وصمة عار ممزوجة بنظرات دهشة تتحول إلى خوف إذا علم المحيطون أن مرتكبة الجريمة المفرج عنها مؤخرًا صاحبة سابقة قتل أو سرقة، لتخرج المرأة من سجن الداخلية إلى سجن المجتمع الذى ينبذهن ويرفض دمجهن فيه مرة أخرى.،"الصباح" ترصد فى هذا التحقيق حياة سجينات المجتمع بعد انتهاء مدة عقوبتهن. وُلدت "جمالات" السيدة الثلاينية فى بيت نشالين يخرج والداها صباحًا لسرقة الأموال من جيوب الراكبين، والملابس من المحلات والأسواق، عائدين بالأكل الحرام –بحسب وصفها– ورغم أنها الابنة الوحيدة التى تمردت ورفضت تعلم السرقة من والديها، فإن السجن كان قدرًا مكتوبًا لها، والسبب زيارة أختها المتزوجة من ابن عمها، إلا أن مشاجرة نشبت عندما اتهمت أختها من قبل سلفها (أخو زوجها) بسرقة هاتفه فوقفت جمالات تدافع عن نفسها ممسكة سكين إلا أنها قتلت ابن عمها عن طرق الخطأ، فدخلت السجن وعمرها 18 عامًا قضت فيه زهرة شبابها حيث حكم عليها بعقوبة 10 سنوات. جمالات من "قتالة قتلة" لمحفظة قرآن فى السجن انضمت جمالات إلى فتيات فى مثل عمرها لتحفظ القرآن، وتعرف لأول مرة أن أبويها ارتكبا ذنبًا كبيرًا لأنهما أطعما أولادهما مالًا حرامًا، وعقب خروجها من السجن لاحظت تغير معاملة الجيران عن ذى قبل، وأخبرتها جارتها بأنهم يلقبونها ب«قتالة قتلة» ويخشون أن تقتل أحدهم، لم تقف كثيرًا عن خوف المحيطين، وقررت العمل فى أحد المصانع لتتجنب الأكل الحرام –بحسب وصفها– وفى كل مرة تطلب منها إدارة المصنع الصحيفة الجنائية لا تحضرها خوفًا أن يرفدوها. تغمر عيناها الدموع وتقول إنها تصوم كثيرًا تكفيرًا عما ارتكبته، ولكنها لا تستطيع الصوم أحيانًا لعدم وجود مال تشترى به الفطور، فهى لا تريد أن تأكل من أكل أمها المسروق. ثم يعلو صوت بكائها، وتقول إنها تأخذ منها أموالًا أحيانًا رغمًا عنها، لتشترى عباءة أو حتى «شبشب» لكى تذهب به إلى العمل، وتدعو الله أن يسامحها هى ووالدتها. تنهى جمالات حديثها أنها لا تستطيع الخروج من هذه الدائرة المغلقة، فكلما تقدم لها عريس ويعرف بجريمتها، يذهب بلا عودة، حتى أقاربها ما زالوا يقاطعونها بعد كل هذه السنوات دون مغفرة. على الرغم من أن هبة سيدة أربعينية (من أبو حماد بالشرقية) لم ترتكب جريمة بل دخلت السجن لكونها غارمة؛ حيث كان لديها محل بيع ملابس هى وشركاء لها، وتراكمت عليهم الديون والأقساط، ولأن المحل باسمها هى، سُجنت عشر سنوات، فخرجت منه بلا مصدر رزق ولا ونس، فزوجها طلقها قبل خروجها بفترة ولا أحد من أهلها يرغب فى استقبالها، لتجد نفسها فى الشارع دون مأوى، فوفرت لها جمعية حياة شقة إيجار، بجانب تقديم دعم نفسى لها بسبب تأثر نفسيتها كثيرًا بسبب السجن والوحدة، وبدأت تعلم المشغولات اليدوية وبيعها. بينما لقصة "شروق" السيدة العشرينية تفاصيل أخرى، نشأت فى بيت متدين يحفظ القرآن، وتزوجت من سائق تاكسى، وأنجبت طفلتين لتستمر حياتهما الروتينية كأى زوجين، حتى تعرض الزوج لحادث، فتُقطع أصابع يديه، وترفضه أغلب الشركات التى يتقدم إليها للعمل، ويضيق عليه رزقه واضطر للعمل فى تجارة المخدرات وُقبض عليه لسنوات. لم تعتقد شروق أن المجتمع سيعاقبها على فعلة زوجها، فبدا لها أن ليس السجين وحده من يواجه احتقار المجتمع له، ولكن أسرة المسجون أيضًا. أخفت شروق نبأ حبس زوجها عن طفلتيها، وأخبرتهما بأنه مسافر، وامتلأت عينى شروق بالتحدى، وتحول الانكسار إلى تذكر لحظات الانتصار على عقباتها، فبعد أشهر