استطاع الرئيس التركى رجب أردوغان ان يحتفظ بوجوده في السلطة، رغم ملفات الفساد المتهم بها، ولكن السؤال الذي يشغل بال المراقبين حاليا هو كيف سينتهي حكمه، لاسيما بعد أن منح لنفسه مزايا وسلطات واسعة ، أدت إلى سخط شعبي متزايد، كما أصابته بجنون العظمة ما تسبب فى فقدانه لأصداقائه الدوليين، وقد حاول الكاتب ميشيل روبين وضع عدة سيناريوهات لنهاية حكم أردوغان معتمدا على تاريخ الديكتاتوريين السابقين, مؤكدا في مقال له بصحيفة واشنطن اكسمينر, أنه لم يعد هناك أي نقاشا حقيقيا حول طبيعة نظام الرئيس التركي ، ففي العام الماضي أسقطت مؤسسة فريدوم هاوس تركيا من قائمة البلاد التي تتمتع بالحرية، لينضم إلى قائمة أخرى تضم دول مثل روسيا وإيران وكوريا الشكالية وفنزويلا. وفي عام 2012 وصفت منظمة مراسلون بلا حدود تركيا بأنها أكبر سجن في العالم للصحفيين، وليس هذا الأسوأ في البلاد ، فهيئات الضرائب أصبحت تقوم بمراجعة أي شخص يجرؤ على التبرع للخصوم السياسيين ، وحاليا أصبحت السجون التركية ممتلئة بأكملها بالسجناء السياسيين. ولفت الكاتب إلى أن أردوغان اعتاد على أن يصف الديمقراطية بأنها مجرد سيارة في الشارع يجب ركوبها حتى يتم الوصول إلى الوجهة المطلوبة. وأشار روبين إلى أن مجموعة واسعة من الأتراك الذين يزورون الولاياتالمتحدة وأوروبا يتحدثون عن الخوف والبارانويا التي يتم غرسها في المجتمع التركي، وكما هو الحال في الأنظمة الاستبدادية الأكثر إساءة في العالم، فإن الأتراك يخشون من كلمة خاطئة أو نكتة هشة يمكن أن تؤدي بهم إلى الاستجواب أو الاعتقال او السجن، وكما هو الحال في الدول الشيوعية في حقبة الحرب الباردة، يمكن لجار تقديم تقرير كاذب وإفساد حياة جاره. وأوضح روبين أن الدكتاتوريين قد يبدون للوهلة الأولى آمنين في قوتهم، حيث يستيقظ الديمقراطيون كل صباح واثقين في شرعية وأمن فترة حكمهم ، بينما كان يتوجب على الدكتاتوريين أن يثوروا كل يوم مدركين أنه كان يجب أن يكونوا ديمقراطيين، حيث إنهم لا يتوقعون أبدا الأزمة القلبية أو الاغتيال أو الانقلاب الذي سينهي حكمهم، ولكنهم يعملون بجد حتى يضمنوا أن لا أحدا سيأتي مكانهم. وبالعودة إلى أردوغان فإنه بعد حوالي 15 سنة من توليه رئاسة الوزراء ،يبدو أنه يشعر بأنه في مأمن من السلطة، على الرغم من أنه لم يحصل على تصويت الأغلبية إلا مرة واحدة، ومن المرجح أن يكون ذلك تم لأن من عينوه ومؤيدوه هم من قاموأ بإحصاء الأصوات. ورأى روبين أن هناك أربعة احتمالات لإنهاء حكم أردوغان في تركيا، أولها هو الموت لينتهي حكمه بجنازة رسمية، حيث أوضح الكاتب أن أردوغان يفضل هذا السيناريو ، مشيرا إلى أنه بسبب الفقر الذي عاشه في حياته، جمع ثروة تقدر بمليارات الدولارات ويكره المخاطرة بتخفيف قبضته على مقاليد السلطة حتى لا يفقد هذه الثروة، وعلى الرغم من جهوده الحثيثة لإبراز صورته على أنه رجل متدين، فإن زوجته أمينة ، مثلها مثل السيدة الأولى السابقة الأرجنتينية إيفيتا بيرون، أصبحت مدمنة على الفخامة . ورأى روبين أن تراكم الثروة العائلية والقدرة على إذلال أعدائه الأجانب والمحليين ليسوا الدوافع الوحيدة التي تشكل مسعى أردوغان للسلطة، فإبرازه للمعتقد الديني حتى وإن كان غير صادق ،قد يكون عاملا آخر، لاسيما مع اقتراب مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية التركية، حيث يسعى أردوغان إلى تأسيس