كانت المنطقة العربية على موعد مع خبرين سعيدين فى هذا العام، أما أحدهما فكان فى فبراير، وأما الثانى فكان فى أبريل. الخبر الأول أعلنه الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى، يرحمه الله.. كان ذلك فى صباح السبت 6 أبريل، عندما كان الباجى يفتتح المؤتمر الانتخابى الأول لحزب «نداء تونس» الذى أسسه هو منتصف 2012، وكان المؤتمر نوع من الاستعداد من جانب الحزب لانتخابات الرئاسة، التى كانت ستجرى 17 نوفمبر المقبل، ثم جرى تقديمها بعد وفاته إلى 15 سبتمبر. وقد وجد الرجل فى مؤتمر حزبه فرصة مواتية، ليعلن من فوق منصته، وأمام عشرة آلاف كانوا حاضرين أمامه، أنه لن يرشح نفسه فى سباق الرئاسة المقبل، وأنه فكر فى الأمر، وأنه أصبح مقتنعًا بعد تفكير هادئ فى الموضوع، أن ترشحه من جديد ليس فى صالح بلده ! وكانت هذه فى حد ذاتها بارقة أمل فى منطقتنا العربية البائسة، التى تساقط الكثير من الرؤساء على أرضها، قبل ثمانية أعوام، بسبب طول بقائهم على الكرسى، ولا يزالون يتساقطون.. وقد كان تنحى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فى الجزائر فى 2 أبريل، ثم كان سقوط الرئيس عمر البشير فى السودان، بعد بوتفليقة بتسعة أيام، حلقتين جديدتين فوق بساط ممتد سقط على جانبيه الذين لم يستوعبوا الدرس أمام الشعوب. ورغم أن الفترة الرئاسية الحالية كانت هى الأولى للرئيس قائد السبسى، ورغم أن دستور بلاده كان يمنحه فترة أخرى مدتها خمس سنوات، إلا أنه فاجأ الحاضرين فى المؤتمر، وفاجأ التوانسة عمومًا، بقراره الشجاع الذى لم يكن متوقعًا منه على كل حال ! وليس من المكن إرجاع قرار الباجى إلى أنه كان رجلاً فى سن متقدمة.. فليس للسن علاقة بالموضوع فى مثل حالته، لأن صحته كانت تبدو جيدة بشكل عام، أولاً، ولأن هناك ثانيًا مَنْ هو فى مثل عمره، ويحكم فى الوقت نفسه !.. وأقصد مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، الذى بنى نهضة بلاده المعاصرة، فى ثمانينات وتسعينات القرن الماضى، ثم غادر الحكم، ليعود إليه من جديد منتخبًا قبل شهور، وهو فوق التسعين ! وليس واضحًا لماذا اتخذ الرئيس التونسى هدا القرار ؟!.. هل لأنه يرى فى رئيس وزرائه يوسف الشاهد مشروع رئيس أقدر منه على أعباء الحكم ومسئولياته ؟!.. ربما.. فالشاهد فى سن صغيرة، ويمتلك رؤية اقتصادية شجاعة، وعقلاً مستنيرًا، ويحظى بدرجة مناسبة من الشعبية بين الناخبين، وفوق هذا كله، فإن الرئيس الباجى قد راح يزكيه فى المؤتمر ويكاد يرشحه فى السباق ! وهذا مما سوف يظل يُحسب فى ميزان الرئيس التونسى فى كل الأحوال، لأنه كان يملك الترشح بنص الدستور، ولأنه لو كان قد قرر الحصول على فترة رئاسية ثانية، ما كان لأحد أن يلومه، ولا أن يعترض على قراره، ولأنه فيما بدا قد قدم صالح بلده على صالحه الشخصى ! ولم تكن هذه هى بارقة الأمل الوحيدة فى منطقتنا من حولنا، لأننا قبل شهرين من الآن، كنا على موعد مع بارقة أمل أولى من هذا النوع، وكانت قد جاءت من موريتانيا، عندما أعلن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، عدم رغبته فى الترشح من جديد، بعد أن قضى فى القصر فترتين رئاسيتين، كل فترة دامت خمس سنوات !.. وكان هذا أيضاً مما سوف يظل يُحسب فى ميزان الرئيس ولد عبد العزيز ! المنطقة العربية التعيسة التى نعيش فيها، يمكن أن تكون أقل تعاسة، بل يمكن أن تكون سعيدة شأنها شأن مناطق أخرى فى أنحاء العالم تنعم بسعادتها !.. ربما يحدث هذا لو تعددت فيها المبادرات فى المستقبل من نوعية مبادرة الرئيس الباجى، ومبادرة الرئيس ولد عبد العزيز، وعندها سوف تعرف السعادة طريقها إلى هذه المنطقة، وسوف ينعم مواطنوها بآدميتهم، وسوف لا يقل أى مواطن منهم فى مستوى حياته عن نظيره فى بلاد العالم المتطور !