2- تكفير يرتدى القبعة هذه الفقرة جزء من وثيقة إخوانجية، عبارة عن مذكرة قدمها قيادى بالجماعة، يدعى محمد أكرم، عام 1991، إلى مجلس الشورى العام تحت اسم «مذكرة تفسيرية للهدف الاستراتيجى للجماعة فى أمريكا الشمالية»، والتى ضمت خطوات عديدة للتغلغل والتأثير، من بينها شراء صحف وبناء مدارس وتخريج أئمة، على منهج الجماعة، لكن ما لفت نظرى تلك الفقرة المفتاحية الكاشفة التى تبرر ما تسميه الجماعة عملية التوطين فى أمريكا لقيادات وأعضاء الجماعة. تقول الفقرة فى الصفحة السادسة من المذكرة: «عملية توطين المسلمين هى عملية جهاد حضارية، ولا بد أن يستوعب الإخوان فى أمريكا أن عملهم هناك هو نوع من أنواع الجهاد العظيم فى إزالة المدنية والحضارة الغربية، من داخلها، وتخريب وهدم بيوتها الشقية بأيديهم، وأيدى المؤمنين؛ لكى يظهر دين الله، ويتم جلاؤهم، ويظهر دين الله على الدين كله، ودون هذا المستوى من الاستيعاب فإننا دون التحدى، ولما نعد أنفسنا للجهاد بعد، فقدر المسلم أن يجاهد ويعمل، حيث كان، وحيثما حل، حتى قيام الساعة، ولا مفر من هذا القدر إلا من اختار القعود، وهل يستوى القاعدون والمجاهدون؟». النص حافل بالدلالات؛ فالخلط واضح ومتعمد بين التمكين الإخوانجى، وبين الدين، فتمكين الجماعة، بحسب النص، هو تمكين للدين، وهو نفس منطق رؤية الجماعة للعمل السياسى فى دولتها الأم، فصعودها للسلطة فى نظرهم هو صعود للدين، وابتعادها عنه، انهزام مؤقت للدين، قد تفسره كابتلاء من الله لاختبار الإيمان والصبر، وهو منطق لن يتصالح أبدا مع أبسط مبادئ الديمقراطية وهى تداول السلطة، وسلمية الخروج منها. والدلالة الثانية أن منجزات الغرب الحضارية بلا قيمة، طالما أنها غير مسخرة لملك أبناء الجماعة، وأن الهدف الأسمى هو إخراج هؤلاء (الغرب) من الجاهلية، وتخريب حضارتهم المارقة عن الدين (دين الجماعة)، وهى بذرة قطبية قديمة، كتبها سيد قطب، وآمنت بها قيادات التنظيم الحالية. الدلالة الثالثة، هى كون تماهى الإخوانجى مع غيره من شركاء المجتمع المخالفين معه فى العقيدة أو الرؤية وهم كبير، فهو لا يرى إلا عالمه، المصنوع على قالب حديدى، ويسعى لتعميمه على العالم كله. بل ويؤكد النص أن محاولات الاندماج فى المجتمعات القائمة على المهاجرين ما هى إلا خطوة تمثيلية للتمكين المنتظر، فلا انتماء للوطن الجديد، ولا التزام بشروط حمل جنسيته وأهمها الوفاء لمنجزاته، وعدم خيانته. خلطة تكفير وخيانة وتمكين، تريد جماعة البنا إجبار الشعوب على تجرعها رغما عنها، ومن يرفض فلينتظر مصيره من الفوضى. 3- قالب تصنيع الشعوب قالب الجماعة لصناعة مجتمعات موازية لم ينجح، تعمل خطوط إنتاجه طويلا وتخرج «آلاف» من المديوكر متوسطى المهارة، شديدى الانتماء للتنظيم، لكنه لم يخلق دولة، ولم يحبس داخله مجتمعا؛ لأن الشعوب سمتها المشتركة الاختلاف، وفعالية المجتمعات تتوقف على تنسيق التنوع، والأمريكى ليس على استعداد أن يضحى بمكتسباته الحضارية، ولا بنضاله الدموى من أجل إقرار نظام ديمقراطى حر، من أجل أساطير جماعة البنا، المصرى لن يضحى بوسطيته وهويته، من أجل مشروع وهمى عابر لحدوده. الشعوب من طبيعتها أنها لا تصنع على قالب، والجماعة فى المقابل، وبعد كل انتكاسة، تخرج محتويات القالب للعيان. بعد هزيمة يونيو، وفيما كان المصريون مطعونين فى كرامتهم الوطنية، ويملأهم الغضب على المشروع الناصرى، لم تتردد الجماعة فى إعلان سجودها لله شكرا لأن «الله هزم مشروع الشرك»، وهنا فى ذروة الغضب لم يتقبل المصريون سجودها، لأن الفرق واضح بين الغضب والشماتة فى هزيمة شعب. وفى ذروة نشوتها بالسلطة لم يتقبل الشعب من الجماعة تحالفها مع إرهابيين وتنسيقها الإقليمى والدولى، على حساب أمن مصر القومى. ولم يتقبل أيضاً تجارتها بالدين وإظهار أن الصراع السياسى بينها وبين خصومها معركة على بقاء العقيدة. انتفض كليا وتمرد على القالب. قالب تصنيع الشعوب من جديد.