لفتت انتباهى تصريحات د. حسن البرنس النائب السابق والقيادى الإخوانى المعروف بالإسكندرية حيث قال معلقا على النشاط الذى قام به شباب حزب الدستور فى صلوات العيد أنا أرحب بنزول حزب البرادعى بالعمل السياسى ومنشوراته أثناء صلاة العيد، حيث يعنى هذا اعترافا رسميا بصحة فهم الإخوان للعلاقة بين الدين والسياسة، وهذا إعلان رسمى بدفن مقولة لا دين فى السياسة وعلى التيار المدنى أن يتقبل العزاء فيها فى الانتخابات القادمة!! مازالت العلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة وتوظيف الدين لأغراض سياسية من أكبر المشاكل التى تواجه البيئة السياسية فى مصر، والمشكلة التى يعانى منها كثير من الإسلاميين هى الخلط وعدم الفصل بين شمولية الإسلام كمفهوم وتخصصية الممارسة، فالانطلاق من قاعدة أن الإسلام دين ودولة -على مطلقها ودون تحديد دقيق لإطار الممارسة- يبيح لهم المزج بين السياسى والدعوى والدينى والدنيوى ويرون فى ذلك كمال التعبد لله. لم يكن الإسلام دينا كهنوتيا تمارس شعائره فى غرف مغلقة أو يظل محصورا بين جدران المساجد، ولكنه عقيدة وشريعة وأخلاق تهذب الإنسان وترشده إلى طريق الهدى فى علاقته بخالقه وعلاقته بالبشر، ولكن حين يصر البعض على جعل الإسلام أيديولوجيا تنافس أيديولوجيات صنعها البشر فإنه يحصرالإسلام فى منطقة ضيقة جدا ويؤدى هذا المسلك أحيانا لابتذال الدين نفسه حين نعتبره مجرد منظومة من الأفكار المرتبطة اجتماعيا بمجموعة سياسية أو فكرية معينة تعبر عن مصالحها البشرية. الجدل الذى أثاره نشاط حزب الدستور بصلوات العيد جدل هام لوضع النقاط على الحروف، للإنصاف والموضوعية تعودنا نحن كقوى مدنية انتقاد ما يفعله الإسلاميون من توظيف سياسى لصلوات العيد وتحويل بعضها إلى ما يشبه مؤتمرات دعاية انتخابية لمرشحيهم القادمين فى الانتخابات وأكدنا مرارا رفضنا لهذه الممارسات واعتبرناها إهانة للدين نفسه، ولكن فارقا كبيرا بين ما قام به شباب حزب الدستور من مجرد توزيع بيانات تهنئة عقب الصلاة وعمل بعض الأنشطة الترفيهية للأطفال -عقب انتهاء الصلاة والخطبة- كنشاط مجتمعى استغل لحظة ومكان تجمع جماهيرى للتعريف بنفسه وبين الجانب الآخر الذى بدأ فكرة تنظيم صلوات العيد فى الخلاء منذ عقدين بهدف إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تحولت الصلوات تدريجيا إلى أدوات سياسية حيث يقوم بإلقاء الخطبة -غالبا- الرموز السياسية للجماعة الذين سيخوضون الانتخابات وقبل الصلاة تتم إذاعة بيانات تهنئة بأسماء قيادات الجماعة ورموزها المحليين فى كل منطقة بالإضافة إلى محتوى الخطبة الذى يتم تسييسه فى أغلب الحالات وكذلك البيانات والنشرات السياسية التى يتم توزيعها أثناء الصلاة وداخل أرض المصلى، لا يمكن المقارنة بين النموذجين على الإطلاق. تصريحات الدكتور البرنس تؤكد هذا الالتباس فالإخوان يعانون من مشكلة واضحة فى فهم علاقة الدين بالسياسة وحتى الآن لم يقم الإخوان بفصل السياسى عن الدعوى مثلما تطورت تجارب للإسلاميين فى دول أخرى، وكلمته الأخيرة (على التيار المدنى أن يتقبل العزاء فيها فى الانتخابات القادمة) تنطوى على خطر كبير من اعتقاده أن الممارسات السلبية التى لبست ثوب الدين فى الانتخابات الماضية -حين تحولت المنابر لأدوات حشد سياسى وانتخابى وتخوين وتشويه للمنافسين وأحيانا تكفير لبعضهم وكذلك استخدام أعمال البر وشبكاتها الاجتماعية للحشد الانتخابى- ستكون شرعية ومقبولة وحجته فى ذلك أن التيار المدنى بدأ يمارس ما يمارسه الإسلاميون وما كانوا يستنكرونه قبل ذلك. إن البيئة السياسية فى مصر لن تصبح صحية إذا استمر هذا الفهم الملتبس للعلاقة بين الدين والسياسة وإذا لم ننزه الدين عن ممارساتنا السياسية وإذا لم نحفظ للمنابر جلالها وقدسيتها فإننا نعرض المجتمع لخطر جسيم، أبعدوا معارك التنافس السياسى عن ساحات المساجد والمنابر واذهبوا للناس فى كل مكان بلغوهم فيه رسالتكم وأفكاركم وليظل الدين نقيا ساميا عن أهواء البشر.