المرأة المصرية تمثل حجر الزاوية فى العملية السياسية المصرية منذ فجر التاريخ السياسى، والشاهد على ذلك دور ملكات الفراعنة فى تشكيل تاريخ مصر، كما شاركت بالنضال الوطنى والثورات فى التاريخ الحديث بكل كفاءة وجدية ووعى وإخلاص. ففى ثورة 1919 اشتركت السيدات فى الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال، وتجاهلتها لجنة الثلاثين لكتابة دستور 1923، فشكلن أول اتحاد نسائى مصرى فى نفس العام، الذى نادى بتحسين أحوال النساء كما أنه أثر على مجريات الحركة السياسية العامة. ثم اندمجت الحركة النسائية فى الحركة الطلابية والعمالية بعد الحرب العالمية الثانية وتشكل أول حزب نسائى على يد السيدة فاطمة نعمت راشد عام 1942 ونادى بالمساواة التامة بين الرجال والنساء. وجاء دستور 1956 ليمنح المرأة المصرية حق التصويت والترشح، وانتخبت المرأة بالبرلمان عام 1957، واستمر نضال المرأة المصرية فى مجال الحقوق العامة وفى اتجاه تمكين المرأة وإطلاق تحسينات على قوانين الأحوال الشخصية، حتى قامت ثورة 25 يناير واشتركت المرأة المصرية فيها بكل جدية فى صنع مستقبل جديد للبلاد أدى إلى مشروع دستور تقوم عليه الآن الجمعية التأسيسية، ولكنها تتجاوز المرأة ونضالها وحقوقها فى هذا الدستور، كما أنها تتعامى عن الاتفاقيات الدولية المبرمة تحت ضغط دعاوى أصولية تريد العودة بالنساء لزمن الحرملك والانقياد! وعلى اعتبار أن اللغة مفتاح القلوب والعقول تتنازع التأسيسية مع منظمات المرأة والأحزاب الليبرالية وغيرها مجرد تأنيث المفردات فى الدستور بجانب المفردات المذكرة، فخاصمت بذلك لغة الاتفاقات الدولية والدساتير الحديثة لدول التحول الديمقراطى! بالإضافة إلى تجاوزها لغة القرآن التى تنص فى كثير من المواضع على جمع المذكر والمؤنث مثل المؤمنين والمؤمنات. أتصور أن أغلبية التأسيسية تتمحور خلف إزاحة المرأة ومفردات الأنوثة إلى خلف الستار ومحادثتها من وراء حجاب فى زمن انهارت فيه الحجب فى الفضاء الإلكترونى الحديث! أتصور أيضاًً أن إبعاد وإقصاء كلمة المُواطِنة من 99٪ من المواد يتواصل مع فكرة الإرادة المستترة لبعض أعضاء الجمعية التأسيسية لعدم ترتيب الحقوق للمواطنين على أساس الانتماء للوطن فقط وبشكل مطلق، ودون أى محددات أخرى، ولقد جاءت المادة 68 وتممت هذا الترصد بالنص على التزام الدولة باتخاذ كافة التدابير لمساواة المرأة والرجل فى مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات دون الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، والحقيقة أن هنا تكمن مشكلة كبرى برغم وجود هذه المادة بالنص من قبل فى دستور 71، وهى أن ذكر أحكام الشريعة تقيد ما تم ذكره فى المادة الثانية من أن مبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، ومن الغريب واللافت أيضاًً اطمئنان الجمعية التأسيسية على كل الدستور فى ظل المادة 2 وبلا حرج، إلا أنها عند حقوق المرأة ترصدتها بالمادة 68 وأحكام الشريعة! فى الحقيقة لا نرغب بالتأكيد فى الإخلال بحقوق المواريث أو بالأحكام الشرعية الخاصة بالعلاقات الشخصية، ولكننا نبحث عن اجتهاد الفقهاء فى ظل التطور الحديث عن حقوق السفر ومسألة الصحبة الآمنة، وفى ظل تطور المجتمعات السياسية نبحث عن حق المرأة فى تولى المناصب العامة والقيادية، وفى النظر عموماً للمرأة كإنسان حر كامل الأهلية يتم تضمينها فى الحياة العامة دون محاذير تضع سياجا حول تقدمها وتطورها. دستور الثورة لا بد أن يكون مؤنثاً كما هو مذكر، وأن تكون حدوده هى الإنسانية دون النظر لجنس، وآفاقه الاجتهاد والأخلاق والأعراف والحريات الوجودية غير منقوصة.