاعها بجرة قلم؟
إنها أمريكا، بلد العجائب التى يمكن أن يحدث فيها أى شىء!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.