على نظام «وصفات جدتى» وكتاب «أبلة نظيرة» فى الطبخ أصبحت برامج التليفزيون والتوك شو فى أيامنا هذه.. وعلى نظام «الخلطة السحرية» و«التتبيلة السرية» تأتى طريقة تفكيرنا فيما يجب أن يكون عليه الإعلام.. الشطارة ليست فى طريقة التفكير، وإنما فى طريقة «التتبيل»، والمهارة ليست فى الإعداد الجيد، لكن فى «اللت المسلى».. وما بين بهارات الموضوعات وخلطات البرامج التى لا تقاوم، سقط الإعلام المصرى فى هوة سحيقة من التخلف لم نشهده من قبل.. إدينى يا جدع كام جورنال وطلع لى كام فيديو ومعاهم كام بوست من كام موقع، وتعالى نلت ونعجن وننسج قضايا ونزعق شوية.. ونادى على كام وزير وكام مسئول مع صرختين حسرة على حالة مواطن التدخين قطع قلبه، بس من حقه يتعالج أحسن علاج.. بكده نعمل برنامج يهز الدنيا.. كل ده على رأى عادل إمام واحنا قاعدين.. هذه هى التركيبة الأولى لنوعية بعض البرامج. هات لى يا أستاذ بنت ناكشة شعرها وعينيها زايغة وعندها حالة تشنّج ونشوف إزاى الجن ماسكها، واستعرض شوية حركات بهلوانية تقوم بها الفتاة، وشوية صرخات ونطات تورّى الناس تأثير الجن.. وهات لى حتة مزيكا حزينة تقطّع القلب.. وهات بعدها دكتور نفسى يشير إلى عدم قدرة العلم على تفسير هذه الظواهر الخارقة، واختمها برأى رجل دين يؤكد الظاهرة، ويقرر أنها موجودة فى القرآن.. ودى تركيبة تانية.. هاتى لى شوية «مخنثين»، رجالة قلبوا ستات، أو ستات قلبت رجالة.. وتعالى نتكلم معاهم عن المجتمع الظالم اللى مابيعترفش بحقهم فى الاختيار.. خليكى لطيفة معاهم.. انقدى المجتمع، وفى نفس الوقت قولى لهم «أوف، مش ممكن يا جماعة، أنا مكسوفة قوى».. اسألى أسئلة قبيحة جداً، ومكشوفة جداً، ولما الضيف «المخنث» يجاوب اعملى نفسك مكسوفة، وتقرّب الكاميرا من وش المذيعة وهى بتحاول تبقى مكسوفة.. واختمى الحلقة بأن الهدف هو التوعية والتثقيف.. ودى تركيبة تالتة من البرامج.. تعالى نتكلم عن الثقافة الجنسية بشكل صريح، وحط يافطة للكبار فقط، ده بيخلى المراهقين يتفرجوا أكتر، ويشدهم البرنامج.. وافتح الاتصالات للناس عشان تسأل عن مشاكلهم الجنسية الصريحة.. وهات لى متخصصة (لازم تكون واحدة ست مش راجل عشان المشاهدة تزيد)، واطلب من الضيف تكون إجاباته مكشوفة وصريحة.. خليه يؤكد أنه لا حياء فى العلم أو على شاشات التليفزيون.. بكده الترافيك هيزيد، وبكده مشاهدة البرنامج هتبقى فى السما.. ودى تركيبة رابعة من البرامج.. هات لى لاعب كرة قديم، أو معلق رياضى شهير، واديله فترة مفتوحة تبدأ من بعد صلاة العشا وتنتهى قُرب الفجر.. افتح الاتصالات مع الجمهور، وخلى اللعيب أو المعلق يتكلم عن أى حاجة وفى أى حاجة.. خليه يقول نكت خارجة لو لزم الأمر.. خليه يقوّم الدنيا على بعضها بين الأندية.. خليه يشتم حد مشهور، ويروّج لشائعات كتيرة.. وإن لزم الأمر خليه يستضيف رقاصة فى بعض الأيام.. بكده نكون جمعنا الفن والهندسة مع بعض.. ودى تركيبة خامسة.. هات لى مذيع مسهوك وسهن.. وخليه يتكلم عن الغلابة.. بس لازم تتفق معاه على نسبة الإعلانات اللى هياخدها من الأول، وحدّد عدد الأصفار السنوية فى عقده من البداية عشان الاختلاف.. خليه يتكلم عن طبقات الشعب الفقيرة.. ويفتح اتصالات الشحاتة.. عايزين نعمل عملية يا جماعة الخير لفلان.. البت عايزة تتجوز يا مؤمنين.. الراجل هيدخل السجن عشان الديون اللى عليه.. تبرّعوا، تبرّعوا.. وخليه يردد بعض الشعارات الخالدة.. الحكومة مفترية.. الحكومة مش بترعى الغلابة.. الحكومة لازم تستقيل.. ودى تركيبة سادسة.. فى كتب الإعلام، يقولون إن الإعداد الجيّد أهم خطوات التقديم الناجح.. فى كل بلاد العالم المتحضّر، فريق الإعداد له اليد العليا فى تحديد ما سيُقال.. المذيعون ومقدمو البرامج مثل الممثلين يؤدون ما يكتبه المؤلف/ المعد، وما ينصح به المخرج.. فى مصر الأمر مختلف.. «وان مان شو» هو الأسلوب المفضل.. المذيع هو المعد وهو المخرج وهو أنور وجدى إن لزم الأمر.. أقولها وبصراحة، طالما أن إعلام الدولة قد غاب أو تم تغييبه، سواء عمداً أو بغير عمد، وطالما أننا تركنا ديناصورات الإعلام الشخصى، ولا أقول الخاص، فإن الأمر سيزداد سوءاً.. فى ظل إعلام الدولة الغائب سيتوحش إعلام المصاطب ولعل وعسى..