تخطئ الحكومة إذا تصورت أن رفع أسعار الوقود الذى جرى بدايات هذا الشهر، لن يؤدى إلى ارتفاعات موازية فى الأسعار، فليست هناك سلعة يستهلكها المواطن، إلا والوقود أيًّا كان اسمه، قاسم مشترك أعظم بينها وبين غيرها من السلع ! وقبل أيام كان الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، قد طالب التجار بعدم رفع الأسعار، وكان هذا الطلب منه فى حد ذاته، دليلًا على أن رئاسة الحكومة تتوقع زيادة فى الأسعار، فتتحسب لها وتدعو التجار إلى الابتعاد عن هذا الطريق ! والقضية الآن ليست فى السؤال عما إذا كانت الأسعار سترتفع على المواطنين، أم أنها لن ترتفع، ولكن القضية فى مقدار الارتفاع، ثم فى مدى قدرة الحكومة وأجهزتها المختصة على منع التاجر الجشع من استغلال الظرف، والاستيلاء على ما فى جيوب الناس دون وجه حق ! والقضية أيضًا فى مدى قدرة الحكومة على أن تتبنى المزيد من برامج الحماية الاجتماعية، التى تحد من تأثير ارتفاعات الأسعار على محدودى الدخل، وعلى الذين لا طاقة لهم على التحمل إزاء جشع الكثيرين من التجار فى الأسواق ! إن رفع الحد الأدنى للأجور، الذى كان الرئيس قد أعلن عنه قبل فترة، خطوة ممتازة دون شك، فهذه هى المرة الأولى التى يزيد فيها الحد الأدنى للأجر بهذه النسبة العالية، ولكن هذه الخطوة وحدها لن تكون قادرة على إسعاف المواطن، إذا ما وجد نفسه وحيدًا فى مواجهة زيادات بغير ضابط فى الأسعار ! ولا أحد ضد أن يحصل التاجر على نسبة من الربح فى كل سلعة يبيعها، غير أن هناك فرقًا بين أن تكون هذه النسبة معقولة، ومقبولة، وفى حدود ما هو ممكن، وبين أن تكون اقتطاعًا من لحم المستهلك الحى !.. ولا بد أن أى مقارنة بين سعر أى سلعة لدى منتجها المحلى، وبين سعرها فى الأسواق، سوف تشير إلى أن الحلقات الوسطى بين المنتج وبين المستهلك ترفع سعرها ثلاثة أضعاف وربما أربعة ! ولذلك، لا تزال أسواق اليوم الواحد المعروفة فى بلاد كثيرة، حلًا ناجحًا بل وساحرًا، فهذه الأسواق تعرفها عواصم كثيرة فى العالم، وفكرتها تقوم على أساس أن يقام سوق فى كل حى من أحياء المدينة، وفى يوم محدد لا يتغير، وفى مكان ثابت كذلك، وفيه يأتى المنتج ليبيع سلعته الى المستهلك مباشرةً دون وسيط، فينخفض السعر تلقائيًا، لأن الوسطاء من تجار الجملة ومن تجار نصف الجملة يمتنعون، ولأن المنتج مهما كانت نسبة الربح فى جيبه، فإن سعر السلعة سيظل فى مقدور المستهلك صاحب الدخل المحدود ! وبقليل من التخطيط تستطيع الحكومة نشر مثل هذه الأسواق فى شتى المدن على امتداد الجمهورية، وتستطيع قطع الطريق على الوسطاء الذين لا يكفيهم ربح مهما كانت نسبته، ولا يردعهم رادع من ضمير، ولا من دين، ولا من أخلاق ! وليس سرًا أن منتجين كثيرين يفاجأون عندما يمرون على الأسواق، بأن السلعة نفسها التى باعها الواحد منهم فى أرضها بجنيهين للكيلو مثلًا، تباع بستة جنيهات على الأقل لدى تاجر التجزئة، أو لدى البائع الجوال، ولا يملك المنتج عندئذ إلا أن يضرب كفًا بكف، وهو يرى خللًا لا يستطيع هو إصلاحه، ولكن الحكومة تستطيع لأن عندها من الأدوات، ومن الوسائل، ومن الأجهزة المعنية، ما تقدر به على ضبط حركة الأسواق ! أسواق اليوم الواحد هى الحل، وهى فكرة موجودة فى بلاد كثيرة ولن نخترعها من العدم، وهى شديدة المفعول فى النزول بالأسعار إلى المستوى الذى يحتمله الناس !