أكدت الفنانة ماجدة الرومى في حوار اختصت به "الموجز" أن مصر هي قلب العروبة النابض، وإذا حدث لها أي مكروه سينهار العالم العربي بأثره، مشيرة إلي أن مشوارها الفني سيكتمل من جديد علي أرض مصر الخضراء وسط شعبها الطيب الآبي.. تفاصيل وأشياء كثيرة في نص الحوار التالي: في البداية حدثينا عن حفلة الإسكندرية بعد نجاحها الكبير؟ بصراحة شديدة، أنا سعيدة للغاية وسعادتي بالفعل لا تضاهيها أي سعادة أخري، بهذا الحفل الباهر، الذي شهد حضورًا جماهيريًا مذهلاً، واستقبالاً أكثر من رائع لي، رغم أنني بعيدة عن مصر منذ أكثر من 9 سنوات، لكن وجودي في حفل الإسكندرية جعلني أشعر بأنني لم أغب يومًا واحدًا عن الجمهور المصري العظيم، فقد شعرت بدفء الحب وبمشاعر لم أعشها من قبل، كما أن تفاعله مع في كل أغنية أؤديها، أكد حبهم لي وتقديرهم لصوتي. ولماذا اخترتِ أن تكون أولي حفلاتك بعد الغياب في الإسكندرية؟ لم تكن لي حرية الاختيار في بداية الأمر، ولكني حينما علمت بأن أول حفلاتي سيكون في محافظة الإسكندرية كنت بغاية السعادة، لأن المكان الذي أشعر فيه بالراحة النفسية وهو قريب جدًا إلي قلبي، فقد عشت فترة هناك ولي أقارب يعيشون هناك، لهذا فإن الإسكندرية مدينة رائعة الجمال ولا يمكن وصفها إلا بعروس البحر المتوسط بالفعل. وكيف كان رد فعلك من استقبال الجمهور لك؟ استقبال الجمهور لي بهذا الشكل الرائع، جعلني أشعر بالذهول والدهشة من حجم الحب الكبير الذي يكنونه لي، فمنذ أن وضعت قدمي بأرض المطار وجدت جموعًا غفيرة تنتظرني، ولم تتركني سوي بعد انتهاء الحفل، كل ذلك جعلني أشعر وكأنني أغني وسط أهلي، والله وحده شهيد علي حبي وتقديري للجمهور المصري العظيم، الذي لم أجد مثله علي مستوي دول العالم أجمع. وهل قمتِ بزيارات لمعالم الإسكندرية السياحية أو الأثرية؟ بالفعل قمت بزيارات محدودة، نظرًا لجدول العمل الزمني، وكنت أتمني أن أجد متسعًا من الوقت كي أتجول بشوارع الإسكندرية وأزور كل المناطق التي أعشقها، وما حرصت عليه في البداية أن أزور قبر الأستاذ العبقري الراحل يوسف شاهين. بمناسبة الأستاذ.. ما طبيعة علاقتك بالراحل يوسف شاهين؟ إذا تحدثت أعوامًا وأعوامًا، لا يمكن أن أوفي حق الراحل يوسف شاهين، فهو من أفضل الرجال الذين قابلتهم في حياتي كلها، يتسم بطيبة القلب وهدوء الحديث وكثرة الخبرة والإبداع، وتربطني به علاقة صداقة قوية للغاية، فهو أستاذي ومُعلّمي وصديقي الذي أشتاق إليه كثيرًا وأفتقده أكثر، ولهذا لم أستطع أن أتمالك أعصابي أمام قبره، وشرعت أنني أتمني رؤيته للآخر، فقد تناسيت الزمن وطافت بي قافلة الذكريات معه لأتذكر أفضل وأجمل سنوات عمري بجوار هذا المخلص المبدع الفنان الأبدي. هل تعتقدين أن حال السينما تدهور كثيرًا برحيل المخرج يوسف شاهين؟ بالطبع رحيل مخرج كبير بحجم يوسف شاهين، خسارة كبيرة للفن والفنانين لن تعوّض، ولكن السينما المصرية ولّادة للمواهب، لهذا لن يحدث تدهور قدر ما يعد أنه خسارة، لأن هذا المُعلّم، فنان حقيقي لا يمكن أن يعوّض بفكره الناضج ورؤيته التي ينظر لها الجميع بأنها إبداع خرافي عابر لحدود الزمن لا يمكن وصفه أبدًا. إذن ما سر اعتذارك عن الأعمال التي عرضها عليك؟ الاعتذار كان له سبب واحد وهو انشغالي بهموم وطني لبنان، فعقب فيلم "عودة الابن الضال" لم يكن لي أن أترك وطني في ظل الحرب اللبنانية، كان من الصعب أن أري قتلي هنا وهناك ورؤوسا تتطاير، وأنا في النهاية إنسانة لا يمكن أن أترك جيراني واهلي وأقف أمام الكاميرا، أنا لبنانية أبًا عن جد، لبنان كان يطعن من القريب والبعيد، هذا بالنسبة لي لم يكن مقبولاً بالمرة، لذا جئت أعتذر له ولولا وجود الناس حولي لصرخت: "أنا بحبك يا يوسف يا شاهين، فمكانته في قلبي كبيرة لا يعلمها إلا الله". هذا يعني أن الحرب اللبنانية أعاقت الكثير من أحلامك؟ أكيد ولا أتمني أن تعود تلك الأيام، فالإخوة كانوا يقتلون بعضهم البعض فهل هناك أكثر من هذا شيء يشعرك بالألم، لا أتصور أن أي إنسان يمكنه أن يتعايش مع تلك الأشياء، هذه أمور الله لا يعيدها علينا، لذلك أتمني من كل قلبي لوطننا العربي أن ينبذ العنف مهما كانت التضحيات، فالحرب بشعة لا أتمناها للعدو. وهل وجودك بمصر كل هذه الفترة بعد حفل الإسكندرية له علاقه بمشروعات فنية جديدة؟ بكل تأكيد؛ عقدت جِلسات عمل مع بعض الملحنين وأتمني أن أجد من الأعمال ما يشبع رغبتي، لكنني لن أعلن عنها الآن. وهل حرصتِ علي زيارة أحد من الفنانين أو مهاتفتهم بمجرد وصولك إلي مصر؟ بالفعل هناك العديد من الفنانين بمجرد وصولي لمصر، حرصت علي مكالمتهم وعلي رأسهم الملحن جمال سلامة والفنانة يسرا وكثير من الأصدقاء والمعارف، ودائمًا ما أحرص علي فعل ذلك، لأنني أشتاق كثيرًا لجِلسات الأصدقاء وصتفح الذكريات. وما رأيك في مستوي الغناء حاليًا؟ أري أن سوق الغناء علي مستوي العالم العربي معقول؛ ولكن الطرب الأصيل ينحدر إلي أسفل، خاصة أن الفن أصبح تجارة كبيرة، لا يهم أحد المضمون بقدر ما يهمهم المكاسب، لذا لا يوجد طرب أصيل في ظل وجود العمل التجاري، مع العلم أن هناك العديد من الأصوات الرائعة والمواهب الواعدة ويمكن أن تُقدّم فنًا أصيلاً يعدينا إلي أمجاد عبد الحليم حافظ وكوكب الشرق أم كلثوم. ولكن كيف تنظرين لسوق الغناء العربي حاليًا في ظل وجود أغاني مسفّه ومبتذله؟ الغناء المسف والمبتذل موجود ولن ينتهي؛ لكن الطرب الأصيل الذي يحمل مضامين عديدة لديه القدرة علي افتراس هذه النوعية المبتذلة من الغناء التجاري. وأري أن الجمهور بإختلاف أذواقه، يملك قدرة الحكم علي الأغاني الطربية والأخري التي تهدف إلي الربح فقط ولا تقدّم أي موضوع غنائي جاد وهادف. أين أنت من الأعمال السينمائية؟ حتي الآن لم أجد أي عمل سينمائي مناسب لي، كيف أشارك فيه، لاسيما أن صناعة السينما هي الأخري أصبحت تجارة كبيرة علي نطاق واسع، فما يقدّم حاليًا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتبره سينما حقيقية، ورغم ذلك لا أمانع الدخول في عمل سينمائي، بشرط ان يكون جادًا ويحمل مضمونًا هادفًا ويكون عملاً فنيًا مميزًا. ولماذا لا تشاركين في الأعمال الدرامية الحالية؟ الأعمال الدرامية الحالية، تتناول موضوعات لا تستدعي وجودي علي الإطلاق، وفي كل الأحوال فأنا أتمني أيضًا المشاركة في عمل درامي مميز، لأهمية سوق العمل الدرامي، ولكن الدراما التي تعرض علي المشاهدين حاليًا أشبه بالوجبات السريعة أو "التيك أواي". وهل من الممكن أن تقدّمي عملاً يتناول سيرة ذاتية لأحد المشاهير؟ أتمني أن أقدّم عملا فنيا يتناول سيرة الأديبة اللبنانية مي زيادة، التي عاشت في مصر وعاصرت العديد من الأزمات، ولها مشاركات ثرية في مناحي الحياة المختلفة، وهذا العمل بالفعل ما أحلم بتقديمه، ورغم صعوبته؛ إلا أنني أرحب بتلك الصعوبة من أجل تقديم عمل فني حقيقي. ولماذا ترفضين بالفعل المشاركة في "ديو غنائي"؟ هذا كلام غير صحيح علي الإطلاق، فأنا لا أمانع من المشاركة في ديو غنائي مع مطرب مميز أو مطربة موهوبة، خاصة أنني مقتنعة تمام الاقتناع أن الغناء يجب أن يقدّم التنوع الطربي بشكل مستمر. وما رأيك في نوعية البرامج الغنائية الحالية؟ هذه النوعية من البرامج الغنائية تنال إعجاب الجمهور، وهي أيضًا مفيدة جدًا، لأنها تعطي المواهب الشابة والأصوات الواعدة حق الظهور للجمهور بشكل أسهل وأيسر، لذا أجد أن هذه النوعية من البرامج تستحق التشجيع والتقدير، كونها أتاحت لسوق الغناء الانتعاش من جديد وتنمية أصوات ومواهب شابة. ولماذا لا تشاركين في هذه البرامج ضمن لجنان التحكيم؟ في الحقيقة لم يعرض علي هذا الأمر من قبل، وإذا عرض علي المشاركة في أحد برامج المسابقات الغنائية، سأحدد أولاً نوعية البرنامج والفكرة القائم عليها وفئة الجمهور المستقبل، ثم أوافق أو أرفض بعد ذلك. وأي الأصوات تفضلين سماعها من الجيل الحديث؟ بصراحة شديدة، أري أن الفنانة ذكري التي رحلت عن عالمنا، من أفضل الأصوات التي تجذبني، وكنت أتمني وجودها في هذه الأيام، وأحب أيضًا صوت شيرين عبد الوهاب، فهي تمتلك خامة خاصة جدًا، تؤثر في من يسمعها وهي شديدة الجاذبية، وهناك أيضًا أنغام وآمال ماهر مطربة كبيرة، وفي العموم مصر تمتلك قاعدة كبيرة من الأصوات طوال تاريخها، وهناك من النجوم أيضًا علي الحجار ومحمد منير كل هذه الأسماء لها تأثير في الأغنية العربية. ما الذي نحتاجه لمستقبل الأغنية العربية؟ أول شيء الأمان، لأن الفن مرتبط بهذا الأمر كثيرًا، فالخلق والعطاء مرتبطان بحالة الدفء التي يشعر بها الإنسان، والاضطراب الذي تعاني منه بعض البلاد العربية لا يخلق إبداعًا، أما العناصر الأخري فهي موجودة بالفعل مثل الأصوات والملحنين والشعراء، وطننا العربي يمتلك عددًا هائلاً من المبدعين. يلاحظ الجميع قلة أعمالك وعدم انتظامها.. ما السبب؟ الفن بالنسبة لي هو اختيار الأفضل، وأنا اتعب كثيرًا حتي أجد الأغنية التي تعبر عني، كما أنني أفتش في كل الأماكن عن عمل يعبر عني وعن الأصالة وفي نفس الوقت يصل للشباب، فأنا يهمني كفنانة أن أكون بين كل الناس، فالأغاني لا تجدها بسهولة ملقاة علي الطاولة، وأي إنسان ممكن يقدم ألبوماً كل أربعة شهور وليس كل عام، ولكن الأهم كما قلت أن تجد الشيء الذي يُحدث قبولاً من كل الناس، ومهمتي الأساسية تحرير الروح من قفص الجسد، والدخول إلي أعماق النفس. البعض يري أنك مطربة الصفوة؟ أنا لا أقبل هذا الوصف، وكل ما أملكه تقديم فناً راقياً للجميع، وإذا كانت هذه الصفة قد تسعد البعض، لكنها بالنسبة لي أمر لا يسعدني بل أتصوره كلاما يجرح أكثر منه أي شيء آخر، أنا مطربة ملك كل الناس وأغني لكل البشر، لكل الطبقات وربما أبعاد صوتي العالمية أعطت هذا الانطباع. علي الجانب السياسي.. كيف ترين الأوضاع الحالية؟ الوضع السياسي الحالي متدهور لأبعد الحدود علي مستوي الدول العربية كلها؛ فنحن تعرضنا لهجوم سياسي ووقعنا في فخ الأعداء، الذين نجحوا في تفرقة العرب كلهم بين صراعات سياسية ومادية لا سبيل لها سوي ضياع إرث الماضي. فأين هم العرب الحقيقيون الآن، أتمني أن يعودوا للاصطفاف من جديد حول هدف واحد تعلوه رايات السلام والأمان. الشأن العربي دائمًا يشغل مساحة كبيرة من تفكيرك؟ أكيد أنا ابنة هذا الوطن العربي، وأي شيء يحدث فيه أتأثر به سواء بالحزن إذا كان الأمر مأساويًا، أو بالفرح إذا كان الأمر مفرحًا، ووطننا يمر بظروف سياسية صعبة جدًا منذ ثلاث سنوات تقريبًا، ولذا أنا مهمومة بقضاياه، والكل يري ما يحدث في سوريا وليبيا ولبنان وفلسطين والعراق ومصر والباقي واقف في الانتظار. وبماذا تقصدين الباقي في الانتظار؟ أقصد أن الخطر قريب من كل البلاد العربية، لا أحد يتصور أنه بعيد عن المخاطر. وهل تعتقدين أن ثورات الربيع العربي حققت طموحات الشعوب؟ لم تحقق أي ثورة من ثورات الربيع العربي، أي آمال أو طموحات للشعوب، وأرفض تمامًا ما يسميه البعض أو تسميه أنت ب"الربيع العربي: لأن العرب تعرضوا لكارثة اسمها الخريف العربي، بمكر ودهاء الأعداء الذين نجحوا في إعلان الحرب علينا، من خلال حملات التشتيت والتفرقة غير المباشرة، ومن أجل إضعاف العالم العربي أمامهم وتحقيق أهدافهم الحقيرة. فالوضع في مصر أصبح مأساويا وفي سوريا كارثي، ومن غير المنطقي أن يظل الوضع علي ما هو عليه، فيجب أن تنهض الأمة العربية بأكملها حتي تعيد أزمان الانتصارات والتقدّم والرقي. لماذا تشددين دائمًا علي أن مصر أهم الدول العربية ويجب المحافظة عليها؟ مصر بلد التاريخ والحضارة وهي أكبر الدول العربية وشعبها الطيب أفضل شعوب الأرض، وأعتبر نفسي مصرية. ومصر هي المفتاح الذي يمر به أي عنصر أجنبي للدول العربية، وهي التي تربط دول العالم العربي كملها بعقد، وإذا حدث لها أي مكروه أو شر سينهار العالم العربي كله، ولن يبقي منه سوي أطلال. في مؤتمرك الصحفي بالإسكندرية قلت إن مصر لن تركع؟ طبعًا لأنني أعرف شعبها جيدًا، هذا الشعب الذي يعي قيمة وطنه جيدًا لا يقبل أبدًا أن تحركه أي قوي أو يحكمه باحثون عن مصالح، مصر أبية بشعبها، لهذا عندما قلت إن مصر لن تركع، أنا أعي معني الكلمة ومدلولها، إرادة الشعوب فوق كل اعتبار، لا يهزمها أحد مهما كانت قوته، وعلي الدول المتآمرة أن تعي هي الأخري هذه، الشعوب العربية لن يرهبها أحد، والمؤامرات التي تنسج لنا لا يمكن أن نقبلها، نحن صرنا شعوبا واعية.