مولد ينظمه المخرج مجدى الهوارى بصفته حفيد الشيخ سلامة ابن حسن الراضى مؤسس الحامدية الشاذلية ممنوع دخول المسيرات إلا لأبناء الطريقة أصحاب الشارات الخضراء فى أزقة منطقة باب الشعرية الضيقة، وبالقرب من أطراف شارع الجيش، هناك فى منطقة «حوش حُمص»، قد تمر أمام ضريحه دون أن تلتفت، فكيف لتلك القُبة الصغيرة التى تحتضنها منازل الفقراء أن تسترعى انتباهك، ولكن بمعرفة بعض تفاصيل سيرته، ستدرك أن ضريحه لا يجب أن يكون بعيدًا عن أحضان من عاش لأجلهم. 1- طريح الضريح هو سلامة بن حسن الراضى، مؤسس الطريقة الحامدية الشاذلية فى مصر، الذى وُلد فى 16 رجب عام 1284 هجريًا، الموافق 4 ديسمبر عام 1867 ميلاديًا، بمنطقة بولاق بوسط القاهرة الخديوية، لأسرة اشتهرت بالورع، تتكون من أبوين شريفين يمتد نسبهما إلى الحسين بن على بن أبى طالب، حفيد رسول الله. ابتعد عما ألفه الأطفال من لهو، وحفظ القرآن الكريم فى ال8 من عمره، وألف كتابًا فى الأدب والأخلاق قبل اكتمال عقده الأول، أجاد رسم الخط العربى، واهتم بالحساب، قيل عن والده، أنه اعتاد قيام الليل بمائة ركعة يوميًا، وسافر إلى الحجاز من القاهرة سيرًا على الأقدام ليؤدى مناسك الحج. عمل فى الخاصة الملكية الخديوية فى سن ال13، وكان مثالا للموظف المنضبط، الذى شهد له الجميع بحسن الخلق، والإيمان، أحب الأتقياء وسعى لجوارهم، وخصص لنفسه وِرْدًا يوميًا لذكر الله اثنتى عشرة مرة، اعتاد الصيام، حتى أنه كان يقضى نحو 300 يوم فى العام صائمًا. اشتهر بقوله: إنى الفقير، مَنّ الله علىّ بمعرفتى للطرق المشهورة الأربعة وغيرها، إلا أن الله اختار لى ألا يكون ظهورى بالطريق إلا شاذلياً، قاد الدعوة إلى الطريقة الشاذلية فى مصر، مقتضيًا بالإمام أبوالحسن الشاذلى، إلا أنه غلفها بالحداثة، ونفى عنها الكثير من البدع، وأقر له مشايخ عصره بطريقته لما وجدوا فيه من علم وعمل وحب. 2- المولد يختلف الاحتفال بمولده، شكلاً ومضمونا، عن غيره من الموالد، فعندما تشاهد مراسم الاحتفال تشعر كأنك فى ليلة زفاف بأحد فنادق ال5 نجوم، ويرجع الفضل فى ذلك التنظيم الرائع إلى المخرج السينمائى الشهير مجدى الهوارى، زوج الفنانة غادة عادل، حيث يمتد نسله إلى الشيخ سلامة بن حسن الراضى. ويحرص دائما «الهواري»، على وضع لمساته الفنية الإبداعية فى تنظيم تلك الاحتفالية، فى شهر رمضان من كل عام، لجذب أكبر قدر ممكن من سكان باب الشعرية، للاحتفال بمولده، ورصدت «الفجر» خلال جولتها الميدانية، الشكل النهائى لاحتفالية الليلة الكبيرة لمؤسس الحامدية الشاذلية فى مصر. سترى أسلاك الإنارة تتدلى بطول شارع الجيش، وتستقر كشافات الإضاءة عالية الضغط فوق أسطح المنازل، وستعبر عند مدخل الشارع ومخرجه الذى يمتد حتى شارع البنهاوى، بوابة ضخمة من اللمبات متعددة الألوان، قد لا تقوى عينك على النظر إليها لثوانٍ معدودات بسبب قوة إضاءتها، ويتدلى من البوابة المضيئة شاشة تليفزيونية كبيرة، تملأ طول وعرض «حوش حمص»، الذى يوجد به مقام الشيخ. داخل الشارع حيث يستقر الضريح، ستسير فى سرادق كبير من الحرير المزركش، تنتشر به العديد من المباخر، التى أضفت جمال الشكل والرائحة على المكان، لتبدأ مراسم الاحتفال بمسيرة حاشدة، تملأ شوارع وميادين باب الشعرية، يتقدمها كبار أبناء الطريقة الشاذلية، ثم الأقل سنًا، ثم الشباب يتبعهم الأطفال. ويحتفظ الشاذليون بالعديد من العادات والتقاليد، والتى يأتى على رأسها حظر التوغل داخل المسيرة سوى لأبناء وأعضاء الطريقة فقط، وتفاديًا لاختلاط الناس بالمسيرة، يتم التمييز بينهم من خلال شارة خضراء، يلتزم الجميع من أبناء الطريقة الشاذلية بارتدائها منذ لحظة بداية سير المسيرة وحتى اختتامها. ويرددون خلال مسيرتهم كلمات الأنشودة المخصصة للشيخ مؤسس الطريقة فى مصر، فيقولون: «ياسيدى سلامة ياصاحب الكرامة.. نظرة للأحبة.. وحياة القيامة»، كل ذلك وسط تأمينات شرطية عالية المستوى، يشترك فيها ضباط، وأفراد الأمن من قوات شرطة قسم باب الشعرية، تحسبًا لوقوع أى مضايقات، أو احتكاكات، قد تتسبب فى إثارة الفوضى والبلبلة أثناء الاحتفال، كما يتم وضع سيارتى إسعاف ومطافى بجوار سرادق المولد. 3- ال«عِمّة» بعد الانتهاء من المسيرة، يبدأ الاحتفال، بإحضار «عِمّة» الشيخ سلامة بن حسن الراضى، ليرتديها أبناء الطريقة الحامدية الشاذلية فى باب الشعرية، فيرقصون بها على أناشيد وأغانى الصوفيين الشهيرة، ثم يرتدى ال«عِمّة» أكبر أبناء الطريقة سنًا، ويبدأ الشباب فى الاقتراب من رأسه، ليضعوا أيديهم على ال«عِمّة» ويتمسحون بها لينالوا بركة الشيخ -بحسب معتقداتهم. واعتادوا على إقامة احتفاليات لأولياء الله الصالحين، وخصصوا لذلك يومًا واحدًا فقط، بينما يظل مولد الشيخ سلامة بن حسن الراضى قائمًا طول أيام شهر رمضان، وهو الأمر الذى دفع سكان الحى لإطلاق لقب «مولد شيخ رمضان» على الاحتفالية، سائلين الله أن تدركهم بركته. وقال لنا أحد مريدى الشيخ، إن هذه أول ذكرى للمولد بهذا الشكل، فلم نعتد رؤية الفنانين، والمشاهير حريصين على الحضور للاحتفال بالمولد قبل ذلك، حيث لم يحرص على المشاركة فى المولد قبل ذلك سوى عدد ضئيل جدًا منهم، يأتى على رأسهم المطرب محمد ثروت، والممثلة هند عاكف، والمخرج مجدى الهوارى، وزوجته الفنانة غادة عادل. وتابع: منذ عدة سنوات.. نظم المخرج مجدى الهوارى احتفالية مولد الشيخ أمام سور مصر الفاطمى، وكان أحد أجمل الاحتفاليات التى نظمت منذ بدأنا الاحتفال بالمولد، وهذا ما أثار حفيظة بعض الناس بسبب عدم تكراره على هذا النحو كل عام، وعندما سألنا المخرج مجدى الهوارى عن سبب عدم إقامته للمولد على ذلك النحو الرائع مرة أخرى، قال: إن الهيئة العامة للآثار رفضت إعطاءهم تصريحا لإقامة الاحتفال بذلك الشكل مرة أخرى، لأن سور مصر الفاطمى أصبح من المحرمات الأثرية، التى لا يجوز إقامة أى شىء عليها.