الكاتب والسيناريست الكبير «محمد حلمى هلال»، تعرف عليه البسطاء من خلال تاريخ مشرف من الكتابة الدرامية «20» مسلسلًا تليفزيونيًا من بينها مسلسلات (بوابة المتولى) و(طعم الأيام) و(أحلامكوا) و(حال الدنيا) و(اختفاء سعيد مهران) و(القاهرة ترحب بكم)، و «8» أفلام سينمائية على رأسها (حكايات الغريب) و(صائد الأحلام) و(يا دنيا ياغرامى) و(هيستيريا) فضلًا عن مئات المقالات والدراسات للصحف والمجلات. «الصباح» حاورت الكاتب والسيناريست الكبير محمد حلمى هلال ووضعت أمامه طفولته وذكرياته أصدقائه، منزله، الشتاء، فكان الأخير حياته وحلم صغير يحزن كثيرًا حين ينفلت هاربًا منه. و من كره للفوضى وتضليل أحلام البسطاء وحكاية «رغيف» وحياة تتغير تمامًا برسمة واحدة إلى البدايات وشخصيات حى المنيل، سألته فكانت والدته فى الإنتظار جدارًا من الحزن ورغبة فى الحياة، ثقافة موت تجبرنا على زيارة المقابر بملابس العيد الجديدة. ارتاد مقهى «ريش» منذ أن كان طالبا فى الثانوى، تعرف هناك على كائنات القلب وحلم بنفسه بينهم، عتب فى رقة شديدة على الصحافة، حالما بولادة نوع جديد من الشغف بالسينما، ذهب مبكرًا لعالم الإنترنت وتركه عندما شعر بالعمر يمضى سريعًا من حوله . حدثنا عن البدايات وشخصيات حى المنيل؟ رغم الفكاهة والنكت والضحك والسخرية التى يشاع أن المصريين يتمتعون بها، إلا أنهم أكثر الشعوب حزنًا على وجه الأرض، أغلب ما تركه لنا الأجداد هو مجموعة من المقابر والمومياوات، ثقافة الموت تغلب على الرغبة فى الحياة، ، تلك هى الصورة التى رأيت عليها أمى رحمها الله، كانت جدارًا هائلًا من الحزن والصلابة، ورغم هذا لم تكن تكف عن الضحك، كنت أتعجب ولازلت لماذا حين نضحك نتوقف فجأة كما كانت تفعل أمى لتقول: اللهم إجعله خيرًا، لماذا نرتدى الملابس الجديدة ونذهب فى العيد إلى المقابر، كانت رأسى مليئة بالأسئلة التى لايجيب عنها أحد. المقاهى الثقافية خصوصًا مقاهى البدايات لها دورًا فعّالًا ومؤثر ينعكس على الأديب هل توافق على ذلك؟ منذ كنت طالبا فى الثانوى وأنا ارتاد مقهى ريش، كنت أجلس وحيدًا وبعيدًا أراقب الكتاب الكبار من جيل الستينات وهم يصنعون صخبًا محببًا وجميلًا ويلتفون بدورهم حول أجيال من كبار الكتاب، شاهدت وأنا فى الصف الأول الثانوى نجيب محفوظ ولويس عوض ويوسف إدريس ويحيى الطاهر عبد الله وعبد الحكيم قاسم، وبهاء طاهر وأمل دنقل، كانوا بالنسبة لى كائنات القلب، أنظر إليهم من بعيد وأحلم بأن أكون بينهم، فى المقهى كنت أتلصص على كلام الكبار وأنبهر وأتعلم وأضحك، لم يكن متاحًا لى أن أصادق هؤلاء الكبار ولكن لم يكن أحد يمنعنى من التطفل .. ظللت زبونًا لمقهى ريش حتى ذهب به الانفتاح الاقتصادى إلى الضياع فكففت عن الذهاب إلى المقهى. * هل لك أن تقيّم أوضاع الثقافة والأدب فى مصر فى وقتنا الراهن؟ هناك أحمد عز فى صناعة السينما المصرية يجب أن يسقط. ونحن فى أكثر فترات تاريخنا إنحطاطًا وفشلًا فى كل المجالات، المنتج الثقافى والأدبى فى الحضيض، لاتوجد سينما لايوجد مسرح، لاتوجد موسيقى لا يوجد غناء، لقد استطاعت سينما الحماقة مثلًا طوال العشرين عامًا الماضية أن تقتل لدى الناس، الشغف بمشاهدة الأفلام السينمائية، وإذا مات الشغف بالسينما فإن السينما نفسها تموت، الشغف بالسينما يشير إلى أن فن الأفلام هى تجارب سحرية فريدة غير قابلة للتكرار وليس مستبعدًا أن حب الناس الذهاب إلى السينما قد انحسر، وأن شغفهم بها قد تأثر بالحماقة، لقد كانت الأفلام طوال العشرين عامًا الماضية مسرطنة للعقل، وملوثة للوعى والذوق، كانت بنت ايامها، فاسدة ومنحطة، لايمكنك الآن إعادة تدوير بلطية العايمة، أو اللمبى، أو إعادة تقليب جيوب المشاهدين الخاوية أصلًا، وحتى لو عاد إنتاج الأفلام إلى سابق عهده، فإن السينما كى تبعث من جديد فسوف يكون. * ما رأيك فى تحركات الإخوان فى الساحة السياسية حاليًا؟ يوجد فوضى كبيرة جدًا يخلقها الإخوان، أنهم يقودون سيارة مسرعة جدًا ليس بها فرامل، مصر الآن فى حالة يرثى لها وإذا استمر نهج الإخوان فى الإقصاء والرغبة المجنونة فى الاستحواذ على السلطة سوف يفسدون على أنفسهم وعلى مصر بكاملها، وعملهم ب«المصاطب الليلية، تذكرنى بالنصيحة التاريخية، لاتجادل الحمقى أبدًا لأنهم سوف يهبطون بك إلى مستواهم، فمنذ مجئ الرئيس الإخوانى المنتخب محمد مرسى إلى الرئاسة فى مصر، إنطلقت كل طيور الظلام من مخابئها، وبتنا نسمع عن أسماء ونرى أشكالًا من المصريين لم يسمع عنهم أحدًا من قبل، منهم من يدعو إلى الكراهية والقتل والذبح وتأديب المعارضين وإيداع منتقدى الرئيس السجون، بتهمة العيب فى الذات الرئاسية، ومطاردة المعارضين بدعاوى الحسبة التى لانظير لها فى العالم، ومنهم من يقذف النساء بفاحش الأوصاف بل يتجاوز أحدهم ويتهم ممثلة بالزنى وهى غير متزوجة أصلًا، إذا لم تكن من أصحاب اللحى فلن يطلق سراحك من المعتقلات والسجون، لآن الرئيس الذى هو منتخب من الشعب المصرى يخلى سبيل أهله وعشيرته من الملتحين، وطظ فى الباقيين على رأى صاحب أكبر « طظ » فى تاريخ الإخوان، وها هو وزير الإعلام يضع بصمته التاريخية على شاشة التلفزيون فى صورة مذيعة محجبة، ولايبحث عن حلول لدفع رواتب موظفيه أو لاسترداد القدرات الإنتاجية للتلفزيون المصرى، بل ويترك شيوخ الفضائيات بصياحاتهم الغوغائية المؤججه للإنفلات العصبى والعقلى والسياسى، وكأن اختيار رئيس إخوانى هو تصريح بالكراهية والإقصاء وشرعنة لإرهاب الآخرين.