لا أظن أن هناك شخصاً كان مشهوراً ومجهولاً فى ذات الوقت مثل «مصطفى مشهور»، فقد كان هذا الرجل مشهوراً لدى أفراد جماعة الإخوان، ولدى أبناء الحركة الإسلامية، ولدى النخب السياسية، إلا أنه كان مجهولاً للرأى العام! لا يعرفه أحد من عوام الناس، ولم ينتبه له أحد من عموم المتدينين، رغم أنه كان دائماً من الشخصيات القيادية فى جماعة الإخوان التى كانت تقدم نفسها للأمة على أنها جماعة دينية، وهذا وربى من أعجب الأشياء، ووجه الغرابة أن تلك الجماعة التى زعمت أنها دينية كان من المفترض أن يكون قادتها من رجال الدعوة الذين يتفاعلون مع الجماهير ويؤثرون فيهم، أليست تنادى بوجوب تطبيق الشريعة؟! ألا ترفع شعار الإسلام هو الحل؟! ألم تجعل من عودة الخلافة فريضة دينية لا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن بفرضيتها؟ بل إنهم يُكفّرون من لا يؤمن بها! فكيف بالله عليكم يكون كبيرهم مجهولاً من الناس؟! وكيف به لم يرتقِ منبراً ولم يقف خطيباً ولم يسبق أن ضبطه أحد متلبساً بإلقاء درس فى أى علم من علوم الدين؟! ذاك هو المرشد الإخوانى الأسبق مصطفى مشهور المتوفى عام 2002 والمجهول ليس لعموم الناس فقط ولكن أيضاً للنخب السياسية والثقافية، فتلك النخب كانت تسمع عنه، وتظن أنه من رجال الدعوة الوسطية المعتدلة، ولم لا؟ أليس هو أحد القادة الكبار للإخوان التى ظنوها وسطية ثم أصبح فيما بعد مرشداً لهم؟ ولكن تلك النخب فى ذات الوقت كانت تجهل حقيقة هذا الرجل ومنطلقاته العقائدية، وكيف أنه واحد من أكبر التكفيريين فى العصر الحديث، وأن كل أدواته هى قدراته التنظيمة، وأنه واحد من أبرز رجال النظام الخاص الذين مارسوا الاغتيالات فى فترة الأربعينات، بل إنه كان متهماً لدى الإخوان فى قتل الإخوانى سيد فايز، إذ بعد أن تم اغتيال سيد فايز عام 1953 أصدر مرشد الجماعة آنذاك حسن الهضيبى قراراً بفصل مشهور ومعه مجموعة من رجال النظام الخاص! أما من هو مصطفى مشهور الحقيقى، وما هو تأثيره على جماعته، فلك أن تعرف أنه كان الخبير المختفى الذى لا يراه أحد والذى يعمل بمبدأ «اعمل فى الخفاء حتى لا يراك خصمك». كان «مشهور» يؤمن بالعمل التنظيمى المحكم ويجيد التحكم فى دهاليزه وخفاياه وكهوفه وأقسامه، ومن خلال خبراته التنظيمية التى تنقّل فيها داخل أروقة النظام الخاص الذى أنشأه البنا، مروراً بالقطبية التحتية. أدرك مشهور أن الجزء المختفى من جبل الجليد على ضخامته هو الذى يحمل الجزء الظاهر من الجبل على ضآلته، لذلك كان مصطفى مشهور هو المعبود الإخوانى «أطلس» الذى يحمل قبة السماء الإخوانية على كتفيه، ورغم ضحالة أفكار مصطفى مشهور وسطحية ثقافته، أو بالأحرى انعدامها، فقد كان صاحب التأثير الأكبر فى الجماعة بعد حسن البنا وسيد قطب، وقد يطول بى المقام إذا تركت نفسى مع ذكرياتى عن هذا الرجل، ولكننى سأكتفى اليوم بالوقوف معكم عند بعض قصصه إلى أن نصل لأفكاره وتكفيره. كنت أستمع لهذا الرجل فى كثير من اللقاءات الإخوانية، وكانت الدهشة تعترينى عندما ينتهى اللقاء فأجد الإخوة الحاضرين وهم يبدون فيما بينهم الإعجاب بما قاله، رغم أن الكل كان يدرك أن الرجل، على كثرة حديثه، لم يقل شيئاً! وعندما كان ينطلق لسان أحدهم مفضفضاً أمام أخيه أنه لم يفهم شيئاً مما قاله الشيخ، فسرعان ما تكون الوشاية، وبأسرع منها يكون التحقيق ثم الإيقاف أو الفصل. لم يكن لدى مشهور حين يتكلم مع أعضاء الجماعة إلا عبارة واحدة محفوظة يكررها بصيغ مختلفة وبطرائق عدة، هى أن الأخ منكم مثل قالب الطوب، إذا دخل الفرن أى السجن من الممكن أن يخرج أكثر صلابة، ومن الممكن أن يتهشم، وأنا أريد من كل واحد منكم أن يصبح مثل قالب الطوب الأحمر الصلب، وقد أصبحت هذه الحكاية متحكمة فى مصطفى مشهور لدرجة أنه وقف خطيباً فى أواخر أيامه عام 2002 فى أحد الفنادق الكبيرة فى حفل كانت القوى السياسية قد أعدته لتكريم المهندس إبراهيم شكرى، رئيس ومؤسس حزب العمل، فإذا بمشهور يقول للجمع الذى كان فى قاعة حفل التكريم: «أريد أن يكون كل واحد منكم مثل قالب الطوب الأحمر الصلب، يدخل إلى الفرن فيخرج منه أكثر صلابة»، وهنا تقدم له مأمون الهضيبى، نائبه وقتها، ليسحبه من المنصة قائلاً: معذرة سننصرف الآن لأن موعد نوم فضيلة المرشد قد حان. كنت ساعتئذ أجلس فى القاعة، وكان بجوارى الأستاذ محمد عثمان نقيب المحامين بالقاهرة حالياً والذى كان من أقرب المقربين للمهندس إبراهيم شكرى، وقريباً منى كان المهندس أبوالعلا ماضى، والأستاذ عاطف عواد، القيادى حالياً بحزب الوسط، ولن أحدثكم عن كم السخرية التى نالها مصطفى مشهور من الجالسين، حتى إن المهندس أبوالعلا ماضى قال: الإخوان يرتكبون جريمة فى حق أنفسهم بالسماح لهذا الرجل بالظهور فى مثل هذه اللقاءات! ومع سطحية هذا الرجل فإنه كان صنماً من أصنام الجماعة، وأحد الأقانيم الثلاثة التى قدستها الجماعة مع حسن البنا وسيد قطب، حتى إن جيلى ممن كانوا معى فى الإخوان يعرفون أن الرئيس الراحل أنور السادات كان قد التقى مع الأستاذ عمر التلمسانى وقال له: سأوافق على أن أعطى لكم رخصة العمل كجمعية ولكن بشرط أن تغيروا اسم الجماعة، وأن تُبعدوا من الجمعية مصطفى مشهور، وعندما طرح عمر التلمسانى هذا العرض على مكتب الإرشاد رفضوه بالإجماع، إذ كيف يفكر أحدهم أن تكون هناك جمعية للإخوان بغير مصطفى مشهور؟!