«مصر وطن يعيش فينا وليس وطناً نعيش فيه».. هذه العبارة الشهيرة التى قالها البابا شنودة، والتى تبين مدى وطنية الأقباط ومدى عشقهم لمصر، بدأت تدخل فى امتحان عسير فى الأعوام القليلة الماضية.. ظاهرة جديدة بدأت تنتشر بين الأقباط المصريين لم نعتد عليها، وتؤكدها الأرقام.. وهى ظاهرة اللجوء الدينى لدول غربية. العديد من الأقباط وجدوا أن الظروف الحالية فى مصر لا تسمح لهم بالاستمرار فى الحياة بكرامة وحرية وأمن، فقرروا اللجوء لأمريكا، وللعديد من الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وهولندا، وأيضا كندا وأستراليا، بينما الغريب أن جورجيا تعتبر أكثر الدول التى تمنح اللجوء الدينى للأقباط. إحباط الأقباط من الاستمرار فى مصر راجع لأسباب كثيرة أهمها فترة حكم الإخوان التى تميزت باضهاد عام، وحالة الانفلات والعنف التى تحدث من أتباعهم الآن فى الشارع، مع استهداف المسيحيين المصريين بشكل خاص. الإحصاءات تؤكد أن أكثر المحافظات التى غادرها الأقباط هى محافظة المنيا، وبالتأكيد يعود ذلك إلى أنها أكثر المحافظات تعرضًا للحوادث الطائفية. الأوراق المطلوبة النشطاء الأقباط اجتهدوا فى جمع تفاصيل الأوراق المطلوبة من كل قبطى يريد الحصول على حق اللجوء، وكان بيانها كالتالى: 1- استمارة رقم 842، تملأ وتوقع من قبل مقدم الطلب الرئيسى، وكل شخص مشمول بالطلب. 2- استمارة رقم 681، تملأ وتوقع من قبل المتعهد أو الضامن إن وجد. 3- نسخة من جواز السفر لكل شخص مشمول بالطلب. 4- نسخة مصدقة ومترجمة من عقد الزواج، فى حال إذا كان مقدم الطلب متزوجًا. 5- نسخة مصدقة ومترجمة من شهادة الوفاة أو الطلاق، إذا انطبقت إحدى هذه الحالات على مقدم الطلب. 6- نسخة مصدقة ومترجمة من بطاقة هوية الأحوال الشخصية والجنسية لجميع الأشخاص المشمولين بالطلب. هذه ضرورية للأطفال لبيان أسماء الوالدين فيها. 7- أربع صور حديثة بنفس حجم المستعمل فى جوازات السفر لكل شخص مشمول بالطلب مهما كان عمره. 8- شهادة التسجيل أو الحماية المؤقتة من الأممالمتحدة (UNHCR) فى دولة اللجوء الأولى إن وجدت. 9- نسخة مصدقة ومترجمة من أية وثيقة أو مستمسك رسمى أو غير رسمى تؤيد المعاناة أو الاضطهاد الذى تعرض له مقدم الطلب فى بلده الأم. وفى حالة الموافقة المبدئية على طلب تقديم اللجوء واستلام بريد إشعار بذلك منهم ستقوم السفارة الأجنبية بطلب استمارة تحقيق الهوية رقم 80 مستقلة لكل شخص مشمول بالطلب تملأ وتوقع من قبله، فقط بعد أن يتم القبول المبدئى وتطلب من قبل السفارة. سألنا حنا حنا، المحامى الدولى بأمريكا، عن شروط الولاياتالمتحدة لمنح اللجوء الدينى لأراضيها، فقال إن مَنْ يريد اللجوء الدينى لأمريكا يجب عليه أن يدخل أمريكا أولًا بفيزا رسمية صحيحة، ومن داخل الأراضى الأمريكية يطلب من الحكومة اللجوء الدينى، أما إذا ذهب للسفارة الأمريكية فى مصر، وطلب ذلك فلن يقبل طلبه. حنا أوضح أن اللجوء الدينى يتم على مرحلتين، أولاهما أن يطلب الشخص من ضابط الجوازات الموجود بالمطار اللجوء الدينى، وهنا يسرد الوقائع التى دعته لذلك ثم يحكى ماذا سيحدث له لو عاد مرة أخرى إلى بلده (مصر فى هذه الحالة) وفى حال اقتناع الضابط بكلامه سيبدأ فى عمل إجراءات اللجوء الدينى، وفى حال عدم قناعته فسوف يحيله للقاضى الذى سيحدد له جلسة استماع لطلبه ومناقشته فيها، فإذا اقتنع