محمد رشاد، واحد من أبرز الناشرين فى مصر والوطن العربى أيضاً، عشق مهنة النشر واشتغل بها على مدار أكثر من ثلاثين عاما متواصلة، بادئا هذه الرحلة فى إحدى دور النشر الكبرى فى لبنان، ليؤسس بعدها فى مصر «الدار المصرية اللبنانية» عام 1985، والتى نشرت حتى الآن ما يزيد على ألف كتاب فى مختلف فنون المعرفة، تولى «رشاد» رئاسة اتحاد الناشرين المصريين بالإجماع، وله آراء خاصة فيما يتعلق بالوضع السياسى والثقافى فى الوطن العربى.. وإلى نص الحوار: * يثار الكثير من الجدل حول تأثر مهنة النشر بربيع الثورات العربية.. كيف ترى ذلك؟ - دائما أفضل أن أقول إننى ناشر عربى وليس مصريا فقط، ما دمت أنشر باللغة العربية، وأؤكد أن كل الناشرين فى الوطن العربى لديهم حالة من السعادة والفرحة بربيع الثورات العربية، لكن أكثر مهنة تأثرت بالثورات هى «النشر»، خصوصاً لدى الناشرين المصريين. وأتذكر دائما دورة معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2011 وقت قيام الثورة، حيث ألغى المعرض من الأساس رغم ما تحمّله الناشرون من مختلف أنحاء العالم فى السفر وتكلفة شحن الكتب ونقلها، ورغم الخسارة الكبيرة التى تعرضوا لها، فإنهم وقفوا وقفة تنم عن حب العرب جميعا لمصر، وتضرر الناشر المصرى جراء ما حدث بشكل كبير باعتبار معرض القاهرة الدولى يمثل من 40 إلى 50% من مجمل أعماله خلال العام، حيث يحرص كل ناشر على أن يكون إنتاجه موجودا فى المعرض ويصرف أموالا كثيرة على عملية الإنتاج وطباعة الكتاب بما يشمل ذلك من الرسامين والفنانين الذين يصممون الكتب داخليا ويصممون الأغلفة، كل ذلك لأنهم يعتبرون المعرض مرآة لإنتاجهم، خصوصا مع وجود أصحاب دور النشر العربية الذين يقبلون على شراء الكتب وبيعها مرة أخرى فى بلادهم. وأغلب دور النشر فى الوطن العربى اضطروا إلى تخفيض عدد الكتب المنتجة سنويا. * بشكل شخصى.. كيف تأثرت الدار المصرية اللبنانية بثورة يناير؟ - الدار المصرية اللبنانية لها دار شقيقة هى الدار العربية للكتاب، وكان حجم ما يتم إنتاجه 200 كتاب سنويا فى مختلف العناوين، لكن عام 2011 أنتجنا 30 عنوانا فقط، وعام 2012 أنتجنا 50 عنوانا، وهو ما يمثل «ربع» إنتاجنا فقط مما قبل الثورة. كان أمامنا خيار صعب فى ظل الأوضاع الاقتصادية وتراجع عملية بيع الكتب واهتمام المواطنين بمتابعة القنوات الفضائية فى ظل الأحداث التى تجرى على حساب شراء الكتب، بالإضافة إلى الركود الاقتصادى داخل مصر، وهناك دور نشر توقفت وأخرى خففت العمالة، أنا شخصيا كان عندى خيار صعب، إما أن أستغنى عن نسبة كبيرة من العاملين تصل إلى 50%، أو أحافظ عليهم وأقلل الإنتاج، فاتخذت القرار الأخير حتى لا أستغنى عن عاملين لهم دور كبير فى نهضة الدار لسنين طويلة. * برغم الوضع الاقتصادى السيئ.. هل يمكن القول إن حال النشر قبل الثورة كان أفضل؟ - قبل الثورة كانت هناك حركة جيدة، وأؤكد دائما أن مصر تختلف عن معظم الدول العربية فى أننا لا نملك رقابة مسبقة على حركة نشر الكتب، كان هناك قانون قديم وأوقفه الرئيس السادات عام 1976، وكتب قليلة هى التى تعرضت للرقابة بعد أن ثارت ضجة حولها. كنا نشكو من أن عادة القراءة ليست أصيلة عند المواطن العربى والمصرى، وبعيدا عن أى توجهات سياسية، أعتقد أنه خلال السنوات العشر الماضية بدأ ينمو لدينا جيل جديد من القراء، وهو من الشباب الذين تخرجوا فى الجامعات الخاصة مثل الأمريكية والألمانية، وأيضاً بعض طلاب الجامعات الحكومية. * تنتشر فى القاهرة حاليا المكتبات الملحقة بها كافيهات.. هل أسهمت تلك الأماكن فى نشر الثقافة على نطاق اوسع؟ - قبل الثورة بعدة سنوات لاحظنا أن جيل الشباب بدأ فى تغيير نمط أماكن التنزه من «الكافيهات»، وتوجه إلى منافذ بيع الكتب غير التقليدية مثل المكتبات الكبيرة أو المكتبات الملحق بها مقهى صغير. وهذا الجيل نحن سعداء به، لأنه استمر فى القراءة، وترتب على ذلك زيادة عدد دور النشر المصرية، وظهرت أجيال من الناشرين الذين يمتازون بالوعى وطوروا أشكال الطباعة التقليدية بعد آبائهم وأجدادهم بشكل جيد، وظهرت كتب جديدة على مستوى عال من الجودة والحرفية والإبهار. * دول أوروبا حاليا تمتلك نظاما متطورا فيما يتعلق بالنشر.. هل تأثرت الدور المصرية بهذا التطور وواكبته؟ - فى أوروبا التى تسبقنا بأكثر من 400 عام فى مجال النشر، أصبحت كل دار هناك لها نجومها من الكتاب الذين تصنعهم وتقف إلى جانبهم حتى يحققوا النجاح، هذا «التكنيك» بدأت تعمل به دور النشر المصرية، ونتج عن ذلك جيل ناجح من الشباب. * هل تغيرت عادات القارئ المصرى فيما يفضله من كتب؟ - عالميا هناك فترات يقبل فيها القراء -بناء على توجيه الكتَّاب والمفكرين- على نوعية معينة من الكتب، خلال ستينات القرن الماضى كان الاهتمام بالأدب، وفى السبعينات كانت الكتب الدينية، وفى الثمانينات بدأ يظهر الكمبيوتر، ومع التسعينات لاقت الكتب السياسية رواجا خصوصاً مع ما كان يحدث فى الخليج وصدام حسين. وفى أواخر التسعينات توقع الناقد الدكتور جابر عصفور أن تكون السنوات المقبلة «عصر الرواية»، وفعلا مع بداية 2000 بدأ الاهتمام بالرواية خصوصا أن هناك جهات عديدة ظلت تمنح جوائز خاصة للرواية. * بناء على كلام الناقد جابر عصفور.. هل خفُت اهتمام القارئ المصرى بالكتب السياسية؟ - لا، هناك اهتمام بالنوعين، وما زال الكتاب السياسى له وجوده القوى، خصوصا لو كان الكتاب يتناول أحداثا ومعلومات خافية عن الناس، مثل كتاب عبداللطيف المناوى رئيس قطاع الأخبار السابق، وأسامة هيكل الذى تولى وزارة الإعلام فى فترة المجلس العسكرى؛ باعتبارهما شاركا فى صنع الأحداث خلال فترة الثورة وما بعدها. * يشكو العديد من القراء من ارتفاع سعر الكتاب، وسبق أن نظم بعض الشباب وقفة احتجاجية رمزية تنديدا بذلك.. كيف ترى الأمر كناشر مصرى؟ - النشر والأسعار بينهما علاقة طردية، كلما زادت الكمية المطبوعة من كل كتاب قل السعر. لو أنا طبعت كتابا من 2000 نسخة وتكلفته 3 جنيهات سأبيعه بعشرة، لكن الكتاب نفسه لو طبعت منه 10 آلاف نسخة من الممكن أن أبيعه بأربعة جنيهات أو خمسة. وللأسف فإن مهنة النشر فى تراجع دائم، ففى سبعينات القرن الماضى كنت أطبع من بعض الكتب من 5 إلى 7 آلاف نسخة، أما الآن فإن الطبعات لا تزيد على 2000 نسخة فقط، وبعض الدور الصغيرة تطبع 500 نسخة فقط من الكتاب. * هل تعتقد أن النظام الحالى يولى اهتماما بمسألة نشر الكتب والثقافة؟ - منذ الثورة وحتى الآن ومصر فى حالة من عدم الاستقرار، لكن لما أسمع أن أحد أسباب استقالة الدكتور صابر عرب وزير الثقافة أنه ليس لديه ميزانية، وقتها يجب أن أعتقد أن الدولة ليست مهتمة بموضوع الثقافة، الكلام الذى يردده المسئولون دائما أن الثقافة من الأولويات، لكن الواقع يبدو غير ذلك. أنا لم أُدعَ لحفل افتتاح معرض الكتاب رغم أننى من المفترض أن أكون موجوداً، وحتى المهندس إبراهيم المعلم لم يُدعَ، وجاءت لى دعوة ل«اللقاء الفكرى» مع الرئيس، وكنت مستمعا، وللأسف الشديد اللقاء كان قصيرا، رغم حديث الرئيس عن الناشرين والثناء على دورهم. * معنى ذلك أن النظام القديم كان أكثر اهتماما بالثقافة والنشر؟ - بمنتهى الصراحة، وأنا لست منتميا لأى تيار ومعروف كدار نشر ب«الوسطية»، النظام السابق توسَّع فى إنشاء المكتبات العامة، واهتم بمشروع «القراءة للجميع» و«مكتبة الأسرة»، وكلها مشروعات مهمة ليس لها دخل بالتوجه السياسى، ولا يجوز أن نرى أن كل شىء يعود إلى النظام القديم كان سلبيّا.