استيقظت يومًا من نومي، أحاول فتح عيناي ثم التفت هنا وهناك رأيت أشياء غريبة وأشخاصًا أغرب، فنفضت غطاء السرير من على جسدي واتجهت إلى الجهة اليمنى، رأيت أشخاصًا آخرين يجلسون بمفردهم وهكذا الجهة اليسرى، فسألت أحدًا منهم: "أين أنا فإنني أشعر بالغربة داخل هذا المكان.. ومن أنتم لم أركم من قبل"، فنظر لي بشيء من الإشفاق ونظرات التعجب تملأ وجهه ثم رأيته يتحدث مع أشخاص آخرين وهم جالسون على صخور غريبة الشكل أيضًا، ومن حولهم بقايا أشياء منها الذي كان ينظر له الناس فيبتسمون وتثير في أنفسهم البهجة والفرح ومنها ما كان فتاتًا ولا ينظر له الناس أصبح هو الذي يملأ المكان والآخر فتات على الأرض !! فقلت لهم: "ما الذي حل بكم.. أجيبوني؟!!.. لا أود التأخر أكثر من ذلك أخبروني عن الطريق الصحيح لكي أرحل"، وفي ذلك الحين وأنا أناجيهم جاء رجل من وراء صخرة كبيرة الحجم يبدو علية الشيبة والعجز، قال لي "ما بك يا بنيتي لما ترتجفين هكذا وما كل هذه الدموع التي أراها في عينيك، أين ابتسامتك التي كانت تملأ وتهز الجدران بصددها ؟!" فوجدت نفسي أقاطع حديثه وأقول "هل أنت تعرفني ؟!". فقال بصوت يملؤه الحزن إنني أعرفك أكثر من أي شخص في تلك الجزيرة ومنك أنت!!". فقلت له "أرجوك تحدث معي ولا تتركني وحدي فيها فهي مخيفة وسكانها أغراب عليّ.. تحدث معي فأنني ارتحت لك وأود البوح عما بداخلي أرجوك ولم يستجب حتى ترجيته كثيرًا"، فرأيته فجأة الدموع تنهمر من عنييه الضعيفتين على وجهه المتجاعد ويحاول التكلم وصوته تكاد أذني سماعه بصعوبة" إنك حقًا لا تعرفيني ومع ذلك سأتحدث معك ودار بيننا حوار طويلاً، قال العجوز "إني جئت هنا يومًا من الأيام والهموم تملؤني والدموع حفرت لها بحورًا سقتني منها والجروح تنزف مني وتائه في مكان لا أعرف عنه شيئًا ولكنك محظوظة فإنك رأيتي أشخاصًا أما أنا حينما جئت كنت وحيدًا فإنني هربت من وحدة إلى وحدة قاتله ومن عذاب لعذاب أشد ورأيته صمت قليلا وخفض رأسه، فتقربت منه أكثر وسألته لماذا هربت ؟! فقال لي "ليس بإرادتي فأنني كنت مجبرًا على ذلك !!".. وما الذي أجبرك عليه ؟!".. "كل ما حدث لي في حياتي من أناس لم أكن أتوقع منهم التسبب في جروحي، فهم أقرب الأقربين مني وكأننا شخص واحد له اسمين !!.. فحينما حدث وشعرت بشتات أمري من معي ومن ضدي والثقة دفنت معهم قررت الهروب وحاولت النسيان فسافرت بعيدًا وقابلت في سفري زهورًا تلاحقني ولم أطرف لها بعيني فقد تعلمت من الزهور التي قمت بقطفها من قبل، ولكن تلك كانت لديها إصرار غريب ولاحقتني إلى كل مكان أنا به، ورأيتها تمد لي فرعًا من الشجرة التي تسكن بها وجئت ثم تقربت منها خطوة تلو الأخرى، حتى صاحبتني وأحسست وكأن فرحتي ترجع لي ثانية، ولكني في قرارة نفسي لاحظت أني في كل موقف تفعله أتوقف عليه وأفصله تفصيلاً وكأن ما مررت به لم يرحل عني بل ترك علامة في نفسي. ومرّت الأيام على هذا الحال حتى رأيتها تتلاعب مع زهرة