الأوطان تنتصب بأعمدتها الثقافية والفنية، لأنها مرايا عملاقة تعكس أفكار وسلوكيات أهلها، فإذا أظلمت أفقدتها بريقها وبهاءها. دراما رمضان، هذا العام، على قدر ما قدمت من إبداعات على مستوى العناصر الفنية على قدر ما كانت كأساً من المر والعلقم حيث عمق أغلبها فكر الخرافات وعزف الجميع سيمفونية سوقية الألفاظ وكأن المجتمع أصبح لغته الرسمية الشتائم والابتذال وكأن هذا الجزء من الصورة هو كل الصورة. من يرى المجتمع المصرى من خلال دراما هذا العام يترسخ لديه أنه مجتمع عشوائى تبدلت قيمه ولغته وأصبحت الجريمة الفعل الأسهل. فهل ما قدمته دراما هذا العام وجبة مسمومة يبقى تأثيرها ممتداً؟ المدهش أن الابتذال والانحطاط يتحدث عن نفسه فى أغلب الأعمال مما يجعل الناس فى حالة فقدان أمل ترميها بشرر العنف وتصاب بجميع فيروسات اليأس، فكل شىء عدوى، ونحن كمجتمع لم نعد نمتلك المناعة التى تقينا الشرور المختلفة. هذه الأعمال بهذه الكثافة فى شهر واحد بدت وكأنها تقول: «هى دى مصر يا عالم»؟ وبالطبع ليست هذه مصر. دراما رمضان بدت وكأنها تعزف نفس النغمة بتنويعات مختلفة، وفى الفواصل يتواصل عزف الإعلانات التى تعلن أننا مجتمع يموت جوعاً ومرضاً وتصادمك إعلانات أخرى تقول مصر بلد صفوة الأثرياء، والمؤكد أن الفقر فى صورته الأولى والثراء فى أعلى تجلياته جزء من الصورة ولكن الدراما والإعلانات تضخمه وتجعله كل أجزاء الصورة. ولم تتركنا الفواصل الإعلانية نكتفى بهذا القدر من الاستفزاز، فجاءتنا إعلانات أفلام العيد باستثناء فيلم وحيد لتؤكد وترسخ الانحطاط والتردى. أفيهات رخيصة ورقص مبتذل وغناء عار، والاسم سينما، إنها جرعة كاملة من دسم النفور فى كل شىء، وكأننا مجتمع لا يفضل سوى الذوق الردىء وبالتالى يتبارى الجميع لتصديره وترويجه. هنا تسقط فكرة أن الفن وجهة نظر، فالرداءة ليست فناً والابتذال ليس إبداعاً، ولا تهينوا الحرية، فالفن قاطرة يقود المجتمع للرقى ويعمق قيم الجمال والتحضر والعلاقات السوية. لا بد أن تكون هناك جهة ما فى الدولة تتولى مسئولية فتح حوار مع أساتذة الاجتماع والطب النفسى والمبدعين فى كل المجالات وأصحاب العقول المستنيرة بحيث لا يكون الإعلام والدراما أسلحة دمار شامل ولا يكون أيضاً مجرد توجيه وإرشاد قومى، ولكن هناك خيط رفيع لا بد أن ندركه وأن نقدم إبداعاً راقياً بعيداً عن الانحطاط حتى لا يسبح الفن فى مياه عطنة، لأن هذا الفن لا يقدم للمجتمع سوى العفونة.