صدر مؤخراً كتاب مهم للأستاذ «مختار نوح» بعنوان «موسوعة العنف فى الحركات الإسلامية المسلحة.. خمسون عاماً من الدم»، وهذا النوع من الكتب أقرب لكونه وثيقة مهمة نادرة لا غنى عنها لكل دارس، فالمؤلف يكتب من داخل المطبخ، ويذكر شهادته بما رآه مجرداً عن ميوله الشخصية. قضية العنف وأسبابها وسياقاتها بدت ضرورة ملحة، وأصبحنا فى حاجة ماسة لإعادة قراءة تاريخ الحركات الإسلامية مرة أخرى، وفق آليات وأسس البحث العلمى المنضبط ومراجعة المسلمات السابقة، وقد فعل هذا الأستاذ «سامح عيد» فى كتابه «رسائل التكفير فى فكر حسن البنا»، وسنعود لهذا الكتاب فى مقال منفرد. موسوعة الأستاذ «نوح» شهادة لله وللتاريخ ولضميره، وأتمنى أن يسير الدكتور ناجح إبراهيم على دربه خدمة للأجيال والأمة. لكن لماذا سماها «موسوعة» مع أنها من 535 صفحة فقط؟ لأنها اللبنة الأولى التى تليها إصدارات قادمة يتناول فيها قضايا العنف إلى ما بعد عزل «مرسى» 2013، لنجيب عن الأسئلة المشكلة: هل استطاع الإخوان لجم أفكار سيد قطب أم أن أفكاره اكتسحت أطروحة مؤسسها حسن البنا؟ وهل رؤية «البنا» لمسألة الجهاد والفرز كان لها تأثير على العنف؟ هل انتقلت مشروعية الجهاد مع الإسلام السياسى من فرض الكفاية إلى فرض العين؟ وهل انتقلت فضاءات تطبيق الجهاد من العدو الخارجى إلى داخل الوطن؟... إلخ. تناول المؤلف قضية «الفنية العسكرية» و«التكفير والهجرة» ومقتل الشيخ الذهبى، ونشر فى 22 صفحة وثيقة عن بعض أوراق الحكم الصادر فى قضية «مقتل الذهبى»، مفصحاً فى «موسوعته» عن الأحداث والأسماء والتواريخ والوقائع بلا تجميل أو مداراة، مع مقدمة أجاب فيها عن تساؤلات منهجية ملحة. الكتاب أزال الغموض عن أسئلة كثيرة، ووفر على الباحثين جهداً للحصول على الوثائق المذكورة، ما وفر للباحثين البنية التى يمكن من خلالها استشراف المواقف والأحكام والتصورات، كما أن الكتاب موجه لأعضاء التيارات الإسلامية وللشباب ليكونوا على بينة من أمرهم. تأتى أهمية الكتاب والثقة فيه من شخص مؤلفه، فلم يضبط الكاتب مدلساً أو كاذباً من قبل، ما يجعلنا نثق فيما ذكره من شهادات، إلا أن هذه الثقة التى هو أهل لها هى نفسها تعنى نقد الكتاب ومساءلته ومناقشته وإبداء ملاحظات، منها: 1- عنوان الكتاب «موسوعة العنف فى الحركات الإسلامية المسلحة»، فالوصف ب«المسلحة» ربما يجعل القارئ يقصر كلمة «مسلحة» على جماعات التكفيرة والهجرة والفنية العسكرية فقط، وبالتالى يكون أمامنا جماعات إسلامية غير مسلحة، وهذا فى تقديرى يحتاج لمراجعة، نحن أمام جماعات إسلامية أكثرها مسلح على اختلاف درجة التسليح، وأكثرها يؤمن بالتكفير والعنف، فمثلاً عندما نتناول دور محمد حامد الفقى مؤسس أنصار السنة المحمدية 1926 فى نشر السلفية، هل كان يدعو للعنف والتكفير والاقتتال المذهبى بين فئات المجتمع؟ نعم، وجاء هذا فى الوثيقة الرسمية لتأسيس جماعة أنصار السنة، فهذا تمهيد لأجواء العنف، وإن لم يدعُ للتسليح مباشرة، لكن من هنا ينمو ويترعرع الاقتتال والعنف والتكفير ويخرج التطرف. 2- كما أن الكاتب غفل عن ذكر وثائق متممة للموضوع، خاصة ما صدر فى فترات مختلفة من بيانات للأزهر وجماعة كبار العلماء، ورد الأزهر على كتاب «الفريضة الغائبة»، وما إلى ذلك من دور موثق للأزهر فى محاربة العنف، لأن مفهوم العنف والتكفير والجهاد خضع لتطورات كثيرة منذ التقطته حركات الإسلام السياسى بفضل التمدد الدينى بعيداً عن المؤسسة الأزهرية، المشهود لها بتكوين النظرة الثاقبة وضبط المفاهيم الشرعية، مع اعترافنا ببعض التقصير من شيوخها وهيئاتها.