القاضى، سيعطيه حق اللجوء، أما إذا رفض منحه هذا الحق فمن حق الطالب الاستئناف. المحامى الدولى أكد أن هذا الشكل القانونى مطبق بأمريكا، وأغلب دول أوروبا وكندا أيضًا، أما أمريكا فهناك حكم قضائى مطبق إلى الآن، وهو أن الحكومة الأمريكية لكى تعترف بأن الفرد مضطهد دينيًا فلابد أن يقدم مستندًا يفيد ذلك، أو شهادة موثقة تثبت هذا الاضطهاد بشكل فعلى، لأن السلطات لا تقبل الكلام على علاته. صحيفة «الديلى تليجراف» نشرت تقريرا قالت فيه إن هناك حالة من الرحيل الجماعى للأقباط المصريين إلى الخارج، موضحة أن عشرات الآلاف من المسيحيين المصريين غادروا مصر فى أعقاب الثورة وسيطرة الإسلاميين على الحياة السياسية. وأضافت الصحيفة أن الكنائس القبطية فى الولاياتالمتحدة تعمل على توسيع نشاطها للتعامل مع الوافدين الجدد. بينما قدرت صحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية أعداد المصريين الذين لجأوا لأمريكا هربًا من الاضطرابات السياسية فى ظل حكم الإخوان بحوالى 1867 فى العام الماضى فقط، وهو ما يعادل 6 أضعاف المهاجرين الأقباط فى عام 2010، وأوضحت الصحيفة -وفقًا لأرقام وزارة الخارجية الأمريكية- أنه منذ أكتوبر الماضى وحتى الآن، منحت أمريكا اللجوء ل 1417 مصريًا، مقابل 1867 لعام 2012 كاملًا، و837 فى عام 2011. الصحيفة أضافت أن كثيرًا من المصريين، مسلمين وأقباطًا، مستعدون الآن لبيع كل ما يملكون للحصول على تذكرة هجرة بسبب الاضطرابات التى تتزايد منذ اندلاع الثورة فى 2011، لكن الأقباط يعانون أكثر من غيرهم، وقالت الصحيفة إن كثيرًا من المسيحيين، ومنهم رجال أعمال ناجحون، إما تركوا البلد فى 2013 أو يستعدون لذلك بسبب ظروف الاقتصاد الخانقة، وخوفًا من اضطهاد الحكومة السابقة، التى كان يسيطر عليها الإخوان، واستدركت قائلة إن رجال الأعمال المسلمين يعانون أيضًا من ارتباك الحكومة، وسوء إدارتها للملف الاقتصادى، وتابعت إن الأقباط مرحب بهم فى الخارج، ف«جورجيا» تمنح الجنسية لكل قبطى مستعد لاستثمار 20 ألف دولار، والحكومة الأمريكية تسهل إجراءات لمن يتقدم منهم للجوء الدينى. جورجيا جنة الأرثوذكس مؤسسة «كوبتس نتيشيل جورجيا» العالمية ومقرها دولة جورجيا كشفت عن زيادة كبيرة فى عدد أقباط مصر المهاجرين التى وصلت حتى أغسطس الماضى إلى 120ألف قبطى غادروا مصر إلى جورجيا خلال 18 شهرًا بسبب الحالة التى يعيشها المجتمع القبطى من القلق والرعب، وشهد عام 2012، وبداية عام 2013 أكبر نسبة لتهجير الأقباط من مصر حيث أثبتت إحصاءات المؤسسة العالمية للأقباط أن هناك أكثر من 170 ألف قبطى سيصلون إلى جورجيا حتى نهاية العام، طبقًا للحجوزات التى تمت مع الشركات الجورجية. وكشفت إحصاءات المؤسسة أن النسبة الأكبر من المهاجرين كانت لرجال الأعمال وأطباء ومهندسين، بل لأول مرة يهاجر رجال الدين المسيحى من مصر، حيث وصل عددهم إلى 4 كهنة من الكنيسة الأرثوذكسية وإنجيلى واحد، ويرجع هذا إلى زيادة نسبة الأقباط فى جورجيا، وهو ما جعل الكنيسة القبطية ترسل كهنة جددًا لعمل صلوات وقداسات بجورجيا. الدراسة وضعت محافظات القاهرةوالمنيا والجيزة وسوهاج والإسكندرية وأسيوط على رأس قائمة أعداد الهجرة، وهى القائمة التى قدمت 62% من حجم الهجرة لجورجيا فى حين احتلت محافظات قنا والبحيرة والفيوم نسبة ال 38% الباقية. د. ماهر جورج رئيس المؤسسة العالمية