لا أذكر كيف استقبلت الخبرالأول.. كنت فى مكتبى بالجريدة أجرى حوارا مع شاب أردنى يعد رسالة دكتوراة فى أمريكا عن صورة عبد الناصر فى السينما والدراما، ثم استغرقت فى قراءة وكتابة بعض الأشياء فسرقنى الوقت، ولم أدر أن بضعة ساعات قد مضت. فتحت الفيسبوك بشكل تلقائى لأعرف آخر أخبار الدنيا، فوجدت أول «ستيتوس» أمامى عن اقتحام مصفحات الجيش للمتظاهرين ودهسها لهم، كان الكليب المصاحب للتعليق مفزعا.. ولذلك أذهلتنى الأخبار التالية عما يحدث فى الشوارع وما يبثه التليفزيون الحكومى من إشاعات وتحريض.. لكن الكليب الأول جعل الجزء غير الواعى من تفكيرى فى حالة اطمئنان إلى أن الكذب لن يدوم وأن المجرم مكشوف مهما حاول التخفي. لا أذكر كيف تمالكت أعصابي.. اتصلت بالبيت وعرفت أن الضيفتين الإسبانيتين اللتين تستضيفهما زوجتى وصلتا بسلام وأنهما فى منزلنا. الاثنتان كانتا فى ضيافة مهرجان الإسكندرية السينمائى وقررتا عدم حضور حفل الختام لأسباب يمكن أن تقرأها على «صفحة 16» من هذا العدد. فوجئت بأن الفندق الذى تقيمان فيه هو «هيلتون رمسيس» حيث تدور المعارك بين المتظاهرين من ناحية والجيش والبلطجية وبعض الجهلة من الناحية الثانية.. وقررت أن أسارع بالعودة للمنزل لإقناعهما بعدم الذهاب إلى الفندق وقضاء الليلة عندنا. من الدقي، حيث مقر الجريدة، إلى منزلى فى شارع قصر العينى كان الطريق ملبدا بالعساكر والحرائق وأصوات الطلقات ورائحة الغاز المسيل للدموع، اضطررت إلى الالتفاف عبر الشوارع لأتجنب ميدان التحرير ووسط البلد، وبمجرد أن دخلت البيت تنامى إلى سمعنا أصوات صياح ومعارك فى الشارع، سارعت بالنزول مجددا والتقيت فى الطريق اثنين من جيرانى وهما الصحفيان محمد شعير من «أخبار الأدب» وإيهاب الزلاقى من «المصرى اليوم». عشرات من الشباب كانوا يتجمعون فى الشارع، واحد قال إن بعض البلطجية حاولوا الهجوم على البيوت كما حدث ليلة 28 يناير وأن الأهالى تصدوا لهم، وآخر قال إن البلطجى كان يحمل سيفا - «سنجة» - ويسأل القادمين من ميدان التحرير «انت مسلم ولا مسيحي؟» وأنه هاجمهم بالسنجة وأصاب بعضهم (اثنان منهم كانا مصابين بالفعل ) وأنهم هاجموه وأشبعوه ضربا وألقوا به فى مدخل أحد البيوت.. واحد قال إنه نجا من مجموعة بلطجية مماثلة سألوه وهو قادم عن ديانته، وأنهم حاولوا سرقته، ولكن لحسن الحظ لم يكن معه شىء يسرق. كانت عشرات الموتوسيكلات تجوب شارع قصر العينى رغم أن الجيش أغلق الشارع باتجاه التحرير وأمر القادمين بالانحراف إلى الشوارع الجانبية، الاستثناء الوحيد كان لراكبى الموتوسيكلات الذين تنطق ملامحهم بالتشرد والبلطجة، اقترب منا ضابط جيش يشهر مسدسه فى وجه الجميع وخلفه جندى قام بفتح «سونكي» البندقية وصاح فينا بجبروت أن ننقشع من المكان، وأنه لن يسمح بأى تجمع وأن علينا الانسحاب إلى الشوارع الجانبية والعودة لبيوتنا، ويبدو أنه خجل من منظر الموتوسيكلات التى تتحرك بحريتها فى حين لا يسمح للمواطنين العاديين أمثالنا بمجرد الفرجة.. ذلك أنه استدار ونحن نهم بالعودة وأوقف واحدا من الموتوسيكلات المندفعة. نظرت إلى وجوه الركاب الثلاثة.. كانت علامات الدهشة على وجه أحدهم بينما اقترب أحدهم من الضابط وهمس بشيء بالقرب منه فسارع الضابط بفتح الطريق له.. وراح يواصل الصراخ فى المارة و السيارات بينما يتعامل مع الموتوسيكلات كأنها ترتدى طاقية الإخفاء. أشياء عديدة شاهدتها هذه الليلة.. بلطجية فتحى سرور القادمين من السيدة زينب وبلطجية قسم عابدين الذين أعرف وجوه بعضهم من أيام الثورة، مرشدو أمن الدولة الذين طالما تجولوا أيام الثورة لتخويف وتحريض المواطنين على الثوار كانوا يجوبون الشوارع كالضباع يحرضون على قتل الأقباط. اختفاء الداخلية بالكامل كعادتها فى الظهور المكثف والاختفاء المفاجئ.. ولو افترضنا أنها لم يكن مطلوبا منها المشاركة فيما يحدث، فهل كان مطلوبا منها أيضا إخلاء الشوارع للبلطجية والمسجلين؟ ولكن من بين كل ما شاهدته يظل موقف ضابط الجيش الذى لا يرى الموتوسيكلات هو الأكثر إثارة للدهشة، والدليل الأكبر على نوع المؤامرة التى كانت تدبر