تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا حول حكم منع تعدد الزوجات والطلاق إلا بعد موافقة القاضي. وأجابت الدار، أن "تعدد الزوجات وإيقاع الطلاق هما أمران جعلهما الشرع الشريف للرجال أصالة، واشتراط موافقة القضاء فيهما مخالف لهذا الأصل، كما أن القضاء لا يرجع إليه في العقود ابتداء، وإنما يرجع إليه عند الضرر أو النزاع في الآثار المترتبة عليها". وأضافت: "من المقرر شرعا أن الإسلام أباح للمسلم التزوج بأكثر من واحدة، وجعل الحد الأقصى للجمع بين الزوجات أربعا، وهذا كله محل إجماع، وقد قيد الإسلام هذه الإباحة بالقدرة على الإنفاق والعدل بينهن فيما يستطيع الإنسان العدل فيه حسب طاقته البشرية، وذلك في المأكل والملبس والمشرب والمسكن والمبيت والنفقة، فمن علم من نفسه عدم القدرة على أداء هذه الحقوق بالعدل والسوية، فإنه يكون آثما ومرتكبا لذنب إذا تزوج بأخرى، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل، أو ساقط». وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 25 لسنة 1929م والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985م على أنه: [يجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالها ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها، فإذا عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة]، وهذا القانون مأخوذ من آراء فقهاء الشريعة الإسلامية ومعمول به في جمهورية مصر العربية. فمن الأسباب التي ترخص للزوجة شرعا وقانونا طلب تطليقها من زوجها أمام القاضي إذا رفض الزوج طلاقها اقترانه بغيرها إذا ترتب عليه ضرر تستحيل معه العشرة بين أمثالها. وعليه: فإنه يجوز تطليق المرأة من زوجها الذي تزوج عليها إذا وقع عليها ضرر بسبب هذا الزواج، وعليها أن تثبت الضرر الواقع عليها بكافة طرق الإثبات. هذا كله من جهة الآثار المترتبة على تعدد الزوجات من جهة، ورغبة المرأة في الطلاق عند رفض الزوج إيقاع الطلاق من جهة أخرى. وأما تدخل القضاء بمنع تعدد الزوجات والطلاق من غير موافقة الزوج فهو على خلاف الأصل الذي جرى عليه عمل المسلمين، من أن حل عقدة النكاح بيد الرجل كما هو الحال في إبرامها؛ لأن التعدد مباح للرجال بإباحة الشرع؛ لقوله تعالى: ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع﴾، كما أن الطلاق في الأصل هو حق الزوج؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أيها الناس، ما بال أحدكم يزوج عبده أمته، ثم يريد أن يفرق بينهما، إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» أخرجه ابن ماجه في "سننه"، والبيهقي في "السنن الكبرى" عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظ البيهقي: «ألا إنما يملك الطلاق من يأخذ بالساق»، فالتعدد والطلاق راجعان إلى تقدير الرجل ونظره ولا سلطة عليه في ذلك إلا من الشرع والوازع الديني، والأصل عدم جواز سلبه ذلك. غير أن بعض العلماء -ومنهم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية الأسبق في بعض دروسه وتقريراته ومجالسه- قد دعوا إلى التفكير في تقنين ذلك في القرن الماضي؛ معللين ذلك بأنه من باب السياسة الشرعية؛ حين يشيع بين الأزواج تضييع حقوق الزوجات والأولاد، فيكون اشتراط إذن القضاء في التعدد والطلاق حينئذ من باب تقييد المباح الذي ألجأت إليه ضرورة حفظ الحقوق والحفاظ على الأسر؛ كما قال الإمام مالك رحمه الله: يحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور، ويروى ذلك أيضا عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله؛ كما في "المنتقى شرح الموطأ" للإمام الباجي (6/ 46، 140، ط. مطبعة السعادة). وقد قدم هذا الرأي كمقترح يتضمن تقييد تعدد الزواج قضائيا بقيدي العدل والقدرة على الإنفاق، وكان ذلك في اللجنة التي ألفت سنة 1926م، ولكن بعد الفحص والتمحيص والمجاوبات المختلفة بين رجال الفقه ورجال الشورى رأى أولياء الأمر العدول عن ذلك، وجاء المرسوم بقانون رقم 52 لسنة 1929م خاليا منه، كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه في الأحوال الشخصية. وبناء على ذلك: فإن تعدد الزوجات والطلاق هما أمران جعلهما الشرع الشريف للرجال أصالة، وأناط بهم الأخذ في ذلك بما يرونه محققا للمصلحة التي يقدرونها بأنفسهم، واشتراط موافقة القضاء عليهما أو على واحد منهما هو على خلاف الأصل؛ لأن فيه نقلا للتكاليف الدينية المتعلقة بين العبد وربه إلى مجال التطبيق القضائي، والعقود إنما يرجع إلى القضاء فيها عند حصول النزاع في الآثار المترتبة عليها، لا عند عقدها ابتداء".