للأقباط، ومقرها جورجيا، قال إن تحليل الظاهرة سيكشف هروبًا جماعيًا لرجال الأعمال والأطباء والمهندسين وتجار ذهب ومجوهرات ورؤساء الأموال القبطية من مصر إلى جورجيا نتيجة الاضطرابات السياسية المتتالية منذ 2011، وكشف جورج أن البداية تتم عن طريق شركات بالقاهرة والإسكندرية والمنيا تقدم خدمات التهجير مقابل ألفى دولار، ثم إجراء «إنترفيو»، والحصول على التأشيرة إلى جورجيا مقابل 200 دولار لكل فرد. جورج اعتبر أن من أبرز الشركات التى تقوم بتنظيم الإجراءات فى مصر وتحجز تذاكر الطيران هى شركة «إتش سى»، ومقرها مصر الجديدة، وتستغرق الرحلة 14 ساعة يتم فيها عمل ترانزيت مرة واحدة، كما تقوم الشركة بعمل التأمين الصحى وحجز الفندق بالعاصمة الجورجية «تبليسى.» وعقب الوصول إلى العاصمة تبليسى يدفع المهاجر لليلة إقامة واحدة 50 دولارا فى فندق نجمتين، ثم يلتقى فى اليوم الثانى محاميا من جورجيا يتم التعاقد معه بواسطة شركة «إتش سى» مقابل 3 آلاف دولار، ثم بعدها تتخذ إجراءات إنشاء شركة أو شراء أرض أو غيرها من طرق الاستثمار التى يفضلها المهاجر المصري، الذى يجب عليه فى هذه المرحلة فتح حساب بنكى بمبلغ لا يقل عن 10 آلاف دولار كمبلغ مبدئى يدل على جديته فى البقاء داخل تبليسى.
وتابع جورج أنه فى الأسبوع الأول تقدم الأسرة للأطفال بالمدارس الأجنبية التى تعمل باللغة الإنجليزية، وتكون الدارسة للفرد الواحد بألفى دولار فى المرحلة الأولى الابتدائية وهى كبرى الأزمات التى يعانى منها المصريون هناك. وقال المهندس أنطون سليمان جرجس، من رجال الأعمال المصريين بجورجيا، إن شهر يوليو القادم ينتظر أكبر عملية هجرة قبطية، حيث تشير الحجوزات إلى سفر 40 ألف قبطى، والذين سيصدمون بالواقع الأليم الذى ينتظرهم، لأن جورجيا دولة فقيرة، وليس لها أى موارد غير الزراعة، وعلل حماس هجرة الأقباط لها هو أن معظم سكانها مسيحيون. حيث تصل نسبة المسيحية الأرثوذكسية من الكنيسة الجورجية (81.9٪) والأرمينية الرسولية (3.9٪)، والكنيسة الأرثوذكسية الروسية (2.0٪)، وكاثوليك (0.8٪) وتحتل الديانة الإسلامية المركز الثالث بنسبة (9.9) وفقاً لآخر إحصائية رسمية للحكومة الجورجية. وأكد القس غبريال منير، قس إنجيلى بجورجيا، أنه يتوقع ارتفاع هذه النسب فى الأشهر القادمة إلى 10 أضعاف بسبب فتح باب الهجرة لجورجيا، وتسهيل الإجراءات للعمل فيها والهجرة إليها. ألمانيا والصعيد من جانبها رصدت السلطات الألمانية فى تقرير لها عن طلبات اللجوء، موجة غير مسبوقة من طلبات اللجوء لألمانيا من قبل أقباط مصر بعد30 يونيو الماضى. فبعد الحديث عن موجة هجرة الأقباط للولايات المتحدةوكندا، فجرت صحيفة بيلد، أشهر الصحف الألمانية، مفاجأة بالكشف عن أن عدد اللاجئين الأقباط إلى ألمانيا فى ازدياد، وبلغ خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط 564 مصريًا غالبيتهم من الأقباط. وحسب الشرطة الاتحادية فى مدينة بوتسدام فإن المصريين اللاجئين كلهم يستخدمون نفس الأسلوب للوصول إلى الأراضى الألمانية، حيث إن القوانين هناك تلزم طالب اللجوء أن يطأ الأراضى الألمانية أولا كشرط لتقديم طلب اللجوء. فلجأ المصريون إلى حيلة ذكية حيث يستقلون رحلات طيران تابعة لشركة لوفتهانزا من القاهرة إلى تفليس فى جورجيا، ويحجزون التذاكر ذهاب وعودة، ولكنهم يستغلون التوقف ترانزيت فى مطارى