حينما صدر المرسوم الملكي باعتماد الجنيه المصري في يوم 4 يوليو 1924 ، تساءل كثيرون من أبناء الشعب المصري عن الصورة التي طبعت عليه، فلم تكن صورة السلطان العثماني الذي كانت مصر تحت لوائه وإن كان قد ضعف حكمه وقلت هيبته خاصة بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولي أوزارها، فقد أصبح هو ودولته علي وشك الانهيار. ولم تكن أيضا صورة لأحد الزعماء الأبرار كالزعيم مصطفي كامل الذي ظل طيلة حياته حتي وافته المنية في سن صغيرة ينشد باسم مصر وباستقلالها،أو صورة الزعيم الخالد الذي التف حوله جموع المصريين من كل مكان ينادون باسمه "سعد زغلول"، ولم تكن حتي صورة ملك البلاد فؤاد الأول ذلك الملك الذي كان قاسيا وساذجا، وإنما كانت الصورة لرجل فلاح مصري يحمل سمرة الجنوب , ولحيته البيضاء المتناثر فيها السواد تغطي الجزء الأكبر من وجهه وتغطي التجاعيد الجزء المتبقي، وعلي رأسه عمامة بيضاء وفي عينيه نظرة رضا وسكينة وعلي كتفه عباءة بسيطة، وهذا ماجعل الناس يتساءلون عن ذلك الشخص من يكون ولما وضعت صورته علي تلك العملة التي طالما يوضع عليها صور الملوك والسلاطين . الجواب لتلك التساؤلات كان في ميناء إيطاليا علي تلك السفينة التي كانت تحمل في داخلها ذلك الأمير المديون المسرف الساذج "فؤاد الأول "، والذي كان مسافرا في أدني درجة بها بعد أن فقد كل مايملك، وأفلت من ديون القمار، وبجانبه ذلك الرجل الطيب الخادم له منذ عشرين عاما والذي يرحل ويذهب معه أينما ذهب إنه: "إدريس الأقصري"، الذي قام من نومه علي حلم جميل أراد أن يقصه علي مولاه الأمير. لكن الأمير المديون لا يهمه حلم خادمه فهو دائما مهموم لا طاقة له بسماع حلم ساذج من خادم ثرثار، ولكن أصر إدريس أن يقصه علي أفندينا ، وقال له: لقد حملت أنك أصبحت ملك ، مصر وفجأة غير فؤاد نظره إلي خادمه وتلك الكلمات المستحيلة ، وفي ذهنه صورة السلطان المريض في مصر ولكنه تراجع عن ذلك بابتسامة ساذجة ، فقد تذكر أن للسلطان وريثا كما أنه يوجد في أسرة محمد علي من هو أولي منه ، فهو بعيد كل البعد عن ذلك، كما أنه عاجز عن حكم بلد لا يعرف فيها أي شيء حتي أنه لا يستطيع النطق بلغته ، واستمر إدريس يكرر حلمه علي أفندينا ، مؤكدا أنه رآه يجلس علي عرش مصر في قصر عابدين ، والجميع ينحني له لكن فؤاد زجره وقال له : اصمت فأنت مجنون وحلمك مثلك ، ولكن في نفس الوقت في قصر عابدين حدث مالم يتوقعه الأمير فقد تنازل الوريث كمال الدين عن عرش أبيه السلطان حسين كامل بعد أن بعث إليه وثيقة يطلب فيها إعفاءه من حكم مصر لأنه يكره هذا العرش الساذج الوهن،الذي يسيطر عليه الإنجليز ويحتقره الشعب ، ورجع السلطان إلي رغبة ابنه وتنازل الوريث عن حكم مصر ، ونشرت المقطم ذلك،وبعد وقت غير قليل هبطت السفينة الحاملة للأمير فؤاد وخادمه إدريس إلي ميناء الإسكندرية ، فجأة سمعا حامل الجرائد وهو يصيح " إقرأ خبر الأمير كمال الدين يتنازل عن عرش مصر" هنا اندهش فؤاد ، وقرأ إدريس الخبر ولكن ذلك لم يغير من الأمير شيئا فهناك من يرث العرش كالأمير عبد المنعم بن الخديوي عباس , ونسي فؤاد ذلك الأمر كله فهو أبعد مايكون عنه ، ولم يكن يعلم أن الأمير عبد المنعم قد رفضه الإنجليز واعترضوا علي توليته عرش مصر، ولم يكن يعرف أن الأمير كمال الدين قد هاجر هو وزوجته إلي فرنسا تاركا كل ذلك ، وظل بعيدا عن الأحداث حتي فوجيء فؤاد بدعوة لمقابلة اللورد "وينجت" المندوب السامي الحاكم الحقيقي لمصر ، ولبي فؤاد دعوة اللورد ولم يكن يعرف ماذا يريد ذلك اللورد منه ، ولكن فاجأه اللورد بأنه تم اختياره ليكون ملك مصر بعد أن يموت السلطان حسين كامل وأمره ، بألا يبلغ أحدا بذلك وأصاب فؤاد ذهولا طويلا حتي رحل من أمام اللورد متجها إلي بيته فوجد "إدريس" جالسًا فابتسم إليه وقال له انهض يا إدريس بك واستغرب إدريس من ذلك فلم يعط الرتب والألقاب غير صاحب الجلالة الملك ، فكرر فؤاد عليه وقال له لقد تحقق حلمك وأصبحت ملك مصر وستكون صورتك علي أول جنيه تصدره حكومتي ، وظهر يحمل صورة إدريس وسمي بجنيه إدريس في يوم 4 يوليو 1924 .