يعتبرمسجد العزيز بالله -معقل الدعوة السلفية- أكبر بؤرة سلفية متشددة، ويقع بوسط حي الزيتون، بالقرب من محطة مترو حدائق الزيتون.. يعود تأسيس المسجد إلي الدكتور محمد جميل غازي في عام 1968 بهدف نشر الفكر السلفي في مصر ومنه انطلق الدكتور عمر عبدالرحمن أمير الجماعة الإسلامية السابق والمحكوم عليه بالسجن مدي الحياة بأمريكا، ومع الوقت أصبحت منطقة الزيتون معقلاً لهم لوجود المركز الإسلامي لدعاة التوحيد والسنة والذي يعد همزة الوصل الأساسية بين المكتبات والمساجد والزوايا. ويضم المسجد قسمين أحدهما للرجال وآخر للنساء، بجانب المستشفي الإسلامي والذي يقدم الخدمة بأسعار مخفضة وبه جميع التخصصات ومُزود بأحدث الأجهزة الطبية، المسجد به أيضاً جمعيات لمساعدة الأسر الفقيرة وغيرها من الأعمال الخيرية. ساحة المسجد الداخلية كبيرة للغاية، وتمتلئ بأكثر من ألفي شخص في صلاة الجمعة.. المسجد لم يقتصر دوره علي خدمة السلفيين فقط فقد اتخذه الإخوان "بوقا" لهم منذ عزل "مرسي" وقرروا أن يكون إحدي أهم الجهات التي تنطلق منها مسيرات الإخوان شبه اليومية. داخل مصلي السيدات بالمسجد، تجد عددا كبيرا من النساء المنتقبات المتشحات بالسواد يُصلين ويقرأن القرآن، مصطحبات معهن أطفالهن الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين شهر وخمسة أعوام، وتقوم الصغيرات اللاتي يتجاوزن سن السابعة بالصلاة خلف أمهاتهن وهن مرتديات خماراً صغيرا ًأو إسدالاً، وتجلس النساء في حلقات يتناقشن الأمور الدينية باستخدام اللغة العربية الفصحي. وتدورأغلب أحاديثهن الجانبية ومكالماتهن الهاتفية حول الشأن السياسي الذي يعترضن عليه، وسط حالة من الحزن الشديد والقلق والخوف عقب عزل "مرسي" وعلي من قتلوا في فض اعتصامي النهضة ورابعة، وقلق وخوف من عودة زوار الفجر لملاحقة أزواجهن وأولادهن. ولم يكن الاقتراب من السيدات والحديث معهن بالأمرالهين، فرغم عددهن الكبير يعرفن بعضهن جيداً كما يعرفن الغرباء أيضا فعندما دخلنا إلي مصلي السيدات، أخذت النساء تنظر إلينا نظرات ممزوجة بالحذر والترقب وبدا عليهن الريبة، وبعد مضي برهة من الوقت اقتربت فتاة وجلست بجوارنا وأخذت تقنعنا بضرورة ارتداء الحجاب الشرعي الساتر لجميع البدن. واعطتنا كُتيب بعنوان "الحجاب بين الموضة والشرع" للشيخ وحيد عبدالسلام بالي، كما أعطتنا كتيباً آخر يحمل اسم "أختاه.. وقفة مع النفس" تأليف الشيخ محمود الحصري. وعند سؤالنا عن إمام المسجد وعن كيفية مقابلته، قالت لنا سيدة رفضت ذكر اسمها: " الإمام يدعي الشيخ أحمد السيد ويؤمنا في أغلب الصلوات، ولا يمكنكم مقابلته حيث إنه مُطارد من قبل الجهاز الأمني ولذلك فهو لا يتحدث لأحد". وأضافت:" منذ بناء المسجد لم يدخله إمام أزهري، حيث إنه مبني بالجهود الذاتية، ولذلك لنا الحق في اختيار الإمام الذي نريده". وعندما تتجول في شارع العزيز بالله المشهور بشارع المنتقبات، تشعر وكأنك في منطقة مختلفة عن مصر تماما،ً في هويتها وأفكارها ووسطيتها، فتري انتشاراً كثيفاً للمكتبات