جمهورية ثانية وإغلاق التابوت في نهاية المطاف على إرث كمال أتاتورك. وقال روبين إنه ربما كان السبب الأكبر لأردوغان للبقاء في السلطة هو ضمان إرث عائلته، في حين أن حزب العدالة والتنمية التابع له كان يستقل السلطة منفردا، حيث قام بطرح الحزم الحزبية جانبا مثل الرئيس السابق عبد الله جول، ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، اللذين يمكن أن تؤدي علاقاتهما برجل الدين المنفي فتح الله جولن إلى السجن في أي وقت، كما عمل في نفس الوقت على تعزيز أسرته حيث أولى مسئولية ثروات العائلة التي تبلغ مليارات الدولارات إلى نجليه أحمد وبلال، وقام بتعزيز مكانة صهره بيرات البيرق، الذي يشغل حاليا منصب وزير المالية، ويؤهله بشكل واضح لخلافته. ولفت روبين إلى أن أردوغان نسي أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك فعل نفس الأمر وكان يعد نجله جمال لخلافته، الأمر الذي أدى ليس فقط إلى غضب الشعب ولكن أيضا غضب المؤسسة العسكرية عليه، ومن ثم الإطاحة به، وبغض النظر عن ذلك، فإن أردوغان يقلل من شأن السكاكين التي يمتلكها أعضاء حزب العدالة والتنمية التي تنحرف جانبا، والتي تكمن في انتظار أحمد وبلال والبرات عندما يرحل أردوغان. والاحتمال الثاني أو السيناريو الثاني لنهاية حكم أردوغان هو المنفى كما يرى روبين ، حيث إن جنون العظمة عند الرئيس التركي قد يقوده بحيث لا يصبح آمنا بقدر ما يود أن يكون، فتركيا أصبحت كوعاء ضغط ، وقواته الأمنية هي الغطاء، ولكن مع كل عملية اعتقال ومصادرة وتطهير اقتصادي يلوح في الأفق، فإن الضغط يزيد، وقد تكون مسألة وقت فقط حتى يحدث انفجار . وقال روبين إن أردوغان يحب إدانة الثورة التي أطاحت بمحمد مرسي في مصر عام 2013، وهو أول رئيس لجماعة الاخوان المسلمين المنتخبين، لكنه يتجاهل القصة الحقيقية، ففي غضون عام واحد ،استطاع مرسي المستقطب بفضل أيديولوجيته أن يحول دعم ملايين الأشخاص العاديين ضده، والحقيقة هي أن السيسي لم يكن ليصل إلى السلطة لو لم يفقد مرسي دعم الشعب. ورأي روبين أنه في حال نهوض الشعب التركي قد يكون أفضل خيار لأردوغان هو الفرار إلى المنفى ، كما فعل الديكتاتور الأوغندي عيدي أمين الذي اختار المنفى السعودي، وكذلك فعل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن على، كما اختار الزعيم الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش موسكو، واختار رئيس جامبيا السابق يحيى جاما غينيا الاستوائية، ومثلما وجد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أنه ليس لديه أصدقاء ،فإن سلوك أردوغان الخاطيء قد يحد من خياراته، فاحتوائه لجماعة الاخوان المسلمين يعني أن السعودية خارج خياراته. وحتى روسيا لن تكون رهانا جيدا،لأن فلاديمير بوتين يعتبر أردوغان مفيدا ولكنه في نهاية المطاف يلعب دورا في محاولة إزعاج الغرب، وعندما لم يعد مفيدا، سوف يتخلص منه الرئيس الروسي مثل القطة التي تتخلص من "جثة الفأر" ، وفي نفس الوقت لن تكون فنزويلا خيارا جيدا حيث إن نظام مادودو قد لا يستمر، وحينها لن يكون أمامه سوى قطر وأذربيجان ، وسيكون عليه أن يشتري العقارات في أي منهما قبل أن يقوم من سيخلفه أو أي من أعداءه في المجتمع الدولي بتجميد حساباته الكثيرة. أما الاحتمال الثالث لنهاية حكم أردوغان فهو السجن ، حيث يقول روبين إن غالبا ما يخدع الدكتاتوريين أنفسهم بأنهم