انطلقت التظاهرات في العراق، منذ مطلع الشهر الماضي، ويصادف، اليوم، مرور شهر على خروج العراقيين احتجاجا على الفساد والبطالة وتدهور الخدمات العامة والمطالبة بإسقاط النظام الحالي. ولم تكن تظاهرات أكتوبر 2019، الأولى من نوعها ضد الفساد في العراق، فقد شهدت مدينة البصرة جنوبي البلاد خلال صيف 2018، مظاهرات مشابهة نددت بسوء الخدمات العامة والفساد، وطالبت بفرص عمل وإصلاحات في أجهزة الحكومة، ومنذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، والتظاهرات الشعبية ضد الحكومة لا تتوقف. فرغم غنى البلد بالثروات، لا يستطيع كثير من العراقيين المعيشة بحياة كريمة، وقد احتل المرتبة الثانية عشر في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم، حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية. مسيرة فساد العراق اختلست مليارات الدولارات، إذ تفيد التقارير أنه، ومنذ عام 2003، خسرت البلاد جراء عمليات الفساد نحو 450 مليار دولار. أما البطالة فقد بلغت مستويات متفاقمة، وقدرها الجهاز المركزي للإحصاء في بغداد هذا العام بنحو 23 بالمئة، في حين أعلن صندوق النقد الدولي منتصف العام الماضي أن معدل بطالة الشباب قد بلغ أكثر من 40 بالمئة. وبحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية فإن الموارد النفطية للعراق تشكل 89 بالمئة من ميزانيته، وتمثل 99 بالمئة من صادراته، لكنها تؤمن 1 بالمئة فقط من الوظائف في العمالة الوطنية. ورغم أن حجم احتياطيات النفط في العراق يصل إلى نحو 112 مليار برميل، فإن الفقر يطارد نحو ربع العراقيين، إذ تزيد نسبته عن 22 بالمئة، ويصل في بعض محافظات الجنوب إلى أكثر من 31 بالمئة. وقد خلقت النفقات المتضخمة أكبر عجز في الموازنة، إذ بلغت هذا العام 23 مليار دولار، ويتوقع أن تزيد عن 30 مليار دولار بحلول عام 2020، بحسب اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي. ويعاني الاقتصاد العراقي مشكلات أخرى كثيرة، كانعدام الصناعة، وانهيار البنية التحتية، وضعف أداء القطاع الزراعي، والتجاري، وتفاقم المشكلات الأمنية وضعف قطاع القانون. ووفق تقرير مطول لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى نشر قبل أشهر، فقد قدرت إحدى الدراسات العراقية أن الفساد المالي يستنزف نحو 25 بالمئة من المال العام. وقبل نحو عام، تناولت وسائل الإعلام العراقية حوالي 800 ملف من الفساد، قيد التحقيق. وتتفق المصادر الدولية على أن سجل الفساد في العراق قد ازداد سوءا في العقود الماضية، إذ صنفت منظمة "الشفافية الدولية" العراق في المرتبة 117 من أصل 133 دولة عام 2003، قبل أن يتقهقر لاحقا إلى المرتبة 169 من بين 180 دولة. ويتمتع نظام المحاصصة في العراق، وفق تقرير معهد واشنطن، بخصائص سياسية واقتصادية وقانونية تعزز بشكل منهجي الفساد وتقويه. فمن الناحية السياسية، تسمح المحاصصة بسهولة الوصول إلى الحكومة، إلى جانب تخصيص الوظائف لأشخاص من مناصري الأحزاب السياسية في السلطة. وتحولت ساحة التحرير في بغداد إلى مركز للحراك المطالب ب"إسقاط النظام". وهناك أمطرت القوات الأمنية المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع. وتعهد الرئيس العراقي برهم صالح، إجراء انتخابات مبكرة بعد تشريع قانون انتخابي "جديد مقنع للشعب"، مشيرا إلى استعداد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الاستقالة شرط إيجاد البديل. وقتل أكثر من 250 شخصا في احتجاجات وأعمال عنف بالعراق منذ الأول من أكتوبر حسب حصيلة رسمية، ويسعى القادة السياسيون في العراق للتوصل إلى حل للاحتجاجات المتواصلة المطالبة بإسقاط رئيس الوزراء.