هو بالفعل كذلك: محمود سعد «الذى كان صديقى» أطيب كثيراً من أن يكون «خائناً»، وأخوف كثيراً من أن يكون «إرهابياً»، لكنه نوع ثالث من الإخوان يختلط فيه التعاطف مع النحنحة مع المصلحة، مع الخوف المبالغ فيه من إرهاب وبلطجة أطفال الشوارع الذين يسمون أنفسهم «ثواراً».. والحق أن محمود سعد ليس الكائن «المتلفز» الوحيد الذى يعانى من عقدة الخوف من بلطجية 25 يناير، فكل المذيعين الذين كبروا وسمنوا و«ربربوا» فى عهد مبارك -سواء من عملوا فى تليفزيون الدولة أو فى المحطات الخاصة أو فى كليهما- يتعاملون مع هؤلاء البلطجية بانسحاق «وتدنى»، لأن «بطحة مبارك» واضحة وبارزة على جباههم كعلامة السجود. وبما أن تحالف البلطجة المنبثق من كارثة 25 يناير، قد اتسع ليضم ثواراً وإخواناً وليبراليين، وبما أن هذا التحالف تجمعه قواسم مشتركة، مثل معاداة الشرطة والهتاف ضد الجيش و«الشحتفة» على دماء إرهابيى رابعة والنهضة.. فإن محمود سعد ومَن على شاكلته يمثلون فى تقديرى نوعاً ثالثاً من الإخوان. من الناحية الظاهرية.. تستطيع أن تقول إن محمود سعد شخص طيب وودود ودمث، و«العيبة» لا تخرج من فمه، ثم: نقطة ومن أول السطر. لكنك ما إن تدس يدك فى ملف صعوده المفاجئ حتى تكتشف أنه محاط بشبهات كثيرة، خاصة منذ «تتلفز» وتحول من مجرد صحفى فنى فى مجلة «صباح الخير» إلى مقدم برامج، وصل أجره فى التليفزيون المصرى -تليفزيون «الدولة» التى انقلب عليها وعلى تليفزيونها و«فلوس» تليفزيونها- إلى 7٫7 مليون جنيه فى السنة: هذا الرقم حدده المذيع «الثورجى» نفسه فى حوار «استتابة» بينه وبين مفجّر مؤامرة 25 يناير، الأخ «وائل غنيم» الذى تعلّم البكاء والنحنحة على صدر الثورجية اللولبية منى الشاذلى. يتساءل كثيرون الآن: ما الذى جرى لمحمود سعد منذ 25 يناير؟.. «عايز إيه ومع مين»؟. ولماذا يروح ويجىء فى الجملة الواحدة كبندول الساعة؟ وبعض المتسائلين مع الأسف من جمهور الغلابة، الجمهور الذى كان ينتظره بالمئات أمام مبنى ماسبيرو عندما كان يقدم برنامج «البيت بيتك» مع مذيعين آخرين، هؤلاء لا يدركون أنهم كانوا بالكاد «حتة خشبة» فى سلم صعود المذيع الثورجى نحو أفق النجومية، ولا يدركون أن هذا «الصعود» مصنوع ومفبرك، وأن ثمة روايات عن أنه تم «بفعل فاعل»، إحداها أن للمذيع الثورجى قريبة من الدرجة الأولى كانت تعمل «وصيفة» لشقيقة رجل الأعمال السعودى «وليد البراهيم»، مؤسس وصاحب قنوات mbc ومجلة «لها». وقد بدأت ثمار هذه «الوصافة» بإسناد مكتب المجلة فى القاهرة لمحمود سعد، ثم امتدت إلى mbc نفسها، فقدم فيها عدداً من البرامج مثل «على ورق»، و«حلو وكداب»، و«من عشرة»، و«مباشر على mbc»، و«اقلب الصفحة» و«اليوم السابع» و«التجربة»، وبفضل هذه البرامج دخل المذيع الثورجى بورصة «أصحاب الملايين»، وانفتحت أمامه كل أبواب المجد، وعلى هامش هذه «العكمة» شغل بعض المناصب التافهة (بحسابات ما بعد الصعود) مثل رئاسة تحرير مجلة «الكواكب»، وقبلها كان مديراً لمكتب «الوطن» الكويتية فى القاهرة، وبعد فاجعة 25 يناير عمل فى قناة «التحرير»، ثم تولى رئاسة قناة «أزهرى» الفضائية، لكن «البيت بيتك» وسط كل هذه «العكم» و«اللقم».. يظل خرزة العقد و«أم السبابيب». انضم محمود سعد إلى فريق عمل «البيت بيتك» عام 2005، وقدم من خلاله العديد من الفقرات الثابتة والمتنوعة، وبدا لجمهور البرنامج أنه صوت «معارض» للنظام فى تليفزيون يسبّح بحمد النظام، والحقيقة أنه لا كان معارضاً ولا يحزنون.. بل عاشقاً ولهاناً -إلى حد التدنى- فى بلاط هذا النظام، وكل مفاتيحه ومغاليقه كانت فى يد الوزير «المعد» أنس الفقى، فيما كان ملف صعوده المفاجئ تحت إبط الوزير. وفى السادس والعشرين من يناير 2011، أى فى اليوم التالى لاندلاع المظاهرات، ترك محمود سعد «البيت بيتك» وانتقل إلى «مائدة» 25 يناير، وخرج على جمهوره بفرية غريبة هى رفضه وصف «الثوار الشرفاء بالبلطجية والمندسين»، ورفضه أن يكون «بوقاً للنظام السابق»، لكنه عاد إلى البرنامج، ثم تركه بفرية أخرى هى إجباره على إجراء لقاء مع رئيس الوزراء وقتها أحمد شفيق، معلناً أنه بينه وبين شفيق «دماء شهداء موقعة الجمل». وفى آخر مداخلة ل«الفقى» كشف زيف هذا المذيع الثورجى، بل فضحه، خاصة فيما يتعلق بمساعيه وضغوطه لرفع أجره من 7 إلى 9 ملايين جنيه من تليفزيون الدولة. ما لم يقله الفقى عن المذيع الذى قرصته بعوضة 25 يناير وهو نائم، فاستيقظ «ثورجياً» ومعادياً لمبارك ونظامه، أنه ذهب ليسجل حلقة لفقرته «مصر النهارده» فى برنامج «البيت بيتك» من الفيوم.. حيث كانت جمعية «محمد علاء مبارك» تقيم حفلاً: كان ذلك يوم 27 يناير 2011، وبعد أن ضغط على أنس الفقى ليفوز بهذه التغطية بدلاً من خيرى رمضان وعلى ذكر علاء مبارك فإن المذيع الثورجى أهدى زوجته «هايدى» أثناء تسجيل حلقة من أحد برامجه «بروش» باهظاً عليه علم مصر، وقال لهايدى إن هذا البروش هدية من شعب مصر!. ناهيك عن تحايله على الفقى ليتوسط له، لإجراء حوار مع الرئيس مبارك!. هناك الكثير من الوقائع التى تدين محمود سعد، ويمكن أن ترده إلى جاهليته الأولى، عندما كان محرراً فنياً «على قد حاله»، وكان سقف نجوميته أن يتورط فى شائعة بأنه على علاقة بالممثلة الشابة منة شلبى.. لكن المجال لا يسمح، ومع ذلك فقد يكون للحديث بقية.