أكد أن البيت الأبيض قرر التخلى عن "الحليف العجوز" منذ الوهلة الأولى أوباما اتصل بمبارك وقال له: "إن الإصلاح والتغيير ينبغى لهما أن يبدأ الآن" دائما ما تتخذ المذكرات نفس أهمية صاحبها ولذلك حققت مذكرات روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي الأسبق أعلى المبيعات في أمريكا حيث كشف عن الكثير من الأسرار التي أوضحت ماهية العلاقات بين واشنطن والعديد من دول العالم. واهتم جيتس بإفراد جزء هام من مذكراته التي حملت عنوان "الواجب" ونشرها في عام 2014 عن مصر وتحديدا الثورة المصرية وتداعياتها ،واللافت أنه حاول إظهار نفسه وكأنه المسئول الأمريكي الوحيد الذي حذر من خطورة وصول الإخوان المسلمين للحكم على الرغم من أن إدارة أوباما دعمت هذا الأمر بشكل كبير. وعن تعامل الإدارة الأمريكية مع القاهرة عندما نزل الناس للشوارع فى 25 يناير قال جيتس ":كانت خطوط الاتصال بين واشنطن وعواصم الدول العربية فى الشرق الأوسط تكاد تشتعل فى تلك الفترة. قبلها بأسبوع كانت هناك مظاهرات فى عمان واليمن والأردن والسعودية، وكنت أنا، وجو بايدن نائب الرئيس أوباما، وهيلارى كلينتون وزيرة الخارجية، على اتصال دائم مع نظرائنا فى دول الشرق الأوسط لبحث الأوضاع فى مصر والمنطقة". وذكر جيتس عدد من الاتصالات التي أجراها حيث قال " تحدثت مع ولى عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وولى عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد الذى كانت آراؤه وأحكامه تحظى بدرجة عالية من احترامى وتقديرى. قال لى بن زايد إنه يشعر أنه يتلقى رسائل مختلطة من الولاياتالمتحدة، وأن ما يسمعه منى أو من بايدن ، ليست هى نفس الرسائل التى يتلقاها من البيت الأبيض أو من وسائل الإعلام. وانتهى إلى القول بأنه: «إذا انهار النظام فى مصر، فستكون هناك نتيجة لا مفر منها، هى أن مصر سوف تصبح نسخة من إيران ولكنها نسخة سنية " وكشف جيتس من خلال مذكراته ما دار في كواليس البيت الأبيض وغياب رؤية إدارة أوباما تماما فيما يتعلق بمرحلة ما بعد مبارك، التى كانت كل الاحتمالات الواردة فيها أسوأ من بعضها ، حيث قال "كانت الإدارة الأمريكية منقسمة على نفسها حول ما ينبغى عمله إزاء حشود الشباب التى اندفعت إلى ميدان التحرير فى 25 يناير،و كان أعضاء فريق الأمن القومى المحيطون بأوباما قلقين للغاية من الانتقادات التى يمكن أن يوجهها نشطاء حقوق الإنسان، الذين يتهمون أوباما بأنه كان بطيئا أكثر مما ينبغى فى اتخاذ رد الفعل المناسب على تطور الأحداث فى تونس، وطالبوه بتقديم دعم قوى للمتظاهرين فى ميدان التحرير" وأضاف جيتس "فى 28 يناير، اتصل بى مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ليخبرنى أن الرئيس أوباما عقد اجتماعا لمناقشة تطورات الشرق الأوسط وسير عملية السلام فيه، وتحول خط الاجتماع سريعا لمناقشة تداعيات الأحداث فى مصر. وحكى لى مايك ملخص ما دار فى الاجتماع، قائلا: إن أعضاء فريق الأمن القومى جون برينان وبن رودز ودينيس ماكدونوه اقترحوا على أوباما أن يتبنى موقفا داعما ومتحيزا بشدة لجانب المتظاهرين فى التحرير، وأن يطالب بتغيير القيادة هناك فى مصر، لكن جو بايدن، نائب الرئيس، وهيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية، وتوم دونيلون، مستشار الرئيس للأمن القومى، طالبوا بتوخى الحذر فى ضوء التداعيات المحتملة على المنطقة، التى ستترتب على ترك مبارك، الحليف لأمريكا