أحرقت جسور التواصل مع القوى السياسية فى مصر .. ولم تتوقع أن هزيمتها الحقيقية ستأتى بسبب عجزها عن إدارة الدولة خلال الأيام التالية تحل الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير، فعقب مرور عقد من الزمن على المظاهرات الشعبية التى وضعت كلمة النهاية لحكم الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك، من المهم رصد التحليلات والآراء الغربية التى تتناول هذا الحدث المهم الذى صاحبه صعود الإخوان السريع للسلطة قبل سقوطهم المدوى الذى وضع بدوره كلمة النهاية للحركة الإرهابية بمصر. 1- النفاق العجز والاستبداد يقدم كتاب إيريك تراجر، الباحث المتخصص فى شئون الجماعات الإسلامية (الخريف العربى: كيف فاز الإخوان المسلمون وخسروا مصر فى 891 يوماً) عرضاً مفصلاً لكواليس جماعة الإخوان خلال هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر. تكمن قوة كتاب «تراجر» فى أن الكاتب الأمريكى وصل إلى مصر قبل بدء الثورة لإجراء أبحاث حول جماعة الإخوان، ولهذا فقد كان على معرفة عميقة بكواليس الجماعة. كتب «تراجر» إن الجماعة «ليست حركة احتجاجية ولا حزب سياسى، على الرغم من أنها تصرفت أحيانا مثل كليهما، إنها أولا وقبل كل شيء منظمة هرمية صارمة تسعى إلى تغيير المجتمع المصرى، والدولة المصرية، وفى النهاية العالم». أحد الموضوعات الواضحة فى كتاب «تراجر» هو الافتقار إلى المهارات الإدارية بين قيادة الإخوان، فى روايته، قام الإخوان بحملة سياسية كبيرة ضد المعارضة المنقسمة، ورغم انتصارهم على المعارضة ووصولهم للحكم إلا أنهم لم يتوقعوا أن هزيمتهم الحقيقة ستأتى بسبب عجزهم عن إدارة الدولة، وبالتالى، حسب «تراجر»، فإن الفكرة الشائعة فى بعض الأوساط اليمينية، بأن جماعة الإخوان كانت تقترب من هدفها طويل الأمد المتمثل فى الاستيلاء على العالم تبدو مضحكة، حتى الإسلامين الآخرون رفضوا خطط الإخوان فى هذا الصدد، ذات مرة، قال الإسلامى السودانى حسن الترابى مازحا بعد ترك التنظيم، فى إشارة للإخوان فى مصر: «لا يمكنك إدارة العالم من القاهرة». ومع ذلك، حسب تراجر، ما من شك فى أن الإخوان كانوا بارعين فى نوع من الخطاب المزدوج، حيث يقولون شيئا ما للعالم العربى وعكسه تماما للعالم الغربى - وفى بعض الحالات، فى نفس الوقت، ويعود ذلك إلى حقيقة وجود عدة فصائل داخل جماعة الإخوان. كما يشير الكتاب إلى أن خلال الثورة، أحرق الإخوان ببطء الجسور مع الفاعلين السياسيين الآخرين بمصر، ليس فقط الجماعات الليبرالية، ولكن أيضا التيارات الإسلامية الأخرى، على سبيل المثال، سرعان ما تحول السلفيون فى مصر، الذين يبشرون بنسخة مختلفة من الإسلام، إلى أعداء، يقدم تراجر حكاية رائعة توضح ذلك. فى اجتماع جمع محمد مرسى من جماعة الإخوان مع زعيم للحركة السلفية فى مصر.سأل مرسى الرجل: من أنت؟ بعد تقديمه، كرر مرسى السؤال: من أنت؟»،وهى أسئلة تعكس غطرسة إخوانية. 2- سباق إلى القاع بمناسبة مرور عشر سنوات على ثورة يناير، يقدم الباحث الأكاديمى فى جامعة أكسفورد فيكتور ويلى كتابه (المحنة الرابعة: تاريخ الإخوان المسلمون 1968 - 2018) والذى يصدر عن دار نشر جامعة كامبريدج فى الرابع من فبراير القادم. أجرى ويلى حوالى 140 حوارا مع أعضاء الجماعة، بمن فيهم قادة سابقين وحاليين، إلى جانب أعضاء من المراتب المتوسطة بالجماعة، كما أجرى مقابلات فى مصر منذ بداية الاحتجاجات فى عام 2011 وحتى فترة ما بعد ثورة عام 2013، ومع الهاربين فى إسطنبول ومدن أوروبية أخرى حتى عام 2018. حسب ويلى يتحمل الحرس القديم، الذى يضم خيرت الشاطر ومحمود حسين الهارب فى تركيا، المسئولية عن العديد من الأخطاء الواسعة التى أسفرت عن انهيار الجماعة، تتضمن هذه الأخطاء تجنب احتجاجات عام 2011 فى بدايتها، التخلى عن ميدان التحرير بعد تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الفشل فى إيجاد أرضية كفاح مشتركة مع نشطاء من جماعات خارج الإخوان، والمرسوم الرئاسى الذى أصدره الرئيس السابق محمد مرسى فى نوفمبر 2012، والذى عكس هاجس الجماعة فى صياغة دستور يرضيهم، يضيف ويلي: «فى الأشهر التى تلت ذلك، كانت رئاسة مرسى ليست أكثر بكثير من مجرد سباق إلى القاع». حسب ويلى، عندما غامر الإخوان فى الفضاء السياسى الذى كانوا قد استخفوا به منذ فترة طويلة، أثبت الإخوان أنهم غير قادرين بشكل غير مفاجئ على تقييم قراراتهم وتفاعلاتهم بشكل معقول مع القوى الاجتماعية والسياسية الأخرى.