مضت الحياة بالصحفى الكبير مصطفى أمين عبر نجاحات صحفية كبيرة، ومعارك سياسية وفكرية وصحفية، وصراعات حزبية، سجون، خلاف مع عبدالناصر، توافق مع السادات، دفاع عن الحريات والمظلومين، قصص، تأليف، جلسات لا تنتهى مع فنانين وشعراء. حياة حافلة بكل الإثارة حتى حانت لحظات النهاية، فى لحظات وداعه للدنيا لم يتذكر كل هذا، أوصى زوجته بشىء واحد رآه خالصاً لله ووجده أعظم حسناته إنه «مشروع ليلة القدر لتربية الأيتام» والذى يستطيع كفالة طفل يتيم من عمر يوم حتى يتخرج من الجامعة. عند لحظات الموت يدرك الإنسان قيمة أعماله الحقيقية وأيها أجدر أن يكون خالصاً نقياً من كل شائبة، «ليلة القدر» كان وقتها أعظم مشروع لرعاية الأيتام فى مصر المحروسة كلها. كان عبدالشافى القوصى، الصحفى بالأهرام، من تلاميذ الغزالى ود. مصطفى محمود، وكان همزة الوصل بينهما، وكان يتردد عليهما باستمرار، وفى أحد الأيام قال له د. مصطفى محمود: انظر يا واد يا قوصى فى هذه الغرف التى أمامك (يقصد غرف مستشفى محمود الخيرى الذى أنشأه تخليداً لوالده): هذه الغرف البسيطة هى التى أرجو ثوابها عند الله، وهى أفضل عندى من كل معاركى الفكرية والسياسية ومسرحياتى وصراعاتى مع الآخرين ومناصبى، وكل ذلك أرهقنى بلا فائدة. أما صدام حسين فقد قال قبل موته بأيام مخاطباً كل الخونة الذين سهّلوا غزو أمريكا للعراق: «أنا ستعدمنى أمريكا، أما أنتم فستعدمكم شعوبكم». أما الشاعر الألمانى العظيم «جوته» فقد أمر أن يُكتب على قبره هذا الشطر من إحدى قصائده الشهيرة: «لقد عبدت الواحد الأحد». أما عمرو بن العاص فحينما احتضر قال لمن حوله: زنوا مالى، فوجدوه 52 مُداً من الذهب، وهذا مبلغ كبير جداً، فقال لمن حوله: من يأخذه بما فيه؟ يا ليته كان بعراً «أى مخلفات الإبل»، وعرض صندوق ماله على ابنه الصحابى راوى الأحاديث عبدالله بن عمرو فرفض أن يأخذه. وقبل الموت رفع يديه قائلاً: اللهم أمرت فعصينا، ونهيت فركبنا، فلا برىء فأعتذر، ولا قوى فأنتصر، ولكن لا إله إلا الله، نطقها ثلاثاً قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. وقد أوصاهم قبل وفاته بأيام بأن يقيموا حول قبره فترة من الزمان حتى يستأنس بهم وينظر بماذا يراجع رسل وملائكة ربه، وهذه الوصية أصبحت سنّة متبعة حتى الآن، وهذا يدل على خوف عمرو بن العاص من ربه وإجلاله لمولاه سبحانه. أما الداعية العظيم أبوالفرج بن الجوزى الذى تاب على يديه قرابة مليون شخص، وكان مجلس وعظه يعج بالبكاء والتوبة والذكر، وأسلم على يديه مائتا ملحد فأوصى أن تُكتب هذه الأبيات على قبره، وهى من تأليفه: يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه أنا ضيف وجزاء الضيف إحسان إليه أما الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل فقد وجد أنه لا جدوى من كل الأجهزة الطبية الكثيرة المربوطة إلى جسده فقال لأسرته: «الرحلة انتهت، لا تعاندوا القدر». أما عمر بن الخطاب فقد أوصى خالد بن الوليد قبل موته بوصية صارت مضرب الأمثال بعد ذلك وهى: «احرص على الموت توهب لك الحياة». أما خالد بن الوليد فبكى عندما حان أجله قائلاً: «ما من موطن فى جسدى إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح وها أنذا أموت على فراشى كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء»، فصارت كلماته مثلاً بين الأجيال. أما ياسر عرفات فقد شعر بغدر من حوله وأنهم فى طريقهم لقتله بالسم فكانت آخر كلماته «إنهم يريدون التخلص منى»، وذلك بعد أن حوصر تماماً وعُزل عن شعبه والعالم فأُدخل إليه السم فى كبسولات العلاج دون أن يدرى، ليلقى الله شاكياً بغى الإسرائيليين وغدر بعض تلاميذه. أما الشيخ محمد الغزالى فقد توفى أثناء محاضرته عن «الإسلام والغرب»، فوجدوا وصيته ضمن أوراقه الشخصية بأن يُدفن بمقابر البقيع، فدُفن بين قبرى مالك بن أنس وإبراهيم بن رسول الله، ولعل الله قدّر له تلك النهاية الرائعة كردّ قدرى على كل الذين هاجموا الشيخ أو أهالوا التراب عليه أو حاولوا القدح فى محبته لسنة النبى (صلى الله عليه وسلم) والنهل منها. لحظات الوداع هى أصعب اللحظات على الإنسان وهى فى نفس الوقت أنقاها وأصفاها وأقربها إلى الإخلاص والتجرد وترك شوائب الهوى ورغبات المناصب الشريرة وحب الأثرة الذى قد يلازم الإنسان فترة، إنه الآن مقبل على ربه وحيداً فريداً، وكلماته الأخيرة هى خلاصة عمره، اللهم ارحمنا فى مثل هذه اللحظات.