أنت الآن فى مدينة الأندلس، عاصمة الجريمة بعزبة النخل الشرقية، ليس للمدينة حظ من اسمها، فلا مكان للحدائق الغناء ولا القصور البهية، هنا بِرَك الصرف الصحى فى حجم البحيرات، والشوارع ضيقة كأنابيب الصرف، غير ممهدة، تتقاطع مع بعضها البعض لتصنع خارطة من المتاهات والغموض وسط حالة واضحة من البؤس والأسى التى تعلو وجوه السكان. كل الممنوعات متاحة، بائعو المواد المخدرة يصطفون لالتقاط زبائنهم من راغبى «الكيف» علناً، الأمن بلا وجود حتى تحولت المنطقة إلى مرتع للمسجلين والهجامة والخارجين على القانون. لكن مقتل الشاب «إسلام» أحد أبناء المنطقة على يد مسجل خطر يُدعى «حمادة سوابق» بعد رفض الأول توصيله بسيارة التاكسى منذ أيام دفع أهالى شارع ابن سينا لتكوين لجان شعبية للحد من بيع المواد المخدرة وتتبع المسجلين والقضاء عليهم. بالرغم من مصائب المنطقة وكوارثها التى لا تنتهى فإن مقتل «إسلام» لا يزال مؤرقاً لجميع الأهالى الذين يعتبرون مقتله جريمة شنيعة قضت على شاب مكافح وأب لطفل لم يكمل عامه الثالث، ولا يزال الجميع يتذكرون تفاصيل الجريمة وكأنهم شاهدوها عياناً. إسلام محمد محمود «30 سنة - سائق تاكسى»، متزوج منذ 3 سنوات طالما حلم أن يراه ذا شأن.. أب لطفل واحد «محمود» لم يكمل 3 سنوات من العمر وأخ ل5 أشقاء مات والدهم ليصبح «إسلام» هو العائل الوحيد، كان يعمل على سيارة تاكسى يجوب بها القاهرة ويعود آخر اليوم لتسليم السيارة إلى مالكها ويحصل على نسبة من الإيراد.. يدخر لينفق على أسرته ووالدته وإيجار شقتها الكائنة بالطابق الثالث بالعقار رقم 13 بشارع ابن سينا.. شقة الأسرة اكتست بالسواد.. ثكلى فقدن القدرة على الحديث وأرملة وأيتام هو وصف حال نساء الأسرة اللائى علا الحزن وجوههن واكتوت قلوبهن لمقتل عائلهن.. الطفل «محمود» يلهو ويداعب والدته تارة، وجدته تارة أخرى.. يجهل النازلة التى حلت بهم.. ولا يدرك أن القدر كتب عليه اليتم منذ نعومة أظافره. يقول «حسنى» الشقيق الأصغر للمجنى عليه باكياً: «الله يرحمك يا إسلام.. إنت سبتنى والحمل تقيل علىّ.. مكانش أخويا وبس كان صاحبى وسندى باخد رأيه فى كل حاجه هو اللى علمنى السواقة.. أنا حسيت أبويا مات النهارده.. المصيبة تقيلة أوى».. ويمضى فى حديثه قائلاً «إحنا مش متعودين نتكلم فى التليفون كتير.. بس آخر مكالمة كان يتعمد يفتح مواضيع معاى وآخر كلامه كان: خلى بالك من نفسك وحافظ على شغلك وابعد عن المشاكل». فى يوم الواقعة كان «إسلام» على مقهى «أبوالليبى» بشارع سيد عبدالهادى بصحبة مالكى السيارة «محمود حلابسة» وشقيقه «سيد»، وحضر الجانى «حمادة» وطلب من شقيقه توصيله بالتاكسى إلى مكان ما، فرفض «إسلام» بحجة أن السيارة بها عطل، وأنه يراجع بعض الحسابات مع مالكيها. لم يقتنع المتهم بالسبب الذى أبداه «إسلام» وحاول الاعتداء عليه داخل المقهى وتدخل بعض الموجودين ومنعوه من ذلك وأسرع إلى التاكسى وأخرج مطواة وثقب إطار السيارة على مرأى ومسمع من الموجودين ومن بينهم مالكا السيارة ثم انصرف. أجرى مالكا السيارة اتصالاً بأحد أقارب «حمادة» ليبلغاه بما صنع، فكان الرد «خلاص الموضوع عندى»، ثم طلبوا من المجنى عليه «إسلام» أن يصلح الإطار. استقل «إسلام» السيارة بصحبة مالكيها فى طريقهم إلى ورشة إصلاح الإطارات بشارع الشيخ مجاهد حيث تقابلوا مع الجانى «حمادة».. «إنت بترد على قريبى؟ طيب موت» هذه الكلمات التى قالها الجانى قبل أن يسدد طعنة نافذة بصدر «إسلام» أصابته بتهتك فى القلب ونزيف بالصدر ولفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصوله إلى مستشفى اليوم الواحد الواقع بالمنطقة ذاتها. فى نفس الوقت كان شقيقه «حسنى» فى طريقه إلى المنزل بعد عناء يوم طويل، وأثناء وجوده بالجراج سمع حارس الجراج يقول له إن جريمة قتل وقعت بالمنطقة والمجنى عليه يُدعى «إسلام». يصف «حسنى» حالته بعدها بقوله: «أنا مقدرتش أمسك أعصابى وروَّحت على البيت مش متخيل إن أخوى اللى مات ولقيت أختى بتقول لى: إسلام مات.. أنا أغمى علىّ ونقلونى على المستشفى.. مقدرتش أدخل عليه وأشوفه.. شفته تانى يوم وهو رايح المشرحة وبوسته.. الله يرحمك يا إسلام أنا عايز القصاص العادل والسريع من اللى عمل كده، إحنا على باب الله ملناش فى المشاكل». أمام تخاذل الشرطة فى ضبط المتهم، قام الأهالى بإلقاء القبض على المتهم وسلموه إلى أحد أمناء الشرطة ويُدعى «مصطفى حملة» الذى تصادف وجوده أثناء فترة راحته على أحد المقاهى القريبة من مكان الحادث، وفور سماعه بالحادث توجه إلى هناك مستقلاً دراجة بخارية، وتسلم الجانى من الأهالى وكان على الدراجة «الأمين» والمتهم وأحد الأهالى وأثناء توجههم إلى قسم الشرطة استخرج الجانى سكيناً أخفاها فى ملابسه وسدد طعنة فى كتف «الأمين» وأخرى فى وجه من خلفه، ثم تجمع الأهالى مرة أخرى وسلموا المتهم إلى قسم الشرطة ونقلوا المصابين إلى المستشفى.