ترجع الأحداث إلى عام 1948 منذ بداية العدوان الإسرائيلي على فلسطين، «قطاع غزة تحديدًا»، قامت سيدات ثلاث مع عدد كبير من المهاجرين بالنزوح من الأراضي الفلسطينية، وقدمن إلى مصر واستقرت أقدامهن مع من استقروا بجزيرة «فاضل» أو «جزيرة العرب»، كما يطلق عليها أهالي الشرقية. «جزيرة فاضل» هى تجمع لاجئين فلسطينيين تابع لمركز «أبو كبير»، في محافظة الشرقية بمصر، يبلغ تعداد سكانها أكثر من 3500 نسمة (350 عائلة)، جميعهم من اللاجئين الفلسطينين من منطقة «بئر السبع» الذين هجّروا عام 1948. بموجب تعريف وكالة «غوث» وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لا تُصنف جزيرة فاضل كمخيم لاجئين فلسطينيين؛ لأن مصر غير مشمولة بلائحة الدول التي تصنفها ال«أونروا» كمنطقة عمليات لها. تروي السيدة «عائشة»- 98 عامًا-، بصوت متقطع ومتآكل حروفه، قصة هجرتها إلى مصر، لا يسعك إلا أن تتجول في ملامحها التي رسم الزمن عليها لوحته المتمثلة في تجاعيد وجهها، تساعدنا ابنتها «فاطمة»، في توضيح ما تقوله لنا. تقول «عائشة»: «كنت صبية وزينة الشباب، جئت إلى مصر مع من جاءوا على قافلة من الجِمال، دفنَا غلالنا تحت الأرض على أمل الرجوع مرة أخرى إلى أرضنا، من خان يونس إلى الشرقية، المسافة طويلة والذكرى قاسية»، وعلى الرغم من دق الوشم –وسيلة العرب قديمًا للتعرف على أعمار بديلًا عن البطاقة- الذي يدل على بلُوغها من الكبر عتيًا؛ إلا أنها لم تستطع منع العبرات التي تدل على القهرة وألم الذكرى، كما لو أنها فارقت أرضها بالأمس. «نائلة» كانت الأصغر سًنا بين عجائز فلسطينبالشرقية، صوتها واضح، وجهها مزين بحلى ودق يدل على أصلها الفلسطيني، وهي في العقد السادس، تحكي بتحفظ – برغم بشاشة استقبالها- عن حياتها بفلسطين، تقول: «كنت قاربت على العاشرة من عمري، حين اتخذ جميع المعارف والجيران قرار الهجرة، قدمنا إلى مصر، ومن وقتها إلى الآن عشنا وتزوجنا هنا، مات من مات، ونتابع الأخبار مثلنا مثل المصريين، نحزن على ما يجب أن نحزن عليه، ثم ننسى وسط همومنا» أما «نائلة»، هي أقرب للحاجة «عائشة» في ظروف سكنها وحالتها الصحية، حدثتنا عن ذكراها الأليم الذي يتناقله أغلب سكان الجزيرة من ضمن حكايات ومواقف هجرة أجدادهم، تقول: «خرجت من البيت مع أسرتى خايفين، خدت ابني بين حضني وهربت، وبعدما وصلت لمنطقة الأبيار، اكتشفت أني خدت المخدة وتركت فلذة كبدي، فرجع 9 من الرجال يجيبوه، استشهدوا كلهم تحت الضرب الإسرائيلي».