كم مرة دخلت إلى مكان وتهيأ لك أنك قد دخلت هذا المكان من قبل؟ إنها بالفعل تكون المرة الأولى التى تطأ قدماك هذا المكان، إلا أنك تنظر باندهاش واستغراب وتقول فى نفسك: لقد سبق أن رأيت هذا المكان ومررت بنفس هذا الموقف من قبل! كيف وأين؟ نفس هذا الاندهاش ينتابك حين تجلس لتعقد صفقة أو تحضر ندوة، ثم تتطلع إلى وجوه الحاضرين أمامك وتغرق فى دهشتك، لأن ما يحدث أمامك بنفس الأشخاص والمكان والتفاصيل وحتى الأحاديث، موجود فى ذاكرتك وحدث لك من قبل! ترى هل كان حلما لم يلبث أن يتحقق أمامك بنفس التفاصيل الدقيقة على أرض الواقع، أم أن هناك عالما آخر عشناه واختزن فى ذاكرة اللاوعى هذه الأحداث، ثم استعادها المخ عندما تكرر نفس المشهد؟ نفس التجربة، وأسئلة كثيرة وحيرة أكثر تنتاب الإنسان ولا يجد لها تفسيرا، وفى العدد الأخير من مجلة «ساينس» العلمية وكذلك مجلة «ساينتفيك أمريكان»، نشر بحث أجراه فريق من العلماء الأمريكيين بقيادة د.«سوسوموتونيجاوا» أستاذ علم بيولوجيا الأعصاب فى معهد ماساسوستس للتكنولوجيا فى كامبردج، والحاصل على جائزة نوبل فى الطب عام 1987، بالتعاون مع جامعة بريستول بإنجلترا ليضع يده على التفسير العلمى لهذه الظاهرة التى يطلق عليها اسم Dejavu والمكان المسئول عن حدوثها فى المخ، وعدم مسئولية الأرواح ونظرية بتناسخها عن مثل هذه الظاهرة. والقصة تبدأ فى منطقة فرس البحر أو ما يطلقون عليه «قرن آمون» Hippocempus فى المخ، وهو الجزء المسئول عن الذاكرة أو مركز الذاكرة فى المخ، حيث يحتوى هذا المركز على خلايا وموصلات عصبية لديها القدرة على رسم خريطة مخية للأماكن والأشخاص والخبرات الحياتية التى يمر بها الإنسان وتختزن فى ثلاثة أماكن: ذاكرة عابرة، وذاكرة مؤقتة، وذاكرة دائمة حسب أهميتها بالنسبة للإنسان، ويتم استدعاؤها عند الحاجة إليها، والذى يحدث فى حالة «ديجافو» Dejavu كما توصل د. «تونيجاوا» فى بحثه أن هناك خللا ما يحدث فى قدرة مركز الذاكرة فى المخ على فهرسة المعلومات الجديدة، ومعاملتها على أنها معلومات وخبرات قديمة نتيجة لوجود بعض التشابه بينها وبين بعض الأشياء المختزنة فى الذاكرة العابرة Episodic memory التى لا يعيرها الإنسان اهتماما فى مرحلة الاستدعاء، فتبدو هذه الأشياء التى يراها أو يسمعها الإنسان لأول مرة وكأنها قد مرت به من قبل بنفس التفاصيل والأحداث، لأنها دخلت على شىء مشابه فى منطقة الذاكرة العابرة دون أن يدرى الإنسان ما هو هذا الشىء بالتحديد، وقد تمكن فريق البحث من خلال التجربة على الفئران من تحديد منطقة فى تلافيف مركز الذاكرة اسمها Dentate Gyrus هى بالفعل المسئولة عن هذا التصنيف وتحديد مدى الاختلاف بين ما يراه الإنسان الآن والخبرات الحياتية السابقة، حتى لا تخدع الذاكرة العابرة وتعتبره من ضمن الذكريات التى مرت بالإنسان من قبل، وتكمن أهمية هذا الاكتشاف فى أن معرفة هذه المنطقة واكتشاف وظيفتها على المستوى العصبى والجزيئى والكيميائى، سوف يمكن العلماء من تصنيع دواء لكى يعمل على هذه المنطقة، حتى يستعيد الإنسان قدرته على استعادة الذاكرة والتفريق بين ما هو جديد وما هو مختزن كجزء من الذاكرة، وربما كان هذا وسيلة مهمة لعلاج مرض «ألزهايمر» وغيره من أمراض الذاكرة . وبمناسبة الحديث عن «ألزهايمر» فهناك دواء جديد يسمى «بابينيوزوماب Bapineuzumal Or AAB-001» تجرب المراحل النهائية منه من خلال تعاون مشترك بين شركتى أدوية بين أيرلندا والولايات المتحدة، وهذا الدواء عبارة عن نوع من الأجسام المضادة أحادية التفاعل التى تتجه مباشرة إلى الدهون البروتينية المسماة «بيتا أمايلوبد» لتفككها، حيث إن ترسيب هذا النوع هو الذى يدمر الخلايا العصبية ويمحو الذاكرة، وبذلك يكون هذا الدواء إذا انتهت تجاربه النهائية بنجاح هو أول دواء يعالج مرض «ألزهايمر» علاجا فعليا، وليس علاجا من أجل وقف زحف المرض أو تحسين الأعراض.