فرانكفورت أو ميونيخ للتوجه لسلطات المطار، وتقديم طلباتهم للجوء إلى ألمانيا بسبب ما يتعرضون له من ملاحقة فى مصر. ويبدو أن الأقباط وجدوا فى هذه الطريقة حلًا مؤقتًا فى ظل رفض الحكومة الألمانية الاستجابة لمطالب سياسيين ألمان عديدين، وكذلك أسقف الأقباط فى ألمانيا الأنبا دميان، بأن تفتح برلين الباب على الأقل لاستقبال الأقباط المضطهدين أو المصابين بسبب الاعتداءات، وأن تضع برنامجًا خاصًا بهم أسوة بما فعلته مع مسيحيى العراق أو المسيحيين المضطهدين فى سوريا. ويؤكد الأنبا دميان، والذى تبلغ عدد جاليته القبطية فى ألمانيا حسب تقديره8500 مصرى قبطى، أن السماح للأقباط بالقدوم لألمانيا مفيد للطرفين معًا، فعلى سبيل المثال تعانى مصر من فائض فى الأطباء، والأقباط منهم يجدون صعوبة فى الحصول على عمل، بينما تعانى ألمانيا نقصًا كبيرًا فى الأطباء. فى حين رأت صحيفة «دى تسايت» الألمانية فى تقرير حديث أن العنف الممارس بكثرة فى مصر حاليا من قبل «الإخوان المحبطين» لا يقتصر على الأقباط وحدهم، بل هو موجه للمجتمع ككل، وكأنه عقاب تشنه الجماعة على كل من تحرك ضدها فى 30 يونيه، ويدفع ثمنه المسلمون المعتدلون مثل الأقباط بالضبط، ويطال كافة منشآت الدولة المصرية. الصحيفة الألمانية قالت فى تقريرها إن العنف الإخوانى هدفه تعطيل الحياة العامة والإضرار بها؛ عملا بمبدأ هدم المعبد على من فيه، انتقاما من عزل الرئيس مرسى والقضاء على المستقبل السياسى للجماعة، فالصراع -حسب الصحيفة الألمانية- ليس بين الإخوان والأقباط كما يصوره الإعلام، بل هو فى الحقيقة بين الإخوان والجيش، ويتم استخدام الأقباط بداخله كورقة ضغط فقط للإيحاء بإمكانية إشعال حرب أهلية فى مصر قد تدفع الغرب للتدخل. حالة حنا حنا.ج مواطن قبطى بسيط، جاء من المنيا طالبًا اللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية لأسباب دينية، وفى طلبه أكد أنه تعرض فى بلده للملاحقة والاضطهاد من قبل حركة إسلامية، وفى حالة إجباره على العودة إلى ألمانيا سوف يتم قتله. دائرة الهجرة التى استلمت طلبه، وفرت له مترجمًا ووكيلًا قانونيًا، والوكيل القانونى إما يكون شخصًا متخرجًا من كلية القانون ومازال تحت التدريب العملى أو شخص مر بتلك الأمور، ويحمل لقب محامٍ، وقضية لجوء حنا تدفع تكاليفها الدولة على أساس قانون المساعدة القضائية الذى يطبق على الأشخاص الذين لا دخل لهم أو دخلهم السنوى قليل تدفع تكاليف الدعوة مباشرة إلى المحامى والمترجم. اللجوء للخلاص د. منال زكريا أستاذ علم النفس قالت إن مصر شهدت فى الفترة الماضية انقسامًا مجتمعيًا ليس فقط الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، بل حتى بين المسلمين وبعضهم، ما بين سلفيين وإخوان مسلمين وغيرهم، كما رأينا ما حدث للشيعة من اعتداءات، وما حدث للأقباط من حرق كنائس، وهذا يفسر هروب الأقباط إلى اللجوء الدينى لأنهم فقدوا الأمن والأمان، وقرروا البحث عن مجتمع بديل يوفر لهم احتياجتهم الأساسية. كما أكدت د. منال أن الكنيسة يمكنها لعب دور أساسى فى طمأنة الأقباط بأن الأحوال تحسنت بعد ثورة 30 يونيو، وأنه برحيل دولة الإخوان ستتحسن أحوال الأقباط بشكل كبير وتستعيد الدولة طابعها المدنى الذى يتمناه أغلب شرائح المجتمع المصرى، وأن مصر فى طريقها لأن تعود من جديد «بلد الأمن والأمان» كما كانت طوال التاريخ.