الثقة فى الحكومة أحد الأصول الاقتصادية التى تدر عائداً على الخزانة العامة للدولة. فى الحالة المصرية يمكن أن تدر هذه الثقة المفقودة نحو 400 مليار دولار! أو على الأقل هذا ما توصل إليه الاقتصادى المثير للجدل هيرنادو دوسوتو. الحكاية ببساطة أن نحو 40% من الاقتصاد المصرى بلا أوراق، فلا تعلم عنه الدولة شيئاً.الباعة الجائلون وعشرات آلاف من مصانع «بير السلم» مثال صارخ على ذلك. ثانياً 80% من مدخرات المصريين خلال الخمسين عاماً الماضية تم تجميدها فى عقارات لا يستطيع أصحابها، بسبب عدم تسجيلها رسمياً، الاقتراض بضمانها. والحل كما يراه «دوسوتو» هو تسجيل كل ممتلكات المصريين من مشروعات مهما كانت صغيرة وعقارات حتى لو كانت حجرة وصالة. هذه الخطوة تعود بالنفع على الجميع: تحصل الحكومة على ضرائب ويتمكن المواطن وأصحاب المشروعات الصغيرة من تقنين أوضاعهم، ما يتيح لهم الحصول على قروض وتكبير أعمالهم. هذا لم يحدث فى الماضى بسبب 13 عائقاً، رصدها «دوسوتو»، منها أن عملية الترخيص تستغرق نحو 189 يوماً و86 إجراءً ونحو 8 آلاف جنيه وتقديم 57 ورقة ل6 جهات حكومية تحمل المضمون نفسه! لكن الأهم من كل ذلك أن المواطن، تاريخياً، لا يثق فى الحكومة لأنها منذ عصر الولاة الأتراك تتعامل معه بمنطق الجباية فقط.هناك اقتصاديون مصريون متحمسون لأفكار «دوسوتو»، ومنهم شريف الديونى الذى يرى أن أفكار الرجل وخبراته فى بلده (بيرو) وخارجه، مهمة جداً لتطوير اقتصادنا، لكن «الديونى»، مثل «دوسوتو»، يحذر الرئيس السيسى من أن يبدأ إصلاح هذا الخلل بفرض ضرائب على المواطنين.البداية يجب أن تكون بمساعدة كل العاملين فى «الاقتصاد الأسود»، وذلك بمنع الشرطة من إذلالهم وموظفى الدولة من ابتزازهم، أى تقديم السبت أولاً. وهناك اقتصاديون مصريون لا يأخذون كلام «دوسوتو»، الذى التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى 3 مرات منذ ثورة 30 يونيو ومن المخطط أن يلتقيه للمرة الرابعة الشهر المقبل، على محمل الجد، ويقولون إن لديهم أفكاراً أفضل، لكن زمّار الحى لا يطرب. وعلى سبيل المثال ترى الدكتورة علياء المهدى أن أرقام الرجل الذى وصفته ب«الأفّاق» مضروبة واستنتاجاته غير دقيقة، والأهم أن بعض مقترحاته لا تناسبنا، فالبنوك مثلاً لن تقبل منح قروض فى مقابل رهن عقارى لأنها تدرك أنها لن تستطيع إخراج أحد من منزله إذا تعثر. ما لا يختلف عليه الاقتصاديون من مؤيد ومعارض هو أن الثقة فى الحكومة هى مربط الفرس. لكن المشكلة أن رصيد الحكومة -ولا مؤاخذة- لا يسمح.. ورصيد «السيسى» يسمح. والآن إما أن ينجح الرئيس فى أن يضمن الحكومة عند المواطن أو تنجح الحكومة فى استنفاد رصيد الرئيس ويظل الوضع «محلك سر».