انفض الجمع، سار كلّ إلى طريقه، الإعلامى إلى شاشته يسب ويلعن أم الإرهاب، والجندى إلى وحدته ينتظر دوره فى طابور أعد خصيصاً لمن هم فى مثل ظرفه، والمواطن إلى حياته الطبيعية التى لا تخلو من لعب ولهو ومباريات وأفلام جنس ومن آن إلى آخر دمعة حزينة مع دعاء غاضب «حسبى الله ونعم الوكيل»، والمسئول إلى مكتبه، حيث تكييفه وسكرتيرته ونوابه وتصريحاته واجتماعاته وقراراته التى لا بد أن تراعى حالة الغضب المجتمعى، ولا بد أن تتواءم مع الظرف الحالى، فلا مانع إذن من تعديل قانونى يبيح للقضاء العسكرى نظر قضايا الإرهاب والفصل فيها، لسرعة التقاضى وردع الإرهابيين. من جانبى فعلت مثلهم جميعاً، سببت الإرهاب كما الإعلامى، عددت كم شهيداً منتظراً فى أسرتى إذا ما لبى أبناء الخال والعم جميعاً نداء الوطن بأداء الخدمة العسكرية، ومارست حياتى الطبيعية، شربت قهوتى وتبادلت نميمتى مع صديقاتى، لا مانع هنا من زفرة غضب، ثم عدت إلى مكتبى المكيّف بالطبع كما المسئول، أكتب هذه الكلمات لأدين هذا وألوم هذا دون أن يتسنى لى إصدار قرارات، فليس للصحافة هنا من دور سوى «النصح والإرشاد». بداية لا أمانع أن يمثل كل إرهابى نفّذ أو حرّض على أى جرم يستهدف الاستقرار المنشود لهذا البلد أمام القضاء العسكرى، لا أمانع أحكامه إذا ما وصلت إلى الإعدام، حينها ستصل سعادتى إلى منتهاها أن مجرماً لقى عقوبة جرمه، وأن قضاءً مصرياً برّد نيران أكلت صدور أسر شهداء فقدوا العزيز والغالى دون جريرة منهم، هذه البداية المنطقية تتوافق مع قناعاتى وثوابتى، التى زادها حادث سيناء الأخير، لكن لا بد هنا من استدراك يفرضه المنطق أيضاً، ألم يكن أولى بالحكومة ومجلسها الحربى الذى انعقد ساعات طويلة، وترأسه الرئيس السيسى أن يكون أول هذه القرارات هو محاكمة عسكرية فورية لكل الأجهزة المعنية فى الدولة، من التى ثبت بالتحقيق تهاونها فى أداء دورها، من مجرد تقديم المعلومة وإتاحتها أمام الأجهزة، وصولاً إلى تأمين الكمائن الثابتة فى منطقة أطلقت قبل ما يقرب من عام ونصف العام طبول الحرب على الإرهاب؟ ألم يكن مسئولو التأمين كمثال، أولى بالمحاكمة العسكرية؟ حتما لن تصل العقوبة إلى الإعدام كالتى تنتظر قادة الإرهاب ومنفذيه، لن يزد الأمر عن عزل من الوظيفة وتجريد من الرتب، لكنه سيعكس أن الدولة حاضرة، فى محاسبة المقصرين قبل المخربين، فى محاصرة الإهمال الذى يقتل دون ثمن، وفى تجفيف منابع الإرهاب.. حتماً ستجف منابع الإرهاب فى مصر إذا ما حاصرت الدولة إمبراطورية ميم «المتآمر.. المهمل.. الممول». فى مصر لم نعتد محاسبة المجنى عليه، حتى لو شارك فى الجريمة التى راح ضحيتها، نكفيه من جرمه أنه يدفع ثمنه، لكن ليس هكذا تبنى الدول أو تقوم الحضارات، فالمقصر أخطر ما يكون على الدولة من المخرب، وعليه، أنتظر وغيرى ملايين، أن يلفظ الرئيس السيسى كل مهمل ومقصر من دولته، مهما كان موقعه، سيتخلص منه قبل أن يتخلص منا، إما بتقصيره وإهماله، وإما باستفادة المخرب -وهم كثر- من هذا التقصير والإهمال. ملحوظة بره السياق: إلى دراويش علاء عبدالفتاح ونضاله وثوريته «آن لكم أن تنزعوا عنه رداءه الأخضر، أن تعيدوه صورته الأولى، فقد سقط الدرويش فى وحل أفكاره».