كثيرة من المعافرة ومحاولة الاعتماد على نفسها من خلال شراء منتجات وبيعها للمحلات، تحولت نظرات جيرانها إلى نظرات احترام، بعدما وجدوا امرأة من حديد، عملت بشرف من أجل أطفالها وتحولت الهمهمات إلى عبرات الإعجاب لأنها بميت رجل. فقد كان التأهيل النفسى ورحلات العلاج لشروق من قبل جمعية حياة للتنمية نقطة تحول فى حياتها، وشعرت شروق بالقوة أكثر حين كُرمت فى مدرسة طفلتيها كأم مثالية، لأنهما من أوائل الطلبة دائمًا، ولم تتخل عن زوجها بعدما خرج بعد نصف المدة كحسن سير وسلوك ووعدها بعدم الرجوع إلى فعلته مرة أخرى، واستخراج رخصة قيادة للمعاقين. حب في الزنزانة لسماح ومصطفى قصة من قصص السجون والمجتمع والحب، فصعوبة وجود عمل واستكمال ما تبقى من العمر بعد الخروج من السجن هو عنوان قصتهم، فحبست شروق سنوات عدة بسبب إيصالات أمانة لم تستطع سدادها، تاركة خلفها طلفين، طلقها زوجها أثناء قضائها مدة العقوبة فخرجت وحيدة دون أسرة أو أهل. لم يتقبلها سوى شخص واحد مر بنفس ظروفها، فمصطفى الذى حُبس أكثر من مرة، آخرها خمس سنوات، فبرغم حالته المادية المتواضعة، تزوجها عقب خروجه من الحبس وأنجب منها طفلين آخرين، ويقول إن عدم توافر العمل له ولزوجته الذى يحيمهم من الاحتياج كان شبه معدوم بسبب سوابقه الكثيرة، إلا أنه يعمل الآن بمقابل ضئيل مقابل غسيل السيارات، مناشدًا المجتمع بضرورة تقبل الخارجين من السجن وتوفير عمل شريف لهم حتى لا يعودون مجددًا بسبب الدوافع الاجتماعية والنظرة الدونية لهم. تأهيل السجناء يقول محمد جمال، مسئول الوحدة القانونية لجمعية حياة للتنمية المجتمع، والمعنية بتأهيل السجناء، أن المشروع التى تعمل عليه الجمعية هو استهداف 300 سجين، 75فى المائة من النساء، و25فى المائة من الرجال، فى أربعة سجون فى عدة مدن، وهى بنها والزقازيق وبورسعيد ودمنهور إسكندرية، بمعدل تأهيل 100 سجين كل عام، بهدف تأهيلهم نفسيًا واجتماعيًا، وتدريبهم وتوظيفهم سواء فى مصانع أو توفير مشوعات صغيرة لها، وكشف عن مشروع جديد بالتعاون مع جمعية رعاية المسجونين وأسرهم، بإنشاء أول ملجأ آمن للنساء الخارجين من السجن، لأن أغلبهن يتخلى عنهن أسرهن ولا يجدون مأوى لهن، وأيضًا أنهم يعملون على مشروع قانون، لعقوبات بديلة للغارمات خدمة المجتمع، بدلًا من سجنهن خاصة اللائى يحكم عليهن بأشهر قليلة. ويتابع: وفقًا للمشروع فإن السجناء يعانون من الانعزال عن المجتمع، وبناء عليه تهدف مؤسسة حياة إلى تحسين إمكانية حصول المرأة على فرص حياة متساوية من خلال إيجاد وظائف لائقة بفئاتها من النساء المستهدفة، وتأمين مهارات التمكين الاقتصادى ورفع الموانع القانونية والنفسية والاجتماعية،وتحسين ظروف العمل، فضلاً عن التمكين الاقتصادى وإزالة الوصمة، وتوفير أماكن عمل خالية من العنف. تضيف دينا عبدالرحمن، الأخصائى النفسى بالمؤسسة، أنهم يستهدفون الفئة من 18 عامًا وحتى 45 عامًا، وتختلف الجرائم التى يقبلون أصحابها بالمؤسسة من قتل ودعارة ومخدرات وإيصالات أمانة، ويعملون على إعادة تأهيل ودمج الحالة مع المجتمع، بسبب تطبعهم بطباع إجرامية أو وجود انتهاكات نفسية، ويكون مدة التأهيل ثلاثة أشهر، ثم بدء تعلمها مهارات حياتية ودراسة جدوى وكيفية التوفير، ثم التمكين الاقتصادى بحسب كل حالة وشخصية، وذلك بالتعاون مع الأخصائى النفسى، فمنهم من يستطيع أن يعمل فى مشروعات صغيرة، ومنهم من يجب عمله تحت قيادة مسئول مثل العمل فى المصانع.