قطع خشبية متراكمة، وأصوات ضجير ينبعث من ماكينات تشكيل قطع الخشب المقطعة إلى شكل قالب، ورائحة نفّاذة تتصاعد منه، وشظايا خشبية ستتراكم على وجهك وملابسك حال اقترابك.. لتُعلن عن وجود ورشة تصنيع قوالب الأحذية. ففور وصولك لباب الشعرية، وأثناء تجولك في حواريها للوهلة الأولى، ستنجذب إلى شكل الأخشاب المتراكمة، بالإضافة إلى سماع صوت الماكينات اللاتي قد تؤثر على أذنيك من قوة صوتهم، لتلتفت ناحيتهم لتجد مجموعة من العمال مرسوم على وجوههم ملامح الشقاء، وحوّلهم أخشاب في كل مكان.
وأثناء محاولة الكشف عن سبب تراكم تلك الأخشاب، قابلنا عم "أمير" أحد حرفيين مهنة صناعة قوالب الأحذية، الذي تحدث مع "الفجر" عن صناعة قوالب الجزم منذ أن تعلمها المصريين من الأجانب أثناء الاحتلال البريطاني في مصر، حتى طوّرها الصينيين والسوريين وهددوها بالإنقراض من مصر.
"أمير عيد" رجل أربعيني، من قدماء صانعي قوالب الأحذية في مصر، توارث المهنة عن أجدادها، وعلمها لأبنائه، وبالرغم من انقراضها ورفض الشباب الالتحاق بها إلا أنه لا يمكنه الاستغناء عنها، فقال: "أنا اتعلمت المهنة دي من والدي في صغري، وهو كان اتعلمها من الخواجات زمان، ومن يوم اتعلمتها وأنا شغال فيها ومش هعرف اشتغل في حاجة تانية غير في صنع قوالب الجزم رغم أنها أصبحت شبه منقرضة".
ووصف أمير صناعة قوالب الأحذية ب"مهنة الشقى"، موضحًا أن للمصريين تعلموها من الخواجات، ثم أصبحت تورث لديهم، ويقول: "مهنة صناعة قوالب الجزم مهنة صعبة، بتتوارث، ومن زمان كان اللي بيشتغلوا فيها بيعملوا المهنة لأولادهم بس، خوفاً أن حد غيرهم يدخل المهنة، علشان كده كانوا ناس قليلين ومعروفين، وفي الأصل إحنا خدناها من الخواجات".
وعن وضع وتعلم المهنة في الوقت الحالي يقول أمير: "دلوقتي مفيش حد بيحب يشتغل في صناعة القوالب لإنها من المهن الصعبة، ومحدش بيقدر يشتغلها بسبب التعب والارهاق البدني اللي بتسببه".
وكغيرها من المنتجات المصرية تأثرت صناعة قوالب الأحذية بهوجة إرتفاع الأسعار، فيشير عم أمير إلى أن ثمن شجرة الجازورينة وصل ل800 جنيه، ويصنع منه 50 قالب.
وعن مراحل تصنيع قالب الحذاء، يقول عم أمير، أن تصنيع القالب يتمثل في 5 مراحل، وشرحها قائلاً: "بنجيب خشب الجازورينة، وبيكون متقطع حتت صغيرة (الشجر علشان يكون قالب بياخد 6 شهور) وندخله تحت المنشار يتقطع ويتظبط، وبعدين بنأخذه على ماكينة الإسطمبة، وتتظبط الفورمة المطلوبة ويشكل القالب زى ما هو مطلوب، بعدين بناخده على ماكينة المبرد، بعدها نصلح البوز، بعدين بنأخذه لماكينة التشطيب والصنفرة للوش الخشن، وبعدها الوش الناعم، علشان تبقى ناعمة".
وعن مدة تصنيع القالب، يقول عم أمير: "تصنيع القالب للصنايعية النموذج الأول اللي بيكون صعب ممكن ياخد ساعتين، والنماذج اللي بعد كده بتاخد 6 دقائق للفردتين لإن القالب بيكون جاهز من النموذج الأول".
ولتصنيع القوالب يجب توافر الآتي حسب حديث عم أمير: "5 أفراد، مكنة قوالب، منشار، مبارد، خشب جازورينة..تكلفة صناعة القالب 30 جنيه للفردتين"، مشيراً إلى أن يومية العامل (الصنايعي) تصل ل150 جنيه، موضحاً أن المهنة الآن أصبحت في خسارة دائمة، كما أنها مهددة بالإنقراض.
أما عن شكل القالب فيقول عم "أمير": الطول والعرض مش مهمين فى القالب قد ما الواجهة الأمامية هى المهمة وهى مكان أصابع القدم، والتى بناء عليها يتم تشكيل "فورمة" الحذاء فهناك العريض وهناك المسحوب..والمقاسات تكون واحدة الحريمي 37، والرجالي 41".
فيما هُددت صناعة قوالب الأحذية بسبب الصناعات الصينية والسورية، فقال عم أمير: "صناعة قوالب الجزم فيها مشاكل نقص للإمكانيات (المكن) والعمالة، ودول الحاجتين اللي وفرهم الصينيين والسوريين اللي بورشهم المتطورة هيخلوا مهنتنا تنقرض..وكمان الشجر اللي بنصنع منه القوالب هينقرض لأنه مبقاش يتزرع، الفلاحين مش بيزرعوه لأنه مش بيفيدهم، وإحنا مش هنعرف نبدل القوالب الخشبية لبلاستيك زي السوريين لنقص إمكانيتنا، فساعتها عيشنا هيتقطع ومش عارفين هنشتغل ايه".
وفي نهاية حديثه قال: "أنا مش هتمنى أي حاجة تحصل بصناعة القوالب لإنها مهنة أجدادنا، وبطلب من الدولة انها تدعمنا علشان نقدر ننافس الصين والسوريين بمنتجاتنا المصرية"، واقترح قيام غرفة الصناعات بشراء مكن جديد وأن يقوم باقي صناع المهنة بشرائها منهم بالتقسيط لمنافسة السوريين والصينيين.