لم يعد أمام الحكومة وهى تواجه مشكلات وأزمات مزمنة سوى التعامل بأقصى درجات الشفافية والمصارحة مع الرأى العام، وأن تتجاهل أحاديث المشاعر والوجدان وتنتقل إلى حديث الأرقام والأزمنة والإنجازات. مشكلة المشاكل لأى حكومة مصرية أن الرأى العام اعتاد عدم تصديقها، حتى لو كانت صادقة، وهى ثقافة مجتمعية لها جذورها التاريخية، وأسبابها المتكررة التى عاشها المصريون حقباً وعهوداً طويلة، ولم لا والمصرى هو أول من اخترع مهنة المصرى الفصيح كاتب الشكاوى للفرعون من ظلم معاونيه (الحكومة أيامها). الآن الحكومة تواجه مأزقاً تاريخياً اسمه إلغاء دعم الطاقة تدريجياً، أو على مراحل خلال عام أو عدة أعوام، القصد أنه لا بديل عن إلغاء الدعم عن المنتجات البترولية، وهو من القرارات الاستراتيجية الكفيلة إما بإسقاط أى نظام أو نجاحه فى إعادة تنظيم صفوف اقتصاديات بلاده. مشكلة هذا النوع من القرارات أنه يضرب على مختلف الأصعدة، خصوصاً الطبقة الوسطى التى ستتأثر بنود ميزانياتها فى الإنفاق، والفقراء الذين سيعجزون عن مواجهة ارتفاعات الأسعار المتتالية جراء تحرك أسعار المنتجات البترولية. ولا مجال هنا لأحاديث من نوعية علاقة رفع أسعار البنزين بارتفاع أسعار السلع الغذائية، فالمنتجات البترولية كالدائرة التى تشتعل بصورة تلقائية إذا ما اشتعلت النار فى أى أطرافها، والقصد هنا أن سلة السلع قابلة كلها لارتفاع أسعارها إذا ما تحركت أسعار منتجات البترول، فما بالك لو انضمت لها أسعار الطاقة المغذية للمصانع، وأسعار طاقة المنازل. الحقيقة أن المكاشفة المطلوبة من الحكومة تتجاوز فكرة الإعلان المبكر عن القرارات المنتظرة إلى مكاشفة الناس بحقيقة الأوضاع دون تزيين أو تجميل، وتوضيح تداعيات الأوضاع القائمة وتأثيرها على مستقبل الاقتصاد الوطنى، وحصيلة ما سيتم توفيره من الإجراءات الجديدة. ولكن قبل كل ذلك فالحكومة مطالبة بأن تعلن ودون أى لبس حصيلة ما سينتج عن تحريك الأسعار وأوجه إنفاق هذه الحصيلة، والمشروعات التى ستدخل حيز التنفيذ، واسم كل مشروع وحجم ميزانيته والجهة المسئولة عنه والجدول الزمنى المحدد للمشروع، حتى يثق الناس فى استفادتهم من عائد ارتفاعات الأسعار. الخطوة الثانية المطلوبة من الحكومة أن تعمل وبكل جدية وإصرار على إبراز دور ومهام منظمات حماية المستهلك، فمن دونها لن تتمكن من مواجهة ألاعيب التجار وبعض قطاعات المنتجين الساعين للتربح والتلاعب بالسوق، لتحقيق مكاسب غير قانونية، ولن تتمكن الحكومة فى غياب دور هذه المنظمات من مواجهة قطاعات من رجال الأعمال. الحقيقة أن أى مجتمع يتكون من مثلث متكامل الجوانب، أول أضلاعه الحكومة وثانيها رجال الأعمال والمنتجون وثالثها جماعات حماية المستهلكين، وغياب أى طرف من الأطراف الثلاثة يؤدى لاختلال المعادلة، ومن دون أى طرف سيكتب الفشل لأى محاولة مهما طال الزمن. يا حكومة، ادرسى الموقف جيداً، وادرسى تجربة من المنتج للمستهلك، لعل وعسى.