يحاول الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ابتلاع هزيمته فى انتخابات المحليات التى جرت فى 31 مارس، ولكنه لا يستطيع رغم محاولات كثيرة من جانبه، ففى كل مرة كان يفشل وكانت الهزيمة تقف فى فمه، ولكنه لم ييأس ولا يزال يحاول! والغالب أن محاولته الأخيرة التى كانت صباح الثلاثاء 16 أبريل، سيكون مصيرها الفشل كذلك، ولن تختلف الحال معها عن المحاولات السابقة ! وهذه المحاولة الأخيرة كانت طعنًا تقدم به حزبه فى نتيجة انتخابات إسطنبول بالذات، فرغم أن حزب العدالة والتنمية الذى يرأسه قد تلقى عدة هزائم فى عدد من المدن الكبيرة، وخصوصًا أنقرة، وإسطنبول، وإزمير، إلا أنه يجد صعوبة بالغة فى استقبال هزيمة إسطنبول تحديدًا، ولا يجد لديه قدرة على الإقرار بها ! فلقد كان أردوغان رئيسًا لبلدية إسطنبول لربع قرن، قبل أن يصبح رئيسًا للحكومة فى مرحلة تالية، وربما يكون هذا هو السبب الذى يجعله غير قادر على الإقرار بالهزيمة القاسية التى لحقت بحزبه هناك ! وعندما تقدم فى البداية بطلب إعادة فرز أصوات عدد من الدوائر فى إسطنبول، وافقت اللجنة العليا للانتخابات، وأعادت بالفعل فرز عدة دوائر فى شرق المدينة، وكانت المفاجأة أن إعادة الفرز كشفت عن فشل مرشح حزب العدالة والتنمية، للمرة الثانية، ونجاح مرشح حزب الشعب الجمهورى للمرة الثانية أيضًا ! ومرشح العدالة والتنمية لم يكن أى مرشح، ولكنه بن على يلدريم، الذى كان رئيسًا للحكومة، وكان رئيسًا للبرلمان، وقد استقال من البرلمان وخاض انتخابات إسطنبول، ظنًا منه أنه فائز لا محالة، وظنًا من أردوغان أن مرشحه ورقة رابحة دون شك ! ورغم تاريخه السياسى، ورغم تجربته فى الحكومة، وفى البرلمان، إلا أن بن على يلدريم خسر فى مواجهة أكرم إمام أوغلو، الذى صار رئيسًا لبلدية إسطنبول بحكم الواقع على الأرض.. إنه واقع مسنود بأصوات الغالبية الحاصل عليها ! ولابد أن الخسارة فى هذه المدينة، وفى أنقرة، تعنى الكثير بالنسبة لأردوغان، وبالنسبة لحزب أردوغان.. فلو خسر فى كل المدن ماعدا هاتين المدينتين، ما كان طعم الخسارة قد جاء شديد المرارة هكذا على لسانه.. إن أنقرة هى العاصمة السياسية للبلاد، وإسطنبول هى العاصمة الاقتصادية، والخسارة فيهما لها رمزية عالية، بمثل ما إن لها وطأة قاسية على الحزب الحاكم ! وهناك شكوك كبيرة فى قبول الطعن من جانب اللجنة العليا، وحتى إذا قبلته، فهناك شكوك أكبر فى أن تأتى نتيجة الإعادة مختلفة عن نتيجة الجولة الأولى، لأن الواضح أن مزاج الناخب التركى قد تغير تجاه أردوغان، وتجاه حزبه، وتجاه سياساته، وتجاه قناعاته التى يتصرف فى الحكم على أساسها ! والغريب أن النتيجة فى مجملها هى لصالح العدالة والتنمية، ولكنه فوز بلا طعم فيما يبدو، وإذا شئنا الدقة قلنا إنه فوز بطعم الخسارة، وقلنا إن الأتراك قرروا معاقبة الرئيس التركى كما لم يعاقبوا رئيسًا تركيًا من قبل، وبدلًا من أن يبحث لماذا عاقبوه، فإنه يسعى إلى إعادة الجولة وكأنه واثق من اختلاف النتيجة ! والعقاب فى حالة كهذه يظل لسياسات داخلية تمس الناخب فى حياته، رغم سياسات خارجية خرقاء كثيرة يمارسها أردوغان فى المنطقة !