رغم موافقة مجلس الشورى على مشروع قانون الصكوك إلا أن الملابسات التى أحاطت بمناقشة هذا القانون ستنعكس مستقبلا على علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالسلفيين بسبب اعتراضهم على عدد من مواد القانون وكذلك على علاقة الجماعة بمؤسسة الأزهر الشريف بعد موافقة "الشورى" علي مشروع القانون دون عرضه على هيئة كبار العلماء بالمخالفة للمادة الرابعة من الدستور. يمكن القول أن الخلافات بين حزب النور السلفي وحزب الحرية والعدالة بسبب مشروع قانون الصكوك لم تكن لتشتعل بهذه الدرجة إلا فى ظل وجود أزمة محتدمة بين الطرفين على خلفية بعض المشاهد السياسية مثل ما أثير مؤخرا بشان اعتراض قيادات "النور" على أخونة الدولة وكذلك حرب التصريحات التى اندلعت بين الجانبين فى إعقاب إقالة الدكتور خالد علم الدين مستشار الرئيس محمد مرسى لشئون البيئة.. وفى ظل هذه المعطيات كان من المنطقى أن تشتعل حرب التصريحات أيضا بين الطرفين بشان قانون الصكوك. في هذا الإطار اصدر حزب النور بيانا تبرأ فيه من إصدار مجلس الشورى لقانون الصكوك رغم تحفظ الحزب على أغلب مواد القانون منها ما يهدده بعدم الدستورية كعدم العرض على هيئة كبار العلماء مما تسبب في غضب نواب الحزب وكذلك معظم شيوخ الأزهر في مجلس الشورى الذين طالبوا بالاستمرار في المناقشة على ألا يطرح القانون للموافقة عليه جملة إلا بعد أخذ رأي هيئة كبار العلماء وهو ما وافق عليه الجميع وهو ما لم يقوم به رئيس المجلس. وأكد البيان أن "النور" و"الحرية والعدالة" اعترضا على ما قدمته وزارة المالية من قانون لا يحمي أصول الدولة ومن وقتها قامت اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشورى بإعداد مشروع قانون قائم على المشروع القديم الذي قُدم في مجلس الشعب وكانت فيه ضمانات كافية بشأن جميع أنواع ملكية الدولة من أصول ثابتة مملوكة ملكية عامة والأصول الثابتة المملوكة ملكية خاصة مثل "القطاع العام. وأضاف الحزب فى بيانه.. انتهت اللجنة من مشروعها ورفعته إلى رئيس المجلس في 17 فبراير الماضى إلا أنه لم يعرض للتصويت حتى ورد مشروع وزارة المالية فى 4 مارس وفيه نفس عيوب المشروع الذي رفضه الأزهر.. وأحيل قانون الحكومة للجنة المالية والاقتصادية وفوجئ أعضاء حزب النور بأن معظم أعضاء اللجنة منحازين لرؤية مشروع الحكومة بشأن ضوابط إصدار الصكوك الحكومية وبعد عناء طويل تم حظر بيع وإجارة الأصول الثابتة المملوكة ملكية عامة في حين سمح بإيجار الأصول الثابتة المملوكة ملكية خاصة وبدون سقف زمني وهو ما يعد صورة أخرى من صور الخصخصة لا يمكن تمريرها بعيدًا عن الرأي العام.. كما لم يتضمن القانون تنظيمًا لتصرف الحكومة في بيع الدولة لموارد لم تحصل عليها بعد مثل بيع ما يتوقع إنتاجه من معادن مثلا مما يخل بمبدأ التنمية المستدامة. وتابع "النور".. حزب الأغلبية لم يعرض القانون على هيئة كبار العلماء إهدارًا للمادة الرابعة من الدستور وهي الأزمة التي انتهت بوعد رئيس المجلس بعرضه على هيئة كبار العلماء بعد مناقشته مادة مادة ثم عودته عن ذلك في اليوم التالي مبررًا هذا بأنه شكَّل لجنة قانونية أفادت بعدم قانونية عرض القانون على مجلس الشورى. وطالب الحزب التعرف على متى شكلت اللجنة؟ ومَن الذي شكلها؟ ومن هم أعضاؤها؟ وأين اجتمعت والفرق بين القرارين الصادرين فى أقل من 24 ساعة؟! وهل هي تابعة لرئيس مجلس الشورى أم للمجلس نفسه؟ وأين ذهب تقريرها؟!.. مضيفا.. القانون من حيث المضمون يتضمن خللاً فادحًا في حق حماية أصول الدولة وإذا كانت الأغلبية ترى خلاف ذلك فهذا حقها ولكن من حقنا أن نسجل تبرؤنا من هذا القانون وليتحمل الموافقون عليه مسئوليتهم أمام الله تعالى ثم أمام الناس. وأكد الحزب أن القانون يعتمد على عقود فيها جدل شرعي بل تخالف رأي جمهور العلماء كالبيع باشتراط إعادة البيع للمالك والتي تعتبر بيعتين في بيعة.. ومثل عقود الاستصناع التي لم يجيزها غير الأحناف وعقود المغارسة التي لا يجيزها غير الظاهرية ولذلك فإن اجتهاد هيئة كبار العلماء مهم جدًّا هنا ليعتبر رافعًا للخلاف في المسألة. كما شنت قيادات الدعوة السلفية المرجعية الشرعية لحزب النور هجوماً على مشروع قانون الصكوك حيث أكد عبدالمنعم الشحات إن القانون ينحاز للسلطة التنفيذية ويطلق يدها فى كثير من الأمور وهو ما يخل بالتوازن بين السلطات ويعطى وزير المالية حق تعيين الهيئة الشرعية وهيئة الرقابة المالية ووضع اللائحة التنفيذية للقانون.. موضحا أن القانون أخفى المسوق وجعله ضامراً غير ظاهر إطلاقاً وهذا سيصنع مشكلات. تداعيات موافقة مجلس الشورى على مشروع الصكوك تجلت أيضا على صعيد آخر هو الأزهر الشريف نتيجة لعدم عرض القانون على هيئة كبار العلماء قبل التصويت عليه خاصة أن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر شيخ الأزهر ورئيس هيئة كبار العلماء كان قد تسلم مشروع القانون من مجلس الشورى خلال الفترة الماضية وأحاله إلى لجنة البحوث الفقهية بهيئة كبار العلماء والتى عكفت على إعداد تقرير شامل حوله وكان من المقرر مناقشته خلال أيام إلا أن مجلس الشورى أقر القانون. ما أثار حفيظة علماء الأزهر الشريف بعد موافقة مجلس الشورى على مشروع قانون الصكوك أيضا تصريح الدكتور محمد الفقى القيادى بحزب الحرية والعدالة ورئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى أن موافقة المجلس على القانون نهائية.. نافيا أن يكون هناك أى رفض مجمع البحوث الإسلامية أو غيره من الجهات للمشروع.. وأوضح أن بعض خبراء القانون الدستورى فسروا المادة الدستورية الخاصة بعرض المشروع على هيئة كبار العلماء بجواز عدم العرض طالما لا يوجد خلاف عليه مشيرا إلى أن المشروع استوفى كافة الإجراءات القانونية. وتعقيبا على غياب الأزهر فى الجلسات الخاصة بمناقشة مشروع القانون قال الفقى إن مجلس الشورى فى دولة دستورية قانونية وله حق التشريع للبلد ولا نريد العودة للوراء والدخول فى مناقشات جدلية خاصة أننا أخذنا بملاحظات مجمع البحوث الإسلامية التى أبداها حول قانون وزارة المالية للصكوك والذى تم رفضه من قبل والمجلس فى النهاية سيد قراره فى هذه المسائل. وقد أثارت هذه التصريحات استياء علماء الأزهر الشريف ورأوا أنها تمثل تهميشا لدور الأزهر فيما يتعلق بأخذ راي هيئة كبار العلماء عند إصدار القوانين وهو ما نص عليه الدستور.. وفى هذا الإطار أعلنت مشيخة الأزهر الشريف فى بيان لها أنه لم يُطلَب منها ولا من هيئة كبار العلماء بالأزهر أن تُبدى رأيها فيما يُعرَف ب"قانون الصكوك".. وأوضحت أنه لم يُقدَّم لها القانون من جهة رسمية، ولا تَرَى المشيخة الآن داعيا لإبداء الرأي فى قانون تمت الموافقة عليه من الجهة التشريعية المختصة من حيث المبدأ وتمت الموافقة عليه مادة مادة، وأُقرّ بصفة نهائية. فى السياق ذاته.. أكد المستشار محمد عبد السلام المستشار القانونى لشيخ الأزهر أن عرض مشروع الصكوك على الأزهر موجود فى المادة الرابعة من الدستور وأن الاتفاق كان على أن تكون هيئة كبار العلماء المختصة بمسألة الفصل فى مدى اتفاق المشروع مع الشريعة من عدمه. وأشار إلى أن الاستناد إلى أن رأى الأزهر استشارى صحيح لكن يجب العرض عليه ولا جدال فى أن مجلس الشورى مهيمن على عملية التشريع بالكامل ولكن عرض القانون على الأزهر يحصنه من الطعن عليه دستوريا.. موضحا إن قانون الأزهر الشريف يؤكد أنه يمثل كل المرجعية فى كل ما يتفق والإسلام وما يتعلق به مثل مشروع الصكوك الذى يتوجب أن يتم عرضه مثلما نص الدستور على ذلك. كما شن الدكتور نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الأسبق وعضو مجلس الشورى هجوما شديدا على مجلس الشورى على خلفية توجيه الدعوة لعدد من أعضاء هيئة كبار العلماء لمناقشة المشروع وقال إنه من غير المقبول أن توجه دعوة إلى بعض أعضاء هيئة كبار العلماء للحضور إلى المجلس لمناقشة القانون باعتبار أن الأزهر هيئة مستقلة يحال إليها مشروعات القوانين ولا تُستدعى إلى المجلس.. مؤكداً أن مجمع البحوث الإسلامية أبدى ملاحظات على مشروع قانون الصكوك السابق ويجب إرسال مشروع القانون الجديد إلى هيئة كبار العلماء للتأكد من أنه تم الأخذ بالملاحظات السابقة لطمأنة الشعب. وكان علماء الأزهر قد أبدوا اعتراضهم على ن مواد القانون فى نسخته الأولى.. حيث أكد الدكتور القصبى زلط عضو هيئة كبار العلماء وعضو مجلس الشورى على أن مجمع البحوث تحفظ على مشروع الصكوك عند عرضه عليه لخطورته على أصول الدولة مؤكداً أن الأزهر لن يوافق على القانون ما لم يحدد كيفية سداد المستحقات على أصول الدولة الثابتة وهو ما يعرض أصولها لخطر البيع عند العجز عن السداد. كما أكد الدكتور محمد مهنى مستشار شيخ الأزهر وعضو مجلس الشورى أنه من الضروري ألا يخالف القانون شرع الله بفهمه المتعمق للشريعة وليس الفهم الظاهرى فقط.. وطالب بعمل الدراسات الفقهية المتعمقة للعلماء المتخصصين وذلك لتنوع أشكال المعاملات ما بين خطابات اعتماد وبطاقات ائتمان وكل له تشريحات دقيقة ورسائل وكل له فهم مختلف عند كل فقيه ويجب دراستها من قبل مجمع البحوث. وطالب الدكتور محمد الشحات الجندى عضو بهيئة كبار العلماء بمراعاة الأصول العامة والشركات وتوجيه هذه الصكوك لمشروعات تنموية بدلا من توجيهها لسداد المستحقات فقط.. مؤكدا أن المشروع الذى رفض من الأزهر كان به عوار كبير لأنه يخالف الصحيح بالتعامل على الأصول الثابتة للدولة التى يمتلكها الشعب بأجياله المختلفة. كما طالب بألا يكون الأجانب لهم صكوك ملكية شائعة مؤكدا أن المشروع لابد أن يمر على مجمع البحوث وهيئة كبار العلماء معا للموافقة عليه. ورغم كل هذه الملاحظات والاعتراضات التي أبداها علماء الأزهر حول مشروع القانون خاصة فيما يتعلق بعرضه على هيئة كبار العلماء قبل التصويت عليه إلا ان الصيغة النهائية للقانون بعد موافقة مجلس الشورى عليه وكذلك عدم عرضه على هيئة كبار العلماء يؤكدان أن "الشورى" ضرب بهذه الملاحظات عرض الحائط.. وهذا ما دفع قوى سياسية إسلامية - غير حزب النور - لإبداء اعتراضها على طريقة تمرير القانون مثل الجماعة الإسلامية وذراعها السياسية المتمثلة فى حزب البناء والتنمية التى أكدت على لسان الدكتور صفوت عبد الغني عضو مجلس شورى الجماعة أن تمرير القانون دون عرضه على هيئة كبار العلماء للبت في المواد الخلافية تصرف خاطئ. وأكد عبد الغنى أنه رغم أن البناء والتنمية كان معارضًا لبعض مقترحات حزب النور إلا أن تجاهل دور الأزهر في المواد الخلافية يمثل بادرة خطر في طريق التوافق لأن الجميع ارتضى العودة للأزهر في المواد الخلافية حتى لا ينفرد فصيل برأيه ويحدث انشقاق حول بعض القضايا.