يستطيعون استعادة السلطة، حتى عندما يبدأ الشعب بالتحرك ضدهم ، حيث توفي الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش في السجن، كما رفض الرئيس العراقي السابق صدام حسين عرضا لنفي فخم في دبي وبقي طويلا في قصره، بينما كانت الدبابات الأمريكية تحاصر بغداد، وتعرض للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة وهو على حبل المشنقة. ورأى روبين أنه في حال اندلع الغضب العام وتغير النظام في تركيا ، يمكن للمدعين أن يختاروا الجرائم التي يتهمون بها أردوغان، فعندما انتخب رئيسا للوزراء ، كانت هناك بالفعل ملفات فساد معلقة تعود إلى عهده كعمدة في اسطنبول، كما أن تراكم ثروته الهائل ليس لديه تفسيرا قانونيا، كما شهد زملاؤه من حزب العدالة والتنمية على حساباته المصرفية الأجنبية، وفي الوقت الذي يرفض فيه تسجيلات الهاتف المسربة على أنها تلفيق، فإنه لا يوجد محلل للاستخبارات يشاطره هذا الرأي، كما أن تدميره لعدد من البلدات الكردية قد يشكل أيضا عددا من الجرائم ضد الإنسانية. وباختصار فإذا استمر أردوغان طويلا على خلفية الاضطرابات المدنية، قد يجد نفسه يواجه عقودا من السجن ، إن لم يكن مصيره أسوأ. والاحتمال أو السيناريو الرابع لنهاية حكم أردوغان، هو الإعدام، ويقول روبين إن الرئيس التركي الحالي لن يكون أول زعيم تركي يتم سجنه، ولكن إذا ما حاول منتقدوه الانتقام، وسمح نظام العدالة بذلك، قد يكون أول من سيتم إعدامه منذ عام 1960. ولفت روبين إلى أنه في عام 1950 أصبح رئيس حزب الديمقراطيين عدنان مندريس رئيسا للوزراء بعد أول انتخابات حرة في البلاد، واستمر في إدارة الحكومة للسنوات العشر اللاحقة، ولم يترأس فقط دخول تركيا إلى منظمة حلف شمال الأطلنطي ولكن أيضا على نمو اقتصادي لم يسبق له مثيل، لكن في عام 1960، وعلى خلفية من شكوك الحرب الباردة حول اتجاهه اليساري ، والتسامح تجاه الإسلام في الحياة العامة، قاد الجيش التركي انقلابا وأطاح به وسجنه في نهاية المطاف، ووجدت المحكمة أنه مذنب بجريمة اختلاس ، وانتهك الدستور، وأمر بمذبحة في اسطنبول أودت بحياة العديد من المواطنين اليونانيين في تركيا ، وفي 17 سبتمبر شنقه الجيش التركي. وأوضح روبين أنه لم يكن هناك مبررا للانقلاب ولا الشنق في قضية مندريس، في حين أن المؤرخين الأتراك غالبا ما يضعون حماية تراث تركيا فوق الحقيقة، لكن كانت هناك محاولة لتفخيم الظلم في مصير مندريس، في عام 1990، لكن البرلمان التركي لم يمنح عفوأ عن مندريس فقط ،بل سمح ببناء ضريح على شرفه. وبينما كان تطبيق عقوبة الشنق على مندريس جاء لإثارة الذعر في تركيا، إلا أن هذا الحادث يشمل سابقة أيضا، وإن كان مندريس بريئا، فإن أردوغان في معظم الحالات مذنب، لكن مع ذلك فإن إعدامه سيحوله إلى شهيد الأمر الذي سيدين جيلا جديدا من السياسيين الأتراك لمواجهة الاستقطاب والاضطرابات نفسها التي واجهتها الأجيال الأخيرة. وأكد روبين في نهاية مقاله أنه في كثير من الأحيان في الشرق الأوسط وتركيا، وخاصة في المجتمعات غير الحرة ،يخلط الأساتذة والصحافة والسياسيون بين التحليل والدعوة، وقد يتفاعل البعض سلبا في التعبير عن أي سيناريوهات لا تتوافق مع طموحات النظام، والنظر إلى مستقبل أردوغان المباشر يشير إلى أن مستقبله ليس ساطعا وأن الإذلال والعدالة يمكن في لحظة أن يحل محل الفخامة والقوة التي يعيشها أردوغان وعائلته.