لأكثر من 30 عاما ، إلا أن أوباما كان يميل لاتخاذ مواقف عدوانية ظهرت بوضوح فى بياناته وتصريحاته فيما بعد" ويبدو أن جيتس كان متخوفا من التدخل الأمريكي في مصر مستدعيا ما حدث من عواقب مثل هذا التدخل في الثورة الإيرانية حيث قال "التقيت مستشار الأمن القومى فى الثامنة والنصف من صباح اليوم التالى، يوم 29 يناير، وذكرته بالدور الذى لعبته الولاياتالمتحدة فى إيران عام 1979 عند اندلاع الثورة الإسلامية وسقوط الشاه، وعبرت له عن قلقى العميق من أننا ندخل بإرادتنا إلى منطقة شائكة ومجهولة وعواقبها غير مأمونة، وأن أوباما لن يستطيع ببعض التصريحات والبيانات أن يمحو ذاكرة المصريين حول تحالفنا الاستراتيجى الذى استمر لعقود مع مبارك، واقترحت شكل المسار الذى ينبغى أن تسير سياستنا فيه، وهو أن نطالب بعملية انتقال منظم للسلطة، لأنه علينا أن نمنع حدوث أى فراغ سياسى فى السلطة، لأن أحدا لن يملأ هذا الفراغ على الأرجح غير الجماعات الأصولية. وقلت إنه ينبغى علينا أن نكون متواضعين بشأن حجم ما نعرفه وما الذى يمكننا فعله. وأضاف جيتس فى مذكراته: "طمأننى مستشار الأمن القومى بأنه وهيلارى وبايدن، يتفقون جميعا فى نفس المخاوف، وفى قلقهم الشديد من أن الرئيس والبيت الأبيض وفريق الأمن القومى كلهم يميلون بشدة نحو ضرورة تغيير النظام فى مصر، والواقع أن فريق البيت الأبيض كانوا قلقين من أن يثبت التاريخ أن أوباما كان يقف فى صف الجانب الخاطئ، لكن كيف يمكن لأحد أن يحدد الجانب الصحيح والجانب الخاطئ من التاريخ فى الوقت الذى تبدأ فيه كل الثورات بالآمال والمثاليات وتنتهى بالقمع وإراقة الدماء؟ ثم إن السؤال الحقيقى هنا كان: بعد مبارك ماذا سيحدث" واعترف جيتس أن مرحلة ما بعد مبارك كانت أكثر ما يقلق الإدارة الأمريكية حيث قال "استمر الجدل الداخلى فى قلب إدارة أوباما فى نهاية الأسبوع، وفى اليوم الذى وصل فيه السفير الأمريكى الأسبق فرانك ويزنر إلى مصر حاملا رسالة لمبارك من أوباما تحثه على بدء عملية نقل السلطة، أجريت اتصالى الأول منذ اندلاع الأزمة مع نظيرى المصرى، المشير محمد حسين طنطاوى، ودعوته إلى التأكيد على أن الجيش سيمارس ضبط النفس فى تعامله مع المتظاهرين، وسيدعم الإصلاحات السياسية التى تحفظ للشعب المصرى كرامته، وكان المشير "لبقا" للغاية، ومطمئنا فى كلامه، قال لى إن الجيش المصرى مهمته الأساسية هى الدفاع عن مصر وتأمين المنشآت الحيوية، وليس إيذاء الشعب أو إراقة الدماء فى الشوارع، قلت له إننا قلقون من عدم قدرة الحكومة على القيام بتحركات حاسمة للوصول إلى حل سياسى للأزمة، وأضفت أنه بدون التحرك فى اتجاه انتقال سلمى للسلطة يشمل حوارا فعليا مع الوجوه المؤثرة فى المعارضة، فإنه كوزير للدفاع سيجد نفسه على الأرجح تحت ضغط عنيف للحفاظ على الاستقرار فى مصر، ورد على طنطاوى قائلا أؤكد لك أن مصر لن يصيبها سوء." واستمر القلق داخل البيت الأبيض وفقا لجيتس ففي "ظهر يوم 1 فبراير كان هناك اجتماع آخر لكبار الموظفين مع الرئيس أوباما، ودارت مناقشة حامية حول ما إذا كان ينبغى على الرئيس أن يتصل بمبارك أم لا، ولو أنه اتصل به فما الذى ينبغى عليه أن يقوله فى المكالمة، وقاطعنا الاجتماع لكى نشاهد مبارك يلقى كلمة موجهة للشعب المصرى، قال فيها إنه سيقوم بتعديل الدستور، ولن يترشح للرئاسة لفترة مقبلة بعد انتهاء مدته الرئاسية فى الخريف، وإنه سيبدأ حوارا مع المعارضة، وسيعين نائبا له، أى أنه باختصار كان يفعل بالضبط ما طلبت منه الإدارة الأمريكية فعله من خلال رسالة السفير ويزنر لكن، كان التوقيت هو عامل الحسم فى ذلك كله، وكنت أتساءل دائما ما الذى كان يمكن أن يحدث لو أن مبارك قد ألقى خطابه هذا قبل أسبوعين، إذن لاختلفت النتيجة تماما بالنسبة له." وأضاف جيتس" ظل فريق الأمن القومى الأمريكى يجادل حول ضرورة أن يتصل الرئيس أوباما بمبارك وأن يخبره بضرورة تركه لمنصبه خلال الأيام القليلة المقبلة. وظلوا يكررون أنه ينبغى علينا أن نقف على الجانب الصحيح أمام التاريخ. أما أنا وهيلارى وبايدن ودونيلون، فطالبنا بضرورة توخى الحذر، كان علينا أن نناقش تداعيات مثل هذا الإعلان على امتداد المنطقة كلها، ما الذى سوف يأتى لاحقاً؟ وسألت: ما الذى يمكن أن يحدث لو لم يرحل مبارك؟ عندها سيكون الرئيس أوباما قد حقق بعض المكاسب فى مجال العلاقات العامة، لكنه سيكون فى الوقت نفسه قد خسر نفس تلك النقاط مع كل الحلفاء العرب الذين نرتبط معهم فى المنطقة، وقلت إن 30 عاما من التعاون الأمريكى مع الحكومة السلطوية فى مصر لا يمكن أن تمحوها بضعة أيام من البيانات اللغوية المنمقة " وأقر جيتس أنه اقترح على الإدارة الأمريكية أن تعرض على مبارك خروجا آمنا من السلطة حيث قال" إذا أردنا فعلا أن نكون على الجانب الصحيح من التاريخ فلنترك مبارك إذن يغادر منصبه بشىء من الكرامة، بعد أن يسلم مهام منصبه لسلطة مدنية منتخبة فى عملية انتقال منظم للسلطة. كان هذا كفيلاً على الأقل أن ينقل رسالة للقادة الآخرين فى المنطقة بأننا لن نلقى بهم للذئاب، وقلت مجدداً: علينا أن نكون متواضعين بشأن ما الذى نعرفه وما الذى نقدر عليه. وفى نهاية الاجتماع، اتفق جميع المشاركين فيه على أن يتصل الرئيس بمبارك، وأن يبلغه تهنئته على الخطوات التى أعلنها، وأن يحثه على الرحيل المبكر، وتدخلت قائلاً إنه لا داعى لأن يستخدم أوباما كلمة فى حديثه مع مبارك، وأن يستخدم عبارة فضفاضة أكثر مثل (عاجلاً وليس آجلاً).. إلا أن اقتراحى قوبل بالرفض. كل كبار الموظفين فى الاجتماع نصحوا الرئيس بعدم إعلان تفاصيل مكالمته مع مبارك، لكن أوباما تجاهل نصيحة كبار الموظفين (هيلارى ودونيلون ونائبه جو بايدن)، وأخذ صف الشباب فى فريقه حول ما الذى ينبغى أن يقوله لمبارك فى المكالمة، وما الذى ينبغى أن يقوله عنها علنا واتصل أوباما بمبارك بالفعل، وفى مكالمة صعبة قال له: إن الإصلاح والتغيير ينبغى لهما أن يبدأ الآن." واستكمل جيتس حديثه عن الأيام الأولى للثورة قائلا "ويوم 8 فبراير، اتصل جو بايدن، باللواء عمر سليمان، وطالبه بدفع عجلة المفاوضات للأمام، وبإنهاء القوانين التى ساهمت فى الإبقاء على الحكومة السلطوية فى مصر، وطلب منه أن يظهر أن مبارك قد تمت تنحيته جانباً عن الصورة. وبعدها، قال لى بايدن إن عمر سليمان شكا له من صعوبة التفاوض مع الشباب الموجودين فى ميدان التحرير بسبب عدم وجود قيادات لهم. وعاد مبارك يوجه خطابه للشعب فى 10 فبراير، كان غالبية المصريين، ونحن معهم، يتصورون أنه سوف يعلن استقالته، إلا أنه على العكس قال إنه حتى وإن كان سيقوم بنقل بعض صلاحياته لنائبه عمر سليمان فإنه سيظل مستمراً فى منصبه رئيسا للجمهورية. فى تلك اللحظة قلت لنفسى لقد انتهى أمره" ولم يكمل جيتس انطباعه عن باقي الأحداث ولكن مخاوفه عن تحول مصر إلى إيران سنية يعطينا صورة واضحة عن عدم رضائه عن دعم الإدارة الأمريكية فيما بعد لجماعة الإخوان المسلمين.