أخرى ولا تلتفت لي فحزنت وواجهتها بما فعلته واعتذرت لي وتصافت النفوس ولكنها مرة أخرى رأيتها تتضاحك مع أخريات وتناست موعدنا اليومي وانتظرتها طويلاً ولم تأتِ.. ولم تعترف بغلطتها وتربصت لها لكي أتأكد من كذبها وأنا لا أتخيل بل حقيقة!! وحدث ما خفت منه وهي تتراقص وتتمايل مع زهرة جميلة الشكل، فشعرت حينها أنني أموت ثانية وتقاربت مني زهرة الصبار وكادت أن تصيبني بشوكها اللاذع، ولكنني حاولت الفرار منها وبعد أميال وأميال تمكنت من الهرب وأتلعثم عطشًا ودقات قلبي كادت أن توقف !! ورأيت صخرة جلست عليها أفكر مليًا في إجابة واحدة على سؤال يستولى عقلي.. "هل العيب في أنا أنني لا أعطي أي خوانة لشخص وثقت به أم كنت أعيش في مكان ليس لي مكان فيه ؟!" ثم وضع عيناه بعيني وقال لي "عرفتي ما هي قصتي ولماذا جئت تلك الجزيرة؟! وكيف حاولت فيها أن أنسى كل الهموم، وكل وردة خدعتني، وكل زهرة صبار جرحتني، ونظر لي نظرة المستغيث بمن يستطيع إغاثته، فقال لي "لذلك الحين لم تعرفيني ولم تتعرفي حتى عليّ؟!.. قلت له" إنني لا أعرفك حقًا !!.. أرجوك قل لي مَن أنت ولما قلت لي كل تلك الروايات !!.. هل لأنك ارتحت لي أم أنك تريد أن توصل لي شيئًا بداخلك ؟!.. أريح قلبي أتوسل إليك!!، فقال لي "أريحك.. تطلبين مني الراحة بكل هذه البساطة بكلمة واحدة يتلفظ بها لسانك.. أتعجب منك كثيرًا.. هل أنتي جادة فيما تقولين ؟!، فتعصبت عليه في كلماتي" أن الخطأ خطئي أنا في سماعي لكل تلك الأحزان التي ذكرتني بأشياء بداخلي وحدي وكأنك تروي قصتي ما بقصتك !! سأرحل لا فائدة من ذلك !!.. وبمجرد أن أدرت له ظهري ومشيت قليلاً، سمعت صوتا لن أنساه أبدًا يقول لي "انتظري إلى أين تذهبين أنا الذي تسببتي في ظلمها كثيرا ونسيتي حقها وتجهلين ما لذي جاء بي إلى تلك الجزيرة ((جزيرة النسيان)) !!، فاقشعر جسدي بشدة ورأيت نفسي أستكمل سيري خوفًا منه، فسمعته يغلظ من صوته وكأن الأحزان والجروح هي التي تتحدث "أنا نفسك أيتها العمياء الذي عمتكي الدنيا عني ومشيتي فيها دون أن تضعين لها حساب ودور في حياتك البائسة.. أنا نفسك الحزينة.. فرأيتني أقف في مكاني ولا حركة في وكأن الشلل أصاب جسدي وعرض أمام عيني شريط حياتي كاملاً وقسوتي عليها وبكل خجل حاولت أن ألتفت لها وأتكلم معها، فرأيت كل شيء سراب من حولي ولا أري أي شخص معي في تلك الجزيرة، فأنها تركتني وحيدة وعلمت حينها إنها جاءت هنا لكي تنسى ما تسببت فيه أنا من جراح لها، والأشخاص الذين رأيتهم هم أيضًا نفوس لأناس فعلوا مثلما فعلت بها، فتسألت هل لها أن تسامحني وهم هل لهم أن يسامحونهم أيضًا، فنحن بشر غير معصومين من الخطأ وبالطبع لم أجد إجابة !!. ولكني أعدك يا نفسي ألا أنساكي في زحام الدنيا الفانية ولا أعطيك لأي شخص غير مسؤول يتسلى بك فأنتي خلقتي عظيمة وستظلين عظيمة كما وهبكي الله والحياة هي حياة الآخرة. وشعرت بألم في جسدي أثر وقوعي من فوق السرير.. يا له من كابوس !!