"إنني لا أجد نفسي حقيقة إلا في صحبة الفنانين"، عبارة بالغة الدلالة قالها الرئيس الراحل أنور السادات، عندما كان رئيسًا لتحرير جريدة "الجمهورية"، الناطقة باسم مجلس الثورة، وتحديدًا في العدد 705 بتاريخ 28 نوفمبر 1955. كان السادات يبلغ من العمر 13 عامًا حين ظهر أول فيلم مصري ناطق عام 1932 "أولاد الذوات"، الذي قام ببطولته يوسف وهبي وسراج منير وأمينة رزق وإخراج محمد كريم، وتأثر السادات على ما يبدو بهذا الفن الجديد، حيث بادر بمحاولة أن يكون ممثلًا في ريعان شبابه، ووفق مقالة السادات في نفس العدد، فإنه تقدم لمسابقة لاكتشاف الوجوه الجديدة أعلنت عنها الممثلة "عزيزة أمير"، وأرسل السادات سيرته الذاتية لها بخطاب نُشر في مجلة "الفصول" عدد أول مايو 1935 (قوامي نحيل.. جسمي ممشوق.. إنني لست أبيض اللون.. ولكنني أيضًا لست أسود.. إن وجهي أسمر ولكنها سمرة مشربة بالحمرة). يقول أنور السادات، عن الفنان الذي بداخله وقت أن كان رئيسًا لتحرير جريدة الجمهورية عقب طرده من الجيش، إنه كان عليه أن يمثل ولكن ليس أمام الكاميرا إنما في مسرح الحياة، وحسب نص المقالة (مثَّلت دور سائق لوري وجلست مع السواقين في ندواتهم وأدخن مثلهم سجائر الهوليوود، وأضحك كما يضحكون وأتحدث كما يحبون، مثَّلت دور الشيال وأعمل المكياج اللازم فكنت وأنا سائق ارتدي جاكتة وبنطلون وطاقية صوف ذات ركنين، وكنت وأنا شيال أرتدي عفريتة، ومثَّلت دور مقاول من الحوامدية، وكنت ما إن انتهي من عملي حتى أعود لشقتي أغتسل وأصلي ثم أذهب للقهوة مرتديًا جلبابًا بلديًا فوق قفطان ومعممًا بشال وأدخن السيجارة الهوليوود وأحتسي الشاي والحلبة). وعرَّف السادات هذا التمثيل الواقعي بمتعة الحياة، وفي كتابه (30 شهرًا في السجن) إنه وفي أثناء حرب فلسطين عام 1948 كان منهمكًا بمشروع من المشروعات المحببة لقلبه، كان المشروع هو تمثيل رواية داخل السجن كان فيها الممثلون والمتفرجون هم المسجونون، وأخذ السادات لنفسه دور "هارون الرشيد". يقول أنور السادات نصيًا في صفحة 45 من كتابه (30 شهرًا بالسجن): تبدأ السهرة بأن يشير الخليفة (أنور السادات) للقهرمانة أن تدير العزف والغناء فيرتفع صوتها هي وفتيات الكؤوس. بالذي أسكر من خمر اللما.. كل مسجون أسيف وحبا فيطرب الخليفة ويطرب الحضور، ويشير الخليفة للقهرمانة أن تغني أحدث أغاني الموصلي قائلًا: أطربينا يا قهرمانة وابعثي في الجو أشهى الألحان ولتغني القِيان ويحرق البخور في أرجاء المكان. فتنحني القهرمانة أدبًا وخضوعًا وتغني: جانا الخليفة جانا.. والسعد أهو ويانا في مجلسه حيانا.. وبخمرته سقانا فيطرب الخليفة ويندفع للغناء معها: أنا جيت لكم والله يا ولاد.. أنا أحبكم أوي أوي يا ولاد أنا جيت لكم أنا جيت.. ده الاتهام لخبيط ولم يتوقف الإسهام التمثيلي للسادات في "مسرح السجن" بل ساهم في تدشين إذاعة السجن وأخذ لنفسه فقرتين. الساعة 6: حديث الأطفال للمربي الفاضل "بابا أنور". الساعة 11: أغنية حديثة للمجعراتي المتسول محمد أنور السادات (نص حرفي للسادات بكتابه 30 يومًا في السجن صفحة 57). وبعد أن عرض عليه جمال عبدالناصر منصب الأمين العام للمؤتمر الإسلامي، وجدها السادات - وفق تعبير هيكل - فرصة لإظهار مواهبه، حيث كان ضمن أجندة المؤتمر إنتاج أفلام سينمائية عن الإسلام، وهو ما سيمهِّد له طريق للدخول لعالم الفنانين، واستطاع المؤتمر الإسلامي، بقيادة السادات، فرض أفلام على بعض المنتجين تتناول القصص الإسلامية. وحين أصبح السادات رئيسًا لم ينسَ الفنانين بل جمع حوله مجموعة من الممثلين وكان منهم صلاح منصور، الذي أمر بعلاج ابنه على نفقة الدولة كما استقبل فناني هوليوود مثل إليزابيث تايلور، في استراحته بالإسماعيلية بعد أن أمر بنقل "تايلور" إليه من القاهرة عبر طائرة مصرية، وذلك عندما كانت تزور مصر، ويعتبر السادات هو أول من قرر تدشين عيد للفن المصري عام 1976، وكرَّم السادات بنفسه فناني مصر مثل محمود المليجي وزينات صدقي والكثير.