من المؤكد أنه فى يوم ما ستعلن اختلافك مع رأى أبديه لك أو وجهة نظر أعرضها عليك، ولكننى من المؤكد سأختلف معك دوماً فى أى رأى تبديه لى أو وجهة نظر تعرضها علىّ، ووقتها سأسعى إلى «تصفيتك معنوياً» مثلما ستفعل معى عندما أختلف معك، فلقد أصبح الاختلاف فى الرأى «يفسد للود» مليون قضية، وليست واحدة فقط وفق موروثنا الثقافى الذى هجرناه بكامل إرادتنا ودون أن يجبرنا أحد على ذلك. ولندع جانباً الفيلسوف الفرنسى الكبير «فولتير» وتعبيره الشهير «قد أختلف معك فى الرأى ولكنى على استعداد لأن أدفع حياتى ثمناً لحقك فى أن تعبر عن رأيك» فقد أصبح لمثل هذه القضايا فى مجتمعنا منطق مغاير عما يجب أن يكون عليه، فالطبيعى لدينا قد أصبح على غير تكوينه، والقاعدة هنا أصبحت استثناء، والاستثناء قد تحول بالتالى إلى قاعدة!! فنحن أبداً لم نتعلم كيف نختلف، أو نستمع للآخر، فكل من يخالفنا فى الرأى نعتبره «عدواً» لنا ويعمل ضدنا ويسعى لإضرارنا ولذا وجب التخلص منه!! وفى الوقت الذى نتشدق فيه بالديمقراطية ونصرخ مطالبين بها لا نطيق أحكامها أو ما تفرضه علينا، وفى كل وقت نعلن أنه من «حق الآخر» التعبير عن رأيه ولكننا نشترط سراً بيننا وبين أنفسنا أن يكون هذا الرأى متسقاً مع ما نراه نحن وإلا..!! فإذا لم تكن مؤيداً لما أقوله لك فإنك ستصبح عدوى، فالاختيار أمامك قد أصبح فقط «معى أو ضدى»، غير أنه بالنسبة لى فإننى دائماً «ضدك أو عليك»! أصبحنا نفتقر إلى ما يمكن تسميته «ثقافة الاختلاف»، نرفض ما تمليه علينا قواعد الديمقراطية فدائماً ما نخرقها، على المستوى الشخصى نحن لم نتعلم كيف نتحاور أو نختلف فى وجهات نظرنا وآرائنا سواء فى المنزل أو المدرسة أو الجامعة وفى العمل أيضاً، فكل ما يقوله الرئيس أمر مسلم به، وحتى إن سمح هو بهامش ضيق للمناقشة فإن «قواعد النفاق» تلزمنا ب«حكمته» التى نطق بها دون أن نجرؤ حتى على الاختلاف معه فى أى جزء مما نطق به وإلا كانت «العقوبة» فى انتظارنا!! على المستوى العام فنحن قد ورثنا أسلوباً وحيداً للمناقشة أو تحديداً ل«الصراخ» دون أن نسمع بعضنا بعضاً وأصبحنا ننتهج ما يسمى ب«حوار الطرشان»، وكان التهديد ب«مفرمة السبعينات» الشهيرة مصير أى مواطن يبدى رأياً أو يوجه انتقاداً لأى قرار، ويصبح بالتالى ضمن القلة الحاقدة أو «الأراذل» الذين يتعمدون إهانة مصر وتراب مصر!! حتى عندما فكرنا فى أن نعتمد «التعددية الحزبية» منهجاً للعمل السياسى فى النصف الثانى من فترة السبعينات فرض المُشرع على أحزاب المعارضة شرطاً فى القانون يلزمها بالموافقة مبدئياً على «كامب ديفيد واتفاقيتى السلام» مع إسرائيل، على الرغم من أن ألف باء العمل الحزبى هو التعدد والاختلاف!! ومثلما كان الإخفاء «وراء الشمس» هو الاتهام السائد فى فترة الستينات، أصبح اتهام «الاختفاء القسرى» -فى الألفية الثانية- المصير المحتوم لمن ينتقد أو يختلف مع ما يراه «الكبار»! الأمر فاق عن حده وبات الاغتيال المعنوى -على الأقل- دستور البعض منا، وأصبح تشويه الآخر «المختلف معنا» قانوناً نفرضه على بعضنا، وأصبحنا جميعاً ك«الطرشان» ندير حواراً مع أنفسنا ولا يسمع أحد منا الآخر، وعندما يسمعه فإنه يسمع فقط ما يتفق مع وجهة نظره وكأنه يمسك بيديه «رأس الحكمة» أما ما يختلف معه فإما يتركه أو يدير معركة تستهدف القضاء على من نطق به، وهو ما يوجب علينا أن نتعلم الحوار مجدداً وأن نقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية وأن نؤمن حقيقة ب«حرية الآخر» فى إبداء رأيه والاختلاف مع ما نقوله أو نعرضه حتى لا نجد البعض منا -فى النهاية- يسعى جاهداً لتعليق غيره ك«النجفة» فى سقف «غرفة عشماوى»!