المخصصة لبيع الكتب الإسلامية، اشهرها مكتبة سلسبيل التي تصدر الفكر السلفي لمصر بسبب بيعها للكتب السلفية منذ زمن بعيد دون رقابة، وبذلك كان لها دور كبير في تغيير هوية المصريين حيث تحمل الكتب والشرائط أفكاراً متطرفة، ويتصدرالمكتبة كتب من نوعية "ماذا لو حكم النصاري مصر " و" إسلام القساوسة والحاخامات"، " أسعد امرأة في العالم" لعائض القرني، بالإضافة إلي كتب وقاية الإنسان من الجن والشياطين والحسد، والطهارة والوضوء والفقة والأذكار والعلاج بالقرآن والأعشاب، كما تمتلئ المكتبة بكتب وشرائط الشيوخ محمد حسان والحويني ومحمود المصري. وبجوارالمكتبة توجد محلات العودة للطبيعة ومنتجاتها من ألبان وسواك وعسل جبلي وحبة البركة وتمور ولبن الإبل، والحجامة والسبح والبخور والروائح المسماة بالإسلامية مثل دهن العود والمسك وغيرها. وكذلك تجد تشكيلات مختلفة من الأزياء النسائية الشرعية من نقاب وخمار وملحفة وإسدال وجوارب وقفازات كلها باللون الأسود لتخفي كل جسد المرأة، وكذلك البيشة لإخفاء العين التي تظهر من ثقب النقاب حتي لا يتركن أعينهن للفتنة، وأيضاَ تجد جلابيب بيضاء قصيرة للرجال, وفي كل ركن من أركان شارع العزيز بالله تقابل كثيراً من النساء المنتقبات والشباب والرجال ذوي اللحية المطلقة، وكذلك تجد العبارات المُسيئة للجيش والشرطة وشيخ الأزهر علي الأسوار الموجودة علي جوانب الشارع وأمام المسجد. وأغلب قاطني الشارع والأماكن المحيطة بالمسجد يتكلمون بطريقة واحدة كأن لسان حالهم ينطق بكراهية وسخط وغضب قادر علي حرق بلاد بأكملها، وكأن قلوبهم تحجرت وانتزعت منها الرحمة، فأصبحوا يودون الانتقام من كل من أيد وشارك في فض اعتصامي رابعة والنهضة. من جانبه يؤكد بائع متجول رفض ذكر اسمه قائلاً "صلاة الجمعة في مسجد العزيز بالله لها طابع خاص، حيث يتزايد عدد رواده بشكل كبيرويتوافد عليه مئات من السلفيين والإخوان من كل أنحاء القاهرة ليؤدوا أطول صلاة جمعة، تبدأ من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتي قبيل صلاة العصر بدقائق ويتوقف فيها المرور بالشارع، بل قد يستدعي الأمر وجود سيارات الأمن المركزي تحسباً لأي طارئ، خصوصاً مع نوعية الخطب التكفيرية التي اعتاد المُصلون في هذا المسجد سماعها، وعقب انتهاء الصلاة تنطلق مسيرات ضخمة يُشارك فيها عدد كبير من الرجال والنساء للمطالبة بالإفراج عن مرسي، ومرددين الهتافات المناهضة للجيش والشرطة وشيخ الأزهر". ويستطرد قائلاً " هذا ليس جديداً، فالمسجد في الماضي كان أحد معاقل الجماعة الإسلامية حيث كان يستضيف الدكتورعمر عبدالرحمن والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ محمد حسان والشيخ محمود المصري والعديد من الأسماء الرنانة من قادة الجماعات المتطرفة التي نشرت العنف في كل ربوع مصر، أما في باقي أيام السنة فيأتي إليه العديد من الشيوخ والائمة والدعاة يحاضرون ويلقون خطبهم كما يقام علي مدار الأسبوع سلسلة من الدروس والمحاضرات المنتظمة ويتردد عليه